جدل حاد في المغرب بشأن إدماج التربية الجنسية في مناهج التدريس
أوضحت دراسة حديثة أجريت في المغرب أن 55 بالمئة من المغاربة يرغبون في تدريس التربية الجنسية في المدارس؛ في حين يرفض حوالي ثلث المواطنين هذه الخطوة. وأعربت 60 بالمئة من النساء المستجوبات عن موافقتهن على تعليم التربية الجنسية. أما الذكور، فإن نصفهم فقط يود أن يرى دروسا في التربية الجنسية في المناهج الدراسية.
ويقول 6 شبان من كل 15 تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة إنهم يؤيدون الفكرة؛ في حين بدا التردد أكثر وضوحا بين المغاربة الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و34 عاما، حيث لا يوافق سوى نصفهم على الفكرة و38 بالمئة يعارضونها.
وأشارت الدراسة إلى أن الذين التحقوا بالتعليم العالي هم الأكثر رغبة في عقد دورات تعليمية في التربية الجنسية بالمدارس بنسبة 63 بالمئة، كما أن 60 بالمئة من الحاصلين على شهادة البكالوريا منفتحون على هذا الاقتراح؛ غير أن الأميين هم الأقل تقبلا للفكرة، إذ يتفق 37 بالمئة فقط منهم معها.
ويؤكد الحقوقي عزيز أدمين أن إدراج مادة التربية الجنسية يعد مطلبا حقوقيا قديما لأنها تخلق مصالحة بين الطفل وجسده دون تابوهات، موضحا “مشكلاتنا كمجتمعات عربية أن هناك توترا بين الفرد وجسده وتوترا مع جسد الآخر، والمصالحة تتم من خلال مجموعة من القواعد البيداغوجية التي تبين أن الجسد ليس شيئا وإنما ماهية لها كينونتها”. واعتبرت أمينة ماء العينين، البرلمانية والقيادية في حزب العدالة والتنمية أن تزايد حوادث الاعتداءات الجنسية على النساء والأطفال، والنقاش البرلماني حول مشروع القانون الجنائي، حيث أجمعت لجنة العدل والتشريع على ضرورة مراجعة الإطار القانوني الخاص بالعقوبات في هذا النوع من الجرائم، يتيحان الفرصة لتسليط الضوء على أهمية التربية الجنسية وضرورة تضمينها في البرامج الدراسية وفق مقاربة تربوية وعلمية مدروسة، حيث تظل المقاربة القانونية والزجرية وحدها قاصرة.
ومن جانبها أكدت النائبة في البرلمان بثينة قروري من حزب العدالة والتنمية أن اختصار مواجهة العنف ضد النساء في تدريس التربية الجنسية بالمدارس يعد مقاربة قاصرة، موضحة أن تدريس التربية الجنسية مطلوب إلا أنه يجب أن يكون ضمن رؤية علمية تتبلور من خلال حوار شامل بين الأطراف المعنية بالأمر.
وتقول أستاذة الفلسفة حليمة شويكة “صحيح أن المقاربة القانونية والزجرية غير كافية، لكن المقاربة التربوية حساسة وخطيرة، خاصة إذا كان من ستوكل إليهم هذه المهمة غير مقتنعين أو غير مهتمين بالمسألة أو لديهم توجهات جنسية غير سليمة، لذلك فالتفكير في إدراج التربية الجنسية في المقررات الدراسية ضروري ولكنه يقتضي درجة عالية من الحذر والدقة في تحديد الأهداف والمضامين الموجهة للناشئة”.
إدراج التربية الجنسية في المقررات الدراسية ضروري ولكنه يقتضي درجة عالية من الحذر والدقة في تحديد الأهداف
ويتفق المحامي بهيئة الدار البيضاء الهادي أبوبكر مع من يرون أن تحقيق شروط العيش الكريم مع تعليم جيد يمهدان لإدماج مادة التربية الجنسية في المناهج الدراسية، ويقول “لا مانع من إدراج التربية الجنسية في مناهج التعليم على أن تكون في إطار قيمي خال من التعابير الخادشة للحياء”.
ويوضح الفاعل الحقوقي، عزيز أدمين، أن الثقافة الجنسية لها تراتبية تتماشى مع سن الطفل وتعاطيه مع جسده ولا يمكن تعليم الطفل الممارسة الجنسية، وإنما يُوضح له جوهر العلاقة بين الرجل والمرأة وتُبسط له التغيرات الفيزيولوجية التي تحدث للجسد في فترات معينة من النمو وكيفية التعامل معها.
ويرى أحد أولياء الأمور نورالدين العاني أن المغاربة أدركوا أن التربية الجنسية حاجة ضرورية لأن الفهم الصحيح للجنس يجنب أبناءنا العديد من الأخطاء التي قد تؤدي إلى كوارث، وهي تمكن الطفل من فهم جانب مهم من كيانه وعلاقته بالآخر، ولا علاقة لها بالفساد الأخلاقي والانحراف الجنسي اللذين يمكن أن يتفشيا بسبب الجهل.
ويقول الولي خالد تاجر في المواد الغذائية ، “من أراد أن يعلم أبناءه ما يسمى التربية الجنسية فليفعل ذلك في بيته وليترك مدارسنا بسلام ولا يزدها تخلفا فوق التخلف الذي تعانيه”، مضيفا أن فئة قليلة جدا تريد فرض رؤاها المستوردة على مجتمع بأكمله فيما يخص مقترح تدريس التربية الجنسية، متسائلا “أليس هذا إرهابا اجتماعيا واستبدادا فكريا خطيرا ينبغي على العقلاء مواجهته وفضحه؟”.
وأكد الباحث في الفكر الديني إدريس الكنبوري أن معنى التربية الجنسية يكمن في تلقين المتعلم الأعضاء الجنسية لدى الرجل والمرأة وكيفية التعامل معها بشكل طبيعي دون عقد، وأن تدرس طريقة الممارسة الجنسية الطبيعية باعتبارها واحدا من السلوكات الطبيعية المدنية، ويطرح الكنبوري إشكاليات عديدة تحوم حول ما تثيره دروس التربية الجنسية من رغبات غريزية لدى المتعلم وكيفية تعامله معها.
ويقول “هناك فرضيتان، الأولى أن نفتح العلاقات بين الجنسين على مصراعيها، والثانية أن يتزايد الاغتصاب. هل المجتمع المغربي اليوم مؤهل للتكيف مع الإجابة الأولى؟ وهل الدولة قادرة على التسامح مع الثانية؟ ثم ألا نخشى أن تؤدي مادة التربية الجنسية إلى عكس المراد منها؟ إذ بدل أن تقود إلى الانضباط الفردي تؤدي إلى التسيب؟ وأنا معها ومع جميع المواد الأخرى، لكن يجب أولا وضع الشروط الموضوعية لذلك”.
ويعلق عزيز أدمين على هذا الرأي بالقول إن تدريس الثقافة الجنسية غير مرتبط بسن معين وإنما بأسلوب تعليمي يتعامل مع المستوى المعرفي للطفل، فلا يمكن تدريسه القواعد الجنسية المثالية وإنما تعليمه بعض القواعد المرتبطة بجسده. فالثقافة الجنسية مرتبطة بكيفية تكوين علاقة رضائية مع الطرف الآخر بعيدا عن الاغتصاب والإكراه، وهنا يمكن تدريس هذه الثقافة للأزواج أيضا.