الأزمة التركية تؤدي لإفلاس 10 آلاف شركة خلال شهر واحد
السبت 2018/09/08
بينما تنجرف تركيا باتجاه أزمة اقتصادية خانقة، تواردت الأنباء من قطاع الأعمال لتؤكد صحة هذا الطرح، فقد تراجع عدد العمال المُؤمّن عليهم، وفق البيانات الصادرة عن هيئة الضمان الاجتماعي، بمقدار 159 ألفا في فترة زمنية قصيرة لم تتعد شهرا واحدا.
واللافت للانتباه أن هذا الانكماش قد حدث خلال يونيو الماضي، الذي من المفترض أن يزيد فيه عدد العمالة مقارنة بباقي أشهر العام، بسبب توافر فرص العمل في الأعمال الموسمية، حيث تنتعش خلال هذا الشهر عدة قطاعات مثل السياحة والزراعة والإنشاءات.
لهذا السبب كان الانخفاض في أعداد العاملين من الأمور التي لفتت الانتباه كثيرا، والتي يجب التوقف عندها قليلا، حيث أنه من المتوقع، حسب بيان الهيئة، أن تعاود نسبة البطالة ارتفاعها اعتبارا من نوفمبر المقبل.
وتُرجِع هيئة الضمان الاجتماعي، انخفاض عدد العاملين إلى الاستغناء عن هذا العدد من العاملين بالتوازي مع إغلاق الشركات ومحالات العمل أبوابها، حيث تراجعت خلال يونيو بمقدار 10.272 من إجمالي أكثر من 1.87 مليون شركة تعمل في تركيا.
وتدعم بيانات القطاع الحقيقي ما يتردد عن وجود انخفاض حاد في عدد العمال المُؤمَّن عليهم؛ حيث تشير البيانات الواردة إلى تخلي أصحاب الأعمال عن عدد كبير من العمال لديهم، في الوقت الذي خفَّض فيه عدد آخر من الشركات، خلال الشهر الماضي، رواتب العاملين لديهم بمقدار النصف.
وجعلت هذه الوضعية أصحاب الأعمال يتطلعون إلى تحسن الأحوال خلال الأشهر المقبلة. ويتوقع إذا صارت الأحوال على
نفس الوتيرة، أن يشهد قطاع الأعمال استبعاد أعداد أكبر من العمال خلال الفترة القادمة.
ولفتت هيئة الضمان الاجتماعي إلى انخفاض أعداد صغار التجار والحرفيين والمزارعين بنحو 100 ألف شخص، فقد تراجعت أعداد صغار التجار والحرفيين بنحو 81 ألفا من إجمالي 2.07 مليون يمارسون المهنة، كما تراجعت أعداد المزارعين بنحو 19.5 ألفا من 709.6 ألف خلال مايو.
ومن المحتمل أن يكون السبب وراء الانخفاض هو عجز هؤلاء الأشخاص عن سداد قيمة الأقساط التأمينية، وبالتالي تم إلغاء قيدهم من قائمة العمال المُؤَمَّن عليهم؛ حيث أتاح العفو، الذي صدر قبل انتخابات 24 يونيو، الفرصة لإسقاط قيد التجار والمزارعين الذين عجزوا عن سداد قيمة الأقساط التأمينية مقابل ما عليهم من ديون.
أزمات سوق العمل في تركيا أصبحت أخطر المشكلات المزمنة بحسب تقرير حديث لمنظمة العمل الدولية
وهذا يعني أن الحكومة جرَّدت هؤلاء العمال، تجارا كانوا أو مزارعين، من حقوقهم التأمينية مقابل التغاضي عما عليهم من ديون عجزوا عن سدادها.
ويمكن النظر للانخفاض في عدد محال العمل والعاملين على حد سواء، كما نشرته الهيئة، على أنه مؤشر آخر على وجود أزمة ربما تفوق توقعاتنا.
وعندما نقارن بين زيادة أعداد المستفيدين من مخصصات البطالة خلال شهر يوليو بنسبة 26 بالمئة، والبيانات الصادرة عن هيئة الضمان الاجتماعي ندرك، بما لا يدع مجالا للشك، أن قطاع الأعمال لم يشهد خلال هذه الفترة أي تطورات إيجابية تدعو إلى التفاؤل؛ فلغة الأرقام تشير إلى اتجاه تركيا صوب أزمة كبير، حتى إن لم يرق هذا للقائمين على الحكم في البلاد.
وعند النظر إلى البيانات الخاصة بيونيو، ندرك أن متوسط الأجر اليومي للعمال تراجع من 20.3 دولارا إلى 16.9 دولارا بالنسبة للعاملين في الدولة، كما تراجع إلى 14.4 دولارا بالنسبة للعمالة المؤقتة.
ومن ناحية أُخرى، تُقتطع قيمة الضريبة وقيمة التأمين من أجور العاملين بنسبة لا تقل عن 30 بالمئة. وهذا يعني أن صافي ما يحصل عليه العامل يوميا في يده لا يتعدى 11.6 دولارا. ومن الطبيعي، مع الارتفاع المطرد في نسبة التضخم، أن يقابله ارتفاع سريع في أسعار جميع المنتجات، وعلى رأسها أسعار المواد الغذائية.
وفي السياق نفسه، أشار تقرير عن نسبة الجوع والفقر في تركيا، نشره اتحاد نقابات العمال في شهر أغسطس، إلى حدوث ارتفاع في أسعار المواد الغذائية بلغ نحو 20
بالمئة.
وبحساب حجم الإنفاق الشهري لأسرة مكونة من 4 أفراد على شراء مستلزماتها من المواد الغذائية، فلن يقل ما تدفعه هذه الأسرة عن 1812 ليرة (241.4 دولارا)، أي بزيادة 204 ليرة (31.7 دولارا)، مقارنة بما كانت تتحمله الأسرة مطلع العام الجاري.
وفي حين أثرت الأزمة سلبا باتجاه ظهور مئات الآلاف من العاطلين عن العمل كرد فعل طبيعي على الانكماش الحاصل في عدد العمالة في تركيا، نجد أن هناك انكماشا شهده دخل العاملين تسبب فيه الارتفاع الجنوني في الأسعار. وهذا يعني أن قطاع الأعمال كان أكثر القطاعات التي تضررت من الأزمة الاقتصادية، كما أن التحاق العمال، الذين فُصلوا من أعمالهم، بأعمال أخرى ليس بالأمر الهين، لأنه قد يستغرق سنوات.
الأزمة الاقتصادية تؤثر على سوق العمل من نواح عديدة، فهي تقلل من حجم الضرائب التي تحصلها وزارة المالية من ناحية، وتضطر الدولة إلى دفع بدل بطالة لجزء من العاطلين عن العمل من ناحية أخرى.
لقد أصبح سوق العمل في تركيا إحدى أخطر المشكلات المزمنة في وقت تبدو فيه الدولة، بحسب تقرير حديث لمنظمة العمل الدولية، عاجزة عن التصدي لأي بطالة أخرى جديدة.