المغرب وكوبا ووجع البوليساريو
الثلاثاء 2018/09/04
تشكل عودة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وكوبا عنوانا لحقبة جديدة في السياسة المغربية تجاه نزاع الصحراء المغربية، الذي طال لما يزيد عن خمسة عقود، حيث ظلت كوبا طوال عهد زعيمها الراحل فيديل كاسترو قلعة محسوبة على جبهة البوليساريو منذ منتصف السبعينات.
وبالرغم من أن هافانا لم تكن تمثل قوة سياسية على الصعيد الدولي بإمكانها أن تؤثر على ملف النزاع بطريقة مباشرة، إلا أن التحالف الذي عقدته مع الجبهة الانفصالية كانت له قوة رمزية بالنسبة للأحزاب الاشتراكية والشيوعية في المرحلة الماضية، حيث كانت تتضامن بشكل تقليدي مع الجبهة بوصفها “قوة تحررية” بحسب الخطاب الكوبي الذي كانت تتبناه العديد من التنظيمات اليسارية، بما في ذلك اليسار المغربي الراديكالي خلال حقبة السبعينات من القرن الماضي، مثل حركة “23 مارس” وتنظيم “إلى الأمام”.
حصلت القطيعة بين الرباط وهافانا في النصف الثاني من السبعينات، على إثر نشأة جبهة البوليساريو، وإنشاء ما سمي بـ”الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” عام 1976، حيث سارعت كوبا إلى الاعتراف بها فور الإعلان عنها.
ومنذ ذلك التاريخ أصبحت كوبا حديقة خلفية للجبهة التي كانت ترسل عددا من أفرادها لتلقي التدريبات العسكرية سنويا، بمن فيهم قيادتها العسكرية نفسها التي تلقت تدريبات على يد عسكريين كوبيين أمثال زعيم الجبهة الراحل محمد عبدالعزيز وزعيمها الحالي إبراهيم غالي، كما توفد بعثات طلابية للدراسة في جامعاتها ومعاهدها، بل إن الأمر لم يتوقف عند ذلك الحد، إذ كان أفراد القيادة السياسية والعسكرية في الجبهة يتلقون مساعدات مالية شخصية من هافانا، علاوة على المساعدات الموجهة إلى الكيان الوهمي الذي تطلق عليه الجبهة اسم الجمهورية، والمساعدات الموجهة إلى سكان المخيمات في تندوف.
بيد أن التحولات السياسية الداخلية في كوبا، بعد مرض واعتزال فيديل كاسترو عام 2006 وحلول شقيقه راوول كاسترو مكانه، ثم رحيل كاسترو قبل عامين، وتراجع الدول التي تعترف بجمهورية البوليساريو، والرؤية الدبلوماسية الجديدة لملك المغرب محمد السادس في ما يتعلق بالدفاع عن مغربية الصحراء، كلها عوامل سرعت التقارب بين البلدين.
وبدأ جبل الجليد في الذوبان بين الرباط وهافانا العام الماضي عندما قرر العاهل المغربي قضاء عطلته السنوية في كوبا، لأول مرة في تاريخ العلاقات بين البلدين منذ عقود، ولم يمض سوى أسبوع واحد ليتم الإعلان عن الوصول إلى اتفاق بشأن إعادة بناء العلاقات الدبلوماسية.
والواضح أن الزيارة الملكية، ذات الطابع الخاص، قد أصابت جبهة البوليساريو بحالة من الارتباك، بسبب المخاوف من فقدان حليف مهم ومصدر هام للتمويل والمساعدات العسكرية، إذ قام إبراهيم غالي، زعيم البوليساريو، بزيارة إلى هافانا ومقابلة راوول كاسترو، بهدف ثنيه عن تطبيع العلاقات مع الرباط. غير أن الزيارة فشلت في تحقيق أهدافها.
ويبدو أن هافانا باتت تدرك أنها تؤيد ورقة محروقة على الصعيد القاري والدولي، وأنها كانت تدعم منظمة تتصرف بطريقة المافيا. ذلك أن التقارير الدولية ما تفتأ تكشف حجم الاختلاسات للتحويلات المالية الدولية التي تتلقاها الجبهة باسم سكان المخيمات، وتحويلها إلى الحسابات الشخصية لمسؤوليها، وإعادة بيع المعدات العسكرية والأدوية في السوق السوداء.
وقد وصلت العلاقة بينها وبين هافانا إلى نوع من الابتزاز، كما حصل في السنة الماضية عندما وجه إبراهيم غالي رسالة إلى وزير الصحة الكوبي يطلب منه فيها عدم تسليم شهادات التخرج إلى الطلبة الصحراويين المرسلين من تندوف، خشية هروبهم وعدم عودتهم إلى المخيمات. وقد فسرت هافانا ذلك التصرف باعتباره تدخلا في شؤونها الداخلية، ودليلا على سقوط مصداقية الجبهة حتى أمام الصحراويين الذين تدّعي تمثيلهم.