الوضع الصحي لبوتفليقة يثير القلق في الجزائر
خلفت الأزمات المتتالية في الجزائر الأسابيع الأخيرة قلقا شعبيا غير مسبوق، إذ لم ينجل غبار فضيحة شحنة الكوكايين المحجوزة في ميناء وهران نهاية شهر مايو الماضي، حتى جاءت حملة التغييرات الجذرية المتواصلة وغير المفهومة في هرم المؤسسة العسكرية، ثم حلت أزمة وباء الكوليرا، وأعقبها سفر رئيس البلاد عبدالعزيز بوتفليقة للعلاج في سويسرا ثم عودته وسط غموض وشائعات متضاربة، تضاف إلى فشل حكومي في تسيير شؤون البلاد.
ورغم عودة الرئيس الجزائري إلى البلاد أمس، فإن ما روجت له وسائط إعلامية محلية محسوبة على السلطة عن وضعه الصحي فسح المجال أمام تصاعد الشائعات بشأن الفراغ السياسي على رأس السلطة، ومدى قدرة الرئيس على الترشح لولاية جديدة.
ونقلت شبكات التواصل الاجتماعي الجدل الدائر بين الجزائريين حول الوضع الصحي لبوتفليقة؛ ففيما توقع البعض أن الرئيس يقضي فترة نقاهة قصيرة في منتزه بالعاصمة السويسرية جنيف بالموازاة مع إجرائه لفحوصات روتينية، تحدث آخرون عن أن بوتفليقة ذهب ليعالج من مرض السرطان في مصحة تقع في إحدى ضواحي جنيف.
وتشهد أجندة الرئاسة الجزائرية نشاطا مهما منتصف شتنبر الجاري، يتمثل في زيارة مرتقبة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للجزائر، وهو ما يتوجب استقبالها من طرف رئيس البلاد، وظهوره في صورة مقبولة أمام المسؤولة الأوروبية وأمام الرأي العام، لتأكيد قدرته على استمراره في السلطة، امتثالا لمناشدات أحزاب السلطة.
ووقع تأجيل زيارة المستشارة الألمانية فبراير عام 2017، بسبب ما أسمته الرئاسة الجزائرية آنذاك بـ”عارض صحي يحول دون ذلك “، كما ألغيت زيارة أخرى للرئيس الإيراني حسن روحاني، في إطار جولة قادته لعدة دول أفريقية.
وتذكر بعض المصادر أن الرجل يعاني من عدة أمراض على مستوى الرئتين وسرطان في المعدة، فضلا عن إصابته منذ أبريل 2013 بجلطة دماغية أثرت كثيرا على قواه الجسدية والصحية، وسبق أن تنقل في عدة مستشفيات أوروبية للعلاج، أشهرها مستشفى فال دوغراس الفرنسي، ومستشفى “جينوليي” قرب جنيف.
وفي ظل التكتم على ملف صحة الرئيس، وغياب التواصل الرسمي من طرف المؤسسات الحكومية مع الشعب بغية التوضيح، يستقصي الشارع الجزائري أخباره من وسائل إعلام أجنبية، ومن شبكات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي فاقم حالة القلق والترقب، لا سيما مع حالة تخبط حكومي.
انتقال بوتفليقة إلى جنيف من أجل إجراء فحوصات جديدة، يطرح تساؤلات حول مصداقية القرارات الأخيرة الصادرة باسمه، المتعلقة بحملة الإقالات والتعيينات التي مست عددا من قادة وضباط المؤسسة العسكرية، حيث نسبتها البيانات الرسمية إلى رئيس البلاد، في حين يجهل فيه حقيقة وضعه الصحي الحقيقي
وقالت الرئاسة الجزائرية إن بوتفليقة عاد السبت بعد رحلة مدتها ستة أيام إلى جنيف، حيث أجرى فحوصا طبية. وهذه أحدث رحلة علاجية لبوتفليقة (81 عاما) خارج البلد منذ إصابته بجـلطة في عام 2013.
وطرح انتقال بوتفليقة إلى جنيف من أجل إجراء فحوصات جديدة، تساؤلات حول مصداقية القرارات الأخيرة الصادرة باسمه، المتعلقة بحملة الإقالات والتنحيات والتعيينات التي مست عددا من قادة وضباط المؤسسة العسكرية، حيث نسبتها البيانات الرسمية والتسريبات إلى رئيس البلاد، في حين يجهل فيه حقيقة وضعه الصحي الحقيقي.
وبات الوضع الصحي لبوتفليقة محلّ جدل في الجزائر لا سيما وأنه منذ أصيب بالجلطة الدماغية أصبح ظهوره نادرا ولم يلق أي خطاب ويواجه صعوبات في الكلام والحركة ويتنقّل في كرسي متحرّك.
وتفاقم مغادرة بوتفليقة الغامضة من أجل العلاج حالة الاحتقان الاجتماعي، حيث لا يزال الشارع الجزائري يعيش على وقع صدمة عودة وباء الكوليرا لعدد من محافظات البلاد، إذ أعلنت وزارة الصحة عن تسجيل حالتي وفاة جراء الإصابة بالمرض، فضلا عن إصابة نحو مائتي شخص غادر معظمهم المستشفى، في الوقت الذي تلاقي فيه الحكومة انتقادات بسبب فشلها في إصلاح المنظومة الصحية.
وأحدث غياب الرئيس مع الحديث عن وضعه الصحي المتدهور الذي يثير الشكوك في قدرته على أداء مهامه الدستورية ومتابعة شؤون البلاد، حالة فراغ غير مسبوقة في مؤسسات الدولة، ففيما كان ينتظر الإسراع لعقد اجتماع مجلس الوزراء لمتابعة الوضع الاجتماعي، جاء الإعلان عن سفر بوتفليقة للعلاج ليعمق حالة الفراغ.
واكتفت الحكومة بعقد مجلس حكومي مصغر تحت إشراف رئيس الوزراء أحمد أويحيى، وسط غليان اجتماعي، من أجل دراسة الوضعية الصحية، وقانون الموازنة العامة للعام 2019، في حين التزمت الصمت ولم تتدخل إلى حد الآن لطمأنة الرأي العام، رغم أن البلاد تحولت إلى بؤرة موبوءة، بعد إطلاق حكومات دول الجوار ودول أخرى إجراءات لمنع انتقال عدوى الكوليرا إلى بلدانها جراء حركة الأشخاص، وتطبيق بعض الإجراءات على البوابات الحدودية لتشديد المراقبة الصحية على الرعايا الجزائريين.
وبات علاج المسؤولين الكبار في المستشفيات الأجنبية محل انتقاد شعبي وسع من دائرة الاحتقان الاجتماعي في البلاد، إذ يجسد سلوكا رسميا يكرس الاختلالات الكبيرة في تسيير الشأن العام، فيما يكشف حجم الفوارق بين الطبقات الاجتماعية، ففي الوقت الذي يسافر فيه كبار المسؤولين في الرئاسة والحكومة والمؤسسات الرسمية للعلاج في الخارج، يعاني عموم الشعب من تدني الخدمات الصحية في مستشفياتهم المحلية.