تقييم برامج العرض الثقافي الموجه للمغاربة المقيمين بالخارج
يمثل مغاربة العالم أكثر من 10 بالمائة من ساكنة المغرب، حيث تجاوز عدد المسجلين لدى التمثيليات الدبلوماسية والقنصلية المغربية 4.2 مليون مغربي مقيم بالخارج.
وقد حرص المغرب منذ بداية التسعينيات على خلق العديد من المؤسسات التي تسهر على تدبير الشؤون الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والثقافية لمغاربة العالم وذلك لتعزيز الارتباط والحفاظ على جسور التواصل بوطنهم. ويتعلق الأمر بمؤسسات حكومية، ممثلة أساسا بالوزارة المنتدبة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة ووزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي ووزارة التربية الوطنية. بالإضافة إلى مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج
كمؤسسة استشارية، ومؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج كمؤسسة ذات بعد اجتماعي وثقافي.
ويتفق هؤلاء الفاعلون حول المكانة الأساسية التي يجب أن تحظى بها الثقافة في كل سياسة موجهة لمغاربة العالم، لأن لولوجهم ومشاركتهم في الأنشطة الثقافية الوطنية دورا محوريا ليس فقط في تعزيز هويتهم المغربية، ولكن أيضا في إدماجهم اجتماعيا في بلدان الاستقبال وفي الترويج لصورة المغرب بالخارج.
وفي هذا الإطار، تعرف برامج العرض الثقافي المنجزة من طرف الفاعلين المؤسساتيين لصالح المغاربة المقيمين بالخارج، مجموعة من الاختلالات المرتبطة غالبا بجوانب التنسيق على مستوى المبادرات واستعمال الوسائل والموارد والحكامة (في أبعادها التنظيمية والمسطرية والتخطيط والبرمجة).
I. ملاحظات وتوصيات المجلس الأعلى للحسابات
أسفرت مهمة تقييم برامج العرض الثقافي الموجه للمغاربة المقيمين بالخارج عن تسجيل عدد من الملاحظات من طرف المجلس الأعلى للحسابات وإصدار مجموعة من التوصيات، نوردها كما يلي.
أولا. التنسيق بين الفاعلين في العرض الثقافي الموجه لمغاربة العالم على مستوى التنسيق بين الفاعلين في العرض الثقافي الموجه لمغاربة العالم، سجل المجلس النقائص التالية.
× ضعف آليات التنسيق بين المتدخلين المؤسساتيين يعتبر تعدد المتدخلين المنخرطين في العرض الثقافي الموجه للمغاربة المقيمين بالخارج دليلا على الأهمية التي يخصصها المغرب لتعزيز الهوية والروابط مع مغاربة العالم. غير أن هذا التعدد أدى إلى ظهور بعض المعيقات التي تحد من فعالية ونجاعة وترشيد الموارد المخصصة لإنجاز البرامج والأنشطة، وذلك نظرا لضعف آليات التنسيق وعدم الإلمام بالتطلعات والحاجيات الثقافية لمغاربة العالم. فغالبا ما يقوم كل متدخل على حدة بإنجاز برامج وأعمال ثقافية، دون الأخذ بعين الاعتبار تلك التي تم إنجازها من طرف باقي المتدخلين. وبالرغم من عقد اجتماعات من حين لآخر يحضرها بعض الأطراف، لا يتم دائما إخبار المتدخلين بالمهام المنجزة والقرارات المتخذة.
ومن أجل مواجهة مشاكل التنسيق، أحدثت في سنة 1998 لجنة وزارية مشتركة لدى الوزير الأول مكونة من 15 وزير، غير أن هذه اللجنة ظلت غير مفعلة.
وفي سنة 2013، أحدثت من جديد لدى رئيس الحكومة لجنة وزارية لشؤون المغاربة المقيمين في الخارج، وذلك بموجب المرسوم رقم 2.13.731 الصادر في 30 سبتمبر 2013 المتعلق بإحداث اللجنة الوزارية لشؤون المغاربة المقيمين في الخارج. كما أسندت بموجب نفس المرسوم لمديرية التعاون والدراسات والتنسيق القطاعي، لدى الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، مهام الكتابة الدائمة لهذه الجنة. ورغم أنه كان من المفروض على هذه اللجنة الوزارية أن تجتمع مرتين في السنة على الأقل، إلا أنها لم تجتمع سوى خمس مرات منذ إحداثها، حيث عقدت آخر اجتماع لها بتاريخ 26 ماي 2017.
في نفس السياق، تم وضع آليات أخرى للشراكة، غير أنها لم تحقق أثرا فعليا على مستوى التنسيق والتعاون والتقائية السياسات، بل حتى على مستوى الانعقاد المنتظم لاجتماعات اللجان التقنية المحدثة لهذا الشأن. فعلى سبيل المثال، تم توقيع اتفاقية شراكة في نونبر 2010 بين الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة ووزارة الثقافة، من أجل تثمين النشاط الثقافي الموجه للمغاربة المقيمين بالخارج. وقد تعهد الطرفان بموجب هذه الاتفاقية بوضع آليات العمل وتنسيق أعمالهم بهدف الاستجابة للحاجيات الثقافية وتطلعات المغاربة المقيمين بالخارج. كما نصت هذه الاتفاقية على إحداث لجنة دائمة للإشراف والتتبع، وألزمتها بعقد اجتماعاتها مرتين في السنة أو أكثر متى دعت الحاجة إلى ذلك، غير أن مقتضيات هذه الاتفاقية لم يتم تطبيقها.
نفس الأمر بالنسبة للاتفاقية المبرمة بتاريخ 13 أكتوبر 2011 بين الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة ووزارة التربية الوطنية، من أجل تطوير اللغة العربية والثقافة المغربية بدول المهجر، من خلال تأهيل كفاءات الموارد البشرية والتربوية وتقوية قدرات الهيئات الجمعوية والمؤسسات التعليمية الخصوصية التي تعمل لفائدة المغاربة المقيمين بالخارج. غير أن المتدخلين لم يحترما التزاماتهما في شأن تطبيق مقتضيات هذه الاتفاقية، خاصة فيما يتعلق بما يلي:
إنجاز دفاتر التحملات المنظمة لشروط الأهلية لدعم مشاريع الشراكة مع المؤسسات التعليمية الخصوصية والهيئات الجمعوية العاملة في مجال النهوض بالتعليم غير النظامي بدول الاستقبال؛
وضع برنامج للتكوين المستمر لفائدة الأساتذة والهيئات الجمعوية العاملة في مجال النهوض بالتعليم غير النظامي للغة والثقافة المغربية بدول الاستقبال؛
تحضير اللوازم التربوية والمناهج التعليمية المتعلقة بالتعليم غير النظامي للغة والثقافة المغربية.
في نفس السياق، تم توقيع اتفاق شراكة في نونبر 2012، بين الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة ومؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج. وأحدثت بموجب هذا الاتفاق لجنة دائمة للتنسيق، مكونة من أطر عليا تمثل الطرفين، وملزمة بعقد اجتماعاتها العادية مرة كل ستة أشهر على الأقل، من أجل التشاور الدائم في ميادين عمل كلا الطرفين لفائدة المغاربة المقيمين بالخارج. غير أن الحصيلة المرتبطة بتفعيل هذا الاتفاق لم تكن ذات أثر واضح.
× صعوبات في تحديد الميزانية المرصودة للأنشطة الثقافية لفائدة المغاربة المقيمين بالخارج من خلال تفحص ميزانيات عدد من المتدخلين المؤسساتيين، تبين وجود صعوبة في تحديد الاعتمادات المخصصة مباشرة لإنجاز الأنشطة الثقافية لفائدة مغاربة العالم، وذلك بسبب غياب البيانات التحليلية وتعدد البنود المستخدمة لتمويل هذه الأنشطة.
ولمحاولة تجاوز هذه الصعوبات تم تقدير الميزانيات المرصودة من طرف الأجهزة الرئيسية، وذلك في إطار الدراسة المنجزة من طرف الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، حول وضع سياسة ثقافية لفائدة مغاربة العالم. في هذا الصدد تم تقدير الاعتمادات السنوية المخصصة من طرف الأجهزة الرئيسية في حوالي 532,6 مليون درهم، موزعة بين مؤسسة الحسن الثاني (42 في المائة) ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (25 في المائة) والوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة (13 في المائة) ووزارة التربية الوطنية (13 في المائة) ووزارة الخارجية والتعاون الدولي (5 في المائة) ووزارة الثقافة (2 في المائة).
تقدير الميزانيات السنوية المخصصة بشكل مباشر للأنشطة الثقافية لفائدة مغاربة العالم باستثناء الدعم غير المباشر (مليون درهم)
× عدم ملاءمة آليات تخطيط الميزانية
يتم تمويل البرامج المنفذة لفائدة المغاربة المقيمين بالخارج عن طريق تفويض الاعتمادات المدرجة بميزانية المراكز الدبلوماسية في الخارج (السفارات والقنصليات). في هذا الإطار، تواجه الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة عدة صعوبات تتعلق بالبرمجة والتتبع والتنفيذ الميزانياتي للعمليات المتعلقة بالبرامج الملتزم بها في إطار ميزانيتها. كما أن هذه الصعوبات غالبا ما تترجم بغياب المعطيات المحاسباتية اللازمة لإعداد الكشوفات الإجمالية والحسابات الإدارية.
ومن بين الأسباب التي أوردتها المصالح المركزية للوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، نذكر ما يلي:
عدم كفاية الموارد البشرية المتوفرة على الكفايات والقدرات اللازمة لتتبع التنفيذ الميزانياتي والتقني للبرامج المنجزة بالخارج؛
عدم ملائمة منشور الوزير الأول رقم 2003/7، الذي ينظم العلاقة بين الدولة والنسيج الجمعوي، للسياق المتعلق بجمعيات المغاربة المقيمين بالخارج بدول الاستقبال؛
غياب جسور بين منظومة التدبير المندمج للنفقات (GID) والتطبيق المستعمل من طرف الأعوان المحاسبين بالخارج.
غياب قائمة للوثائق المثبتة لنفقات الوزارة بالخارج (على غرار وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي)، الأمر الذي يثير تحفظات الأعوان المحاسبين على مستوى بعض المراكز الدبلوماسية على أداء بعض الفواتير، مما يؤدي إلى ترحيل مبالغ مهمة إلى السنوات الموالية؛
التأخر في إعداد قوائم الترحيلات من طرف الأعوان المحاسبون والآمرين بالصرف المساعدين.
× عدم وضع مخطط لمضافرة الوسائل وتعبئة البنيات التحتية الثقافية
تلعب البنيات التحتية الثقافية دورا محوريا في وضع أي استراتيجية أو برنامج أو مشروع ثقافي لفائدة للمغاربة المقيمين بالخارج. ورغم توفر بعض المعلومات العامة بطريقة متفرقة على مستوى مختلف القطاعات، فقد لوحظ غياب الوسائل المعلوماتية التي تمكن من توفير معطيات دقيقة عن البنيات التحتية الثقافية، بهدف ترشيد وتيسير تعبئتها (أنواع المباني والأماكن والمساحات والمعدات التي يمكن اعتبارها بنى تحتية ثقافية، إلخ).
× التأخر في تفعيل سياسة ثقافية مندمجة وتشاورية موجهة للمغاربة حول العالم أبرمت الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة خلال سنة 2014 صفقة دراسة من أجل وضع سياسة ثقافية موجهة لمغاربة العالم، بمبلغ إجمالي قدره 1,92 مليون درهم، وذلك من أجل ملاءمة العرض الثقافي للمغرب لتطلعات مغاربة العالم. وتهدف هذه الدراسة، إلى تشخيص العرض الثقافي المتوفر، ووضع استراتيجية ثقافية وبلورتها إلى مشاريع وأعمال بدول الاستقبال وكذا على صعيد المغرب.
إلا أنه وبالرغم من أن هذه الدراسة حددت 13 شريكا مباشرا لتفعيل سياسة العرض الثقافي لفائدة المغاربة المقيمين بالخارج، فإن التحريات المنجزة من طرف المجلس الأعلى للحسابات لدى ثلاث وزارات رئيسية (وزارة الثقافة، ووزارة التربية الوطنية، ووزارة الشؤون الخارجية)، أظهرت أن هذه الوزارات غير مزودة بالمعلومات الكافية المتعلقة بمراحل ومحتوى الدراسة المنجزة المتعلقة بالسياسة الثقافية.
كما نصت الدراسة المذكورة على تقسيم السياسة الثقافية لفائدة مغاربة العالم لأربعة محاور استراتيجية موزعة على 12 مشروعا، بالإضافة إلى ثلاثة مشاريع خاصة بالمراكز الثقافية. إلا أنه لم يتم اتخاذ أي إجراء لإنجاز هذه المشاريع.
× غيا رؤية شمولية ذات أبعاد استراتيجية لرقمنة العرض الثقافي تعتبر رقمنة العرض الثقافي فرصة لوضع الثقافة المغربية في متناول المجموعات المستهدفة سواء من حيث السن أو الأصل الثقافي أو الاجتماعي. وإدراكا منها لهذه التحديات، اتخذت كل من الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة ومؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج مجموعة من الإجراءات في هذا الشأن.
في هذا الصدد، أطلقت مؤسسة الحسن الثاني لفائدة مغاربة العالم فضاء رقمي لتعلم اللغة العربية على الانترنت، أطلق عليه “e madrassa.ma”، وذلك بتاريخ 18 دجنبر 2013. كما أطلقت نفس المؤسسة بتاريخ 19 يناير 2015، فضاء رقمي تحت اسم “e taqafa.ma”، يسلط الضوء على المغرب من خلال ثرائه ومعالمه الثقافية، بالإضافة إلى عرض المشهد الثقافي والفني المغربي وتقديم الجهات الفاعلة فيه، على شاكلة مركز ثقافي افتراضي. في نفس السياق، أطلقت الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة مجالا إلكترونيا تحت عنوان “مغربكم” يهدف إلى تعبئة كفاءات مغاربة العالم.
غير أن هذه المبادرات لم تتم في إطار استراتيجية شاملة متفق عليها من طرف الأجهزة الرئيسة، بهدف تقديم عرض ثقافي بصيغ ملائمة لخاصيات الفئات المستهدفة ووفق مناهج حديثة للحكامة.
هذه الوضعية فوتت على الجهات المؤسساتية الفاعلة في مجال العرض الثقافي المقدم لمغاربة العالم إمكانية الشروع في ملاءمة آليات الاشتغال للثقافة الرقمية، عن طريق خلق دينامية تروم تظافر واندماج المشاريع والأفكار والوسائل، وكذا ابتكار آليات جديدة لخلق محتويات مبتكرة بجودة عالية.