المغرب يحرك أوراقا كثيرة مع إسبانيا بإغلاق جمارك مليلة
الثلاثاء 2018/08/28
تصاعدت شكوى الحكومة المحلية في مدينة مليلة التابعة لإسبانيا من العواقب الاقتصادية لإغلاق المغرب منفذ الجمارك مع المدينة الواقعة على الشاطئ المغربي، في وقت يرى فيه محللون أن الرباط تحاول من خلال الخطوة تحريك الكثير من الملفات العالقة مع مدريد وفتح حوار بشأن مستقبل سبتة ومليلة، اللتين تعتبرهما جزءا من الأراضي المغربية.
تصر الحكومة المغربية على أن إغلاق منفذ الجمارك البري مع مدينة مليلة شمال المغرب والخاضعة للسيطرة الإسبانية يهدف إلى منع التهريب ومعالجة الاقتصاد الموازي الخارج عن السجلات الاقتصادية.
وينص القرار الذي دخل حيز التنفيذ مطلع هذا الشهر على إغلاق الدوائر الجمركية والسماح فقط بالتخليص الجمركي عبر ميناء “بني أنصار” المجاور لمعبر مليلة، ومنع أي عملية استيراد أو تصدير عبر المعبر البري، بعد أن ظل مفتوحا على مدى خمسة عقود.
وقال حفيظ الجارودي، رئيس غرفة التجارة في الجهة الشرقية التي تضم الميناء، إن القرار يرتبط بسعي المغرب لمحاربة الاقتصاد الموازي والتهرب الضريبي وتوفير فرص عمل.
ويرى محللون أن القرار يزيد الضغوط على جيب مليلة والتي سبق تطبيقها على جيب سبتة أيضا، واللتين يطالب المغرب باستعادتهما من السيادة الإسبانية.
وتؤكد وثيقة صادرة عن إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة التابعة لوزارة الاقتصاد المغربية أن “القرار جاء في إطار دعم الأنشطة التجارية في ميناء بني أنصار في الناظور، المدينة المجاورة لجيب مليلة، من أجل تشجيع الاستثمار في المنطقة”.
وأشار الجارودي إلى أن الرباط بدأت منذ أكثر من 6 أشهر مفاوضات مع شركة للملاحة الدولية، بهدف إنشاء خط بحري تجاري بميناء “بني أنصار” في مدينة الناظور.
وأوضح أنه “تم الاتفاق على بدء العمل بالخط البحري التجاري بداية الشهر الحالي. وكان من الضروري منع أي عملية استيراد أو تصدير تتم بالمعبر الحدودي”. وأشار إلى أنه “في معبر سبتة المحتلة أيضا، لا يمكن أن تتم أي عمليات استيراد أو تصدير”.
وقال الجارودي إن “النسيج الصناعي بشمال المغرب يعاني من التهريب، الذي كان معيشيا في بداية الثمانينات (من القرن الماضي) وتحول إلى تهريب منظم خلال السنوات الأخيرة”.
في المقابل، تصاعدت شكاوى المسؤولين الإسبان من القرار المغربي. وأكد رئيس الحكومة المحلية لمدينة مليلة خوان خوسي إمبرودا أن “استمرار قرار إغلاق الجمارك البرية سيكبد المدينة خسائر جسيمة… هذه ضربة موجعة للاقتصاد المحلي، وإجراء ضار بنا”.
ونقلت وسائل إعلام إسبانية عن إنريكي آلكوبا رئيس رابطة شركات مدينة مليلة قوله إن “حركة البضائع تقلصت بنسبة 50 بالمئة مقارنة بالسنة الماضية”.
وأضاف أن “على السلطات الإسبانية أن تدافع عن مصالحنا، كما علينا إيجاد صيغ للتفاهم مع جيراننا المغاربة ليس فقط في القضايا التجارية، بل حتى في الزراعة والإرهاب والهجرة”.
وقال إمبرودا بلهجة تصعيدية “إذا كانت منطقة الأندلس تأوي 3 آلاف طفل غير مصحوب بذويه، فإن مليلة البالغ مساحتها 13 كلم مربعا تحتضن ألف قاصر مغربي”.
وشدد على أن “مليلية لا يمكن أن تتحمل وحدها تكاليف استقبال القاصرين المغاربة في وقت تغلق فيه الرباط الجمارك البرية”.
ونسبت وكالة الأناضول إلى رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان محمد بن عيسى قوله إن “منع استيراد البضائع عن طريق المعبر البري، هو قرار سيادي مغربي يهدف إلى تنشيط الحركة الاقتصادية”.
وأضاف “لا يمكن المساومة بموضوع القاصرين، والمؤكد أن اللوبي الاقتصادي في مليلة تلقى ضربة موجعة”. وقال “إن سلطات مليلة تستغل موضوع القاصرين للحصول على مكاسب اقتصادية”.
وأكد أن “موضوع القاصرين حسمته الحكومة المغربية مع الحكومة الإسبانية المركزية، وهناك إمكانية لإعادتهم. كما توجد مراكز لإيوائهم أيضا في المدينتين المحتلتين، وأي مساومة سابقة لأوانها”.
وقال الجارودي “نتحدث في الشق الاقتصادي ولا يمكن خلط الأوراق… السلطات الاقتصادية قررت إحداث خط تجاري بحري مباشر، فلِمَ كل هذا الضجيج”.
وأضاف أن “صحافة مليلة تدعي أننا خفضنا الرسوم الجمركية بنسبة 30 بالمئة. وهذا كذب؛ الرسوم الجمركية تحدد من خلال قانون الموازنة السنوية ولا يمكن مراجعتها”.
ويرى خالد الشيات أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول في مدينة وجدة أن “العلاقات المغربية الإسبانية يحكمها الجانب الاستراتيجي. والمغرب غير قادر على المواجهة وحسم قضية احتلال مدينتي سبتة ومليلة، وبعض الجزر المغربية الأخرى”.
وأضاف أن “التعامل المغربي يجب أن يتسم بالحكمة، والملاحظ أن المغرب يغتنم كل فرصة للتعبير عن موقفه الراسخ من احتلال المدينتين”. وأوضح الشيات أن المغرب اتخذ قرارا سياديا يتعلق بالاستيراد والتصدير عبر المعبر البري.
وقال الشيات إن القرار يخنق الاحتلال الإسباني لجيبي سبتة ومليلة، اللتين لا يمكنهما التنفس والعيش إلا من خلال العلاقة مع المغرب؛ “إغلاق المعبر هو نوع من الضغط على إسبانيا ودفعها للقبول بحوار حول مستقبلهما”.
وتشير بيانات إسبانية إلى أن قيمة المعاملات التجارية للتهريب لأغراض معيشية من قبل الأفراد بين المغرب ومدينة مليلة وحدها تصل إلى أكثر من 2 مليار يورو.
وقال تقرير آخر صدر في الشهر الحالي عن الجمعية الأندلسية لحقوق الإنسان غير الحكومية إن “مجموع المعاملات المالية للتهريب المعيشي في سبتة الخاضعة للسيطرة الإسبانية، يبلغ 400 مليون يورو”.
ويبلغ عدد سكان مليلة حوالي 70 ألف نسمة وهي تخضع لسيطرة إسبانيا منذ عام 1497.
وترفض المملكة المغربية الاعتراف بشرعية الحكم الإسباني على مدينتي سبتة ومليلة، وتعتبرهما جزءا لا يتجزأ من التراب المغربي. وتطالب الرباط مدريد بالدخول في مفاوضات مباشرة معها على أمل استرجاع المدينتين.