قضية إهمال الحجاج المغاربة وتردي أوضاعهم في الأماكن المقدسة تثير احتجاجات واسعة
أثارت قضية إهمال الحجاج المغاربة وتردي أوضاعهم في الأماكن المقدسة، احتجاجات واسعة، وبعد أن أنكرتها وزارة الأوقاف المغربية رسميًا في البداية، عادت لتتحدث عنها وتحتج لدى الجهات السعودية المعنية.
ونشرت فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي احتجاج الحجاج المغاربة من مختلف الأعمار، يبيتون في خيم متواضعة، ومنهم كبار سن ومرضى، على الإهمال و»غياب المؤطرين» المغاربة والسعوديين، و»ضعف العناية الطبية» لكن وزارة الأوقاف المغربية قللت من قيمتها وعبرت عن الأسف لأن بعض المواد المنشورة بخصوص ظروف الحجاج المغاربة تعد «من أكاذيب السنوات الماضية، ومن الدلائل على ذلك ظهور أرقام بعض المكاتب ( 75 و80) في بعض المقاطع المصورة، في حين أن مكاتب البعثة هذه السنة هي من 105 إلى 112» .
فتح تحقيق
وكشفت الأشرطة المصورة التي تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن ظروف الإقامة السيئة التي لاقاها الحجاج خلال أدائهم المناسك، مستنكرين ما عانوه هناك من سوء التغذية وعدم وجود مرافقين ومطوفين، ورداءة وسائل النقل وانعدامها أحيانًا، كما بلغت حدة المعاناة بكثير من الحجاج، من مختلف الأعمار، إلى الإجهاش بالبكاء محتجين بأن «ظروف إقامتهم لا تليق حتى بالحيوانات في ظل غياب الخدمات الطبية الأساسية».
وقالت وكالة الأنباء المغربية الرسمية إن السلطات فتحت تحقيقًا في قضية إهمال حجاج مغاربة بالبيت الحرام، واعترفت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، فيما بعد، بوقوع حالات تأخر للحافلات التي تقل الحجاج المغاربة عند النزول من عرفة، وتقديم وجبة غذاء غير لائقة لهم في مشعر منى، وقالت إن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق «بادر إلى الاتصال بنظيره الوزير السعودي بخصوص هذه الوقائع، ولاسيما الازدحام بمنى وتأخر الحافلات».
وقال بيان للوزارة إنه على إثر الاتصال الذي أجراه وزير الأوقاف المغربي بزميله وزير الحج والعمرة السعودي، عقد يوم الجمعة اجتماع طارئ بين البعثة المغربية للحج و المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج الدول العربية، استعرض خلاله الجانب المغربي «الاختلالات التي عرفها موسم الحج لهذه السنة من حيث التغذية والسكن بمنى والنقل بعرفات».
وأضاف أنه بعد مناقشة مستفيضة لكل هذه الجوانب، أبدت المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج الدول العربية «تفهمًا كبيرًا لما عانى منه الحجاج المغاربة، سواء في منى أو عرفات أو مزدلفة»، وأن الجانبين «اتفقا على تحرير محضر مشترك لتحديد الجهات المسؤولة على هذه الاختلالات».
وساءل ثلاثة برلمانيون عن حزب العدالة التنمية (الحزب الرئيسي بالحكومة المغربية)، أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، حول «تردي ظروف الإقامة والتنقل والتغذية والتأطير خلال أداء الحجاج لمناسك الحج لهذه السنة»، مطالبين الوزير باتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل الوقوف على حقيقة ما وقع وترتيب القرارات اللازمة على كل إخلال ترتب عنه معاناة الحجاج المغاربة.
تردي الخدمات
وأضاف البرلمانيون الثلاثة في سؤالهم إلى وزير الأوقاف، أن عددًا من الحجاج المغاربة خلال موسم الحج لهذ السنة، اشتكوا من تردي الخدمات المقدمة لهم سواء تعلق الأمر بظروف الإقامة أو التغذية أو التنقل، فضلًا عن غياب التأطير والتتبع اللازم من المسؤولين عن البعثة المغربية.
وقال الموقع الرسمي لحركة التوحيد والإصلاح (الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية) «إن نجاح حج حجاجنا الميامين يقاس بمدى انشغالهم بمقاصد الحج، وغاياته النبيلة في الارتقاء بإيمانهم وترشيد سلوكهم، وتهذيب ذوقهم، وهو يبعد القلب والعقل من الانشغال بسفاسف الأمور وصغائرها التي يمكن أن يتعرض لها الحاج في حجه؛ دون إغفال الموقف الحازم الذي من خلاله يجب محاسبة كل من أخل بالتزاماته وتعاقداته في توفير شروط الراحة والسلامة لحجاجنا الميامين، حتى نعين حجاجنا في الانشغال بخالقهم، والارتواء من معينه، والاستئناس بصحبة شواهد حياة ومكان الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة والمدينة».
وأضاف: «وعلى افتراض أن ما تعرض له بعض الحجاج المغاربة من ضعف الخدمات المقدمة لهم من قبل الجهات المعنية بذلك، والذي لا يمكن تبريره أو التغاضي عنه، بهدف البحث عن مكمن الخلل لمعالجته حتى لا يتكرر في المستقبل، فإنه يمكننا القول على أن الحجاج المغاربة كانوا في الحدث، وقدموا دروسًا كبيرة في التضحية ونكران الذات، والوفاء لأخلاق المسلمين في العفو والسماحة والتعاون والإيثار والكرم.. وغالبية أهل مكة والمدينة وعمال الفنادق والتجار يذكرون هذا للمغاربة ويحمدونه لهم».
انتقادات قاسية
ووجهت قيادات من «جماعة العدل والإحسان» و«حزب الأمة» وجزء معتبر من «التيار السلفي»، انتقادات قاسية للسلطات المغربية، وحملتها كامل المسؤولية في ما واجهه الحجاج خلال أدائهم للمناسك، وخصص الموقع الرسمي لجماعة العدل والإحسان (أقوى الجماعات ذات المرجعية الإسلامية بالمغرب) مساحة واسعة لاحتجاجات الحجاج المغاربة، وأفرد لذلك العديد من التقارير والحوارات، فتحت عنوان «معاناة الحجاج المغاربة في أعظم شعائر الإسلام تتجدد كعادتها كل عام»، قال تقرير يحمل توقيع هيئة التحرير،»إن معاناة المغاربة مع فساد الإدارة وغياب مسؤولية الممسكين بها أصبحت أمرًا لازمًا لهم حتى في حلهم وترحالهم خارج الحدود، بل حتى في شعيرة من أعظم شعائر الإسلام وهي الحج». وأكد التقرير أن هذا الموقف «عكسته بالصوت والصورة مواقع التواصل الاجتماعي التي عجت بمشاهد حية لمئات من الحجاج المغاربة، الذين تُركوا وحدهم بلا مساعدة ولا وسائل نقل ولا رعاية صحية ولا تغذية مناسبة في حدودها الدنيا، وبدون أي قناة للتواصل مع المسؤولين».
وأشار الموقع إلى أن هذه المعاناة لو كانت «استثناء عابرًا أو خطأ محدودًا في بعض من الحجاج غير مقصود لالتمسنا العذر لأهله، ولو كانت هذه المعاناة عامة على حجاج كل الدول من كل البقاع لهان الأمر، ولكنها معاناة خاصة بالحجاج المغاربة لازمة لهم كل موسم حج». وقال لحسن بناجح، عضو الدائرة السياسية للجماعة (شبة المحظورة)، في تدوينة على موقع «فايسبوك» إن حدثًا من هذا الحجم «يستدعي الوضوح في تحديد المسؤوليات التي لا ينبغي استثناء أي جهة معنية بالموضوع في هرم النظام عوض ما تسعى إليه بعض الجهات وبعض وسائل الإعلام من محاولة حصر المسؤولية في بعض الجهات الإدارية والتنفيذية وتبرئة، بل تلميع صورة جهات القرار الرئيسية، كعادتها عندما يتعلق الأمر بأي فشل».
وأكد أن «الوضوح يقضي قول حقيقة أن «الشأن الديني» وتدبيره ونتائجه مرجعها إلى الملك بنص الدستور الممنوح وبالواقع، ومن الزور صرف النظر عن هذه الحقيقة وتشتيت المسؤولية بين الخدام المنفذين فقط».
وقال محمد سلمي، مسؤول القطاع الحقوقي للجماعة، إنه «غريب أمر وزارة الأوقاف المغربية كيف تجرؤ على الرد على ما تداوله الإعلام من نقل لمحنة الحجاج المغاربة بسبب إهمال الوزارة لهم، حيث ادعت في بيانها أن ذلك يتعلق بأكاذيب السنوات الماضية؟». وأضاف :»إلى حدود اليوم ما زال الحجاج ينتظرون التقارير المالية لتدبير عملية الحج. فهي تعاقد بين المواطن والوزارة لتقديم خدمة مقابل مبلغ مالي محدد. أين التقرير يا سيادة الوزير؟ من المسؤول عن الفوضى في إسكان الحجاج بمكة والمدينة وتكديسهم كالسردين في فنادق غير مصنفة؟ من المسؤول عن رداءة الحافلات التي تتعثر في الطريق أثناء نقل الحجاج من المطار إلى مكة والمدينة وأثناء المناسك؟ من المسؤول عن غياب أو تأخر الحافلات بمنى وبعرفة؟ كيف تفسر الوزارة الفرق بين تأطير حجاج المغرب ونظرائهم الأتراك والإيرانيين والماليزيين والإندونيسيين؟».
محمود معروف