حصيلة اليمين الأوروبي في المتوسط: مهاجرون أقل وموتى أكثر
تراجع عدد المهاجرين غير النظاميين الذين أدركوا السواحل الأوروبية عبر البحر المتوسط بشكل حاد في العام الحالي لكن عدد المهاجرين الذين غرقوا ازداد أيضا بنفس الحدة مقارنة بالسنوات الماضية.
هذه أولى نتائج السياسات المتشددة التي توختها دول الاتحاد الأوروبي، وفي مقدمتها إيطاليا، للحد من تدفق المهاجرين وتقييد هامش تحرك المنظمات غير الحكومية الناشطة في البحر المتوسط لإنقاذ المهاجرين.
شارك 60 ألف مهاجر في رحلات الهجرة السرية في حوض المتوسط هذا العام، وهو نصف العدد المسجل العام الماضي، كما يعود العدد بمعدلات الهجرة إلى ما قبل عام 2014 ما يعكس فعليا النتائج المثمرة التي قدمتها جهود خفر السواحل الليبي والجماعات المسلحة المتعاونة هناك، بجانب السياسات الجديدة المتشددة التي توختها الحكومة الشعبوية في روما.
مكنت هذه السياسة بالفعل من تلبية تطلعات جماعات مثل حركة خمس نجوم اليمينية وأولئك الذين بنوا حملاتهم الانتخابية على تشديد القيود على الهجرة السرية وحتى النظامية والركون إلى عمليات الترحيل القسرية.
استطاعت إيطاليا التي استقبلت 700 ألف مهاجر عام 2014 من أن تخفض هذا العدد بنحو 80 بالمئة مع منتصف العام الجاري، وبفضل سياسة “الإيطاليون أولا” لم تعد إيطاليا الوجهة الأولى لاستقبال المهاجرين القادمين من الضفة الجنوبية للمتوسط، إذ أصبحت إسبانيا هي من تتحمل القسط الأكبر من الأعباء مع استقبالها لنحو 24 ألف مهاجر هذا العام مقابل 18 ألفا لإيطاليا و16 ألفا في اليونان.
ولكن سواء كانت هذه السياسة حقيقة فعالة لإيطاليا ودول الاتحاد التي تقف وراءها أم لا، فإنها لا تقدم عمليا للمهاجرين اليائسين سوى خيار واحد هو الموت في البحر أو النجاة صدفة. أي أن هؤلاء أصبحوا على يقين اليوم من أنهم يضعون حياتهم في المجهول مقابل مغامرة غير معلومة العواقب.
حتى الآن حولت الأرقام حوض البحر المتوسط إلى منطقة رعب وأكثر خطورة من مثلث برمودا، فمنذ مطلع العام الحالي وحتى شهر تموز لقي حوالي 1500 شخص حتفهم في البحر وهم يحاولون العبور إلى السواحل الأوروبية، بينما مات 850 شخصا غرقا خلال شهري يونيو وتموز فقط بحسب أرقام مفوضية اللاجئين للأمم المتحدة.
وتتوقع المنظمة الأممية أن تستمر أعداد الموتى في تصاعد في حال استمر خرق القوانين الدولية في البحر والتلاعب بحياة البشر والتعامل معهم كأرقام. كما تتوقع المزيد من الفوضى والقصص الدرامية في البحر المتوسط إذا لم يتم اتخاذ تدابير للاتفاق حول معايير تسمح بتعزيز أنشطة المنظمات غير الحكومية في البحر وباستقبال قوارب الإنقاذ في الموانئ دون تلكؤ.
وحذر مبعوث مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة فانسون كوشتال من أن إنقاذ أرواح المهاجرين اليائسين في البحر يتطلب ليس فقط التصدي لعصابات تهريب البشر ولكن أيضا أن تتفق الدول المطلة على السواحل المتوسطية حول مقاربة تتضمن حدا أدنى من الانسجام مع منح ضمانات فعلية لسفن الإنقاذ للرسو في الموانئ.
لكن على العكس من ذلك فإن الوضع السياسي الآن قد ينبئ بالمزيد من التعقيد داخل الاتحاد الأوروبي نفسه، بين واجب احترام المعايير والقوانين التي تسير المؤسسات الاتحادية وبين مطالب الحكومات الوطنية، ولا سيما الجبهة اليمينية التي تتصدرها حاليا النمسا الرئيسة الدورية للاتحاد بالإضافة إلى إيطاليا والمجر على وجه الخصوص.
وإذا لم تتوصل دول الاتحاد إلى التوافق حول المطلب الأساسي بشأن توزيع عادل لحصص المهاجرين فإن الأقرب أن تتولى الحكومات الوطنية فرض مقارباتها تلقائيا بما يسمح لها بالدفاع عن مصالحها دون العودة إلى بروكسل، وهو ما نجحت فيه الحكومة الإيطالية حتى الآن بالقوة وبتأييد شعبي، عبر رد سفن المهاجرين على أعقابها والتهديد العلني بسحب تمويلاتها السنوية للاتحاد الأوروبي والمقدرة بنحو 20 مليار يورو.