وفاة سائحين بريطانيين تكشف فشل القاهرة في إدارة الأزمات

أكد النائب العام المصري، السبت، سلامة أجهزة التكييف والتبريد في فندق بمنتجع الغردقة المطل على البحر الأحمر وذلك بعد وفاة سائحين بريطانيين في ملابسات غير معروفة.

وكانت النيابة العامة ذكرت أنها ما زالت في انتظار تقرير طبي لمعرفة سبب وفاة جون كوبر وزوجته سوزان كوبر اللذين فارقا الحياة بفارق ساعات، الثلاثاء الماضي، أثناء عطلتهما في فندق شتايجنبرجر أكوا ماجيك في الغردقة (شمال شرق).

وأدى بطء تعامل الحكومة مع الحادث إلى وصف بعض وسائل الإعلام العالمية الواقعة بـ”الموت الغامض”، ووضعت القاهرة نفسها بذلك في موضع الدفاع بسبب سياسات تجاوزها الزمن، حيث تصرّ على تبني تصورات تقوم على رد الفعل بدلا من مواجهة الحقيقة.

وانعكست هذه السياسات على إثر حادثة وفاة سائحين بريطانيين حيث حولته من حادث طبيعي إلى حادث تطغى عليه العوامل الجنائية، نتيجة تأخر التعامل الحكومي معه.

ويبدو أن المسؤولين في مصر لا يتعلمون من الدروس الماضية، نتيجة استمرار سياسة الأيادي المرتعشة التي تخشى تحمل تبعات القرارات، أمام تنصل كل جهة من المسؤولية حتى تتفاقم المشكلة وتصبح أزمة طاحنة. ومع أن وسائل الإعلام العالمية لم تتحدث عن شبهة جنائية مباشرة في الحادث، إلا أن تعتيم القاهرة في البداية كشف عن خلل في منظومة التواصل، فلم تتحرك الجهات الرسمية إلا بعد أن نشرت صحيفة الغارديان البريطانية خبر الوفاة الخميس الماضي.

لا يوجد مقصد سياحي على مستوى العالم بعيدا عن مرمى الحوادث الطبيعية ولا حتى الإرهابية، لكن المصداقية والسرعة في التعامل مع المشكلة تقللان من وطأة التأثيرات السلبية، قبل أن تتحول إلى أزمة تهدد شرعية نشاطه الكلي.

وبعث الحادث برسالة سلبية للسياح البريطانيين حول المقصد السياحي المصري الذي يبحث عن ثقتهم بعد تحذيرات لندن لرعاياها بعدم السفر للقاهرة منذ نهاية أكتوبر 2015 عقب تفجير طائرة الركاب الروسية فوق صحراء سيناء وحتى بداية العام الحالي.

رغم حساسية الحادث لم يهرع المركز الإعلامي لمجلس الوزراء بتوضيح حقيقته، مع أنه يصدر تقريرا يوميا حول الأخبار المغلوطة التي تمس مصر، والرد على الشائعات المتداولة، الأمر الذي زاد من حالة الضبابية

ويرجع خبراء في إدارة الأزمات والكوارث بطء القاهرة في التعامل مع المشكلات الطارئة إلى سوء الفهم من جانب القائمين على التعامل مع الأزمة، وسوء التقدير نتيجة غياب المعرفة الكاملة إلى درجة تصل إلى الصدمة التي تفقد المسؤول القدرة على التفكير.

وأكد اللواء محمد نورالدين، الخبير الأمني ومساعد وزير الداخلية الأسبق، أن بطء التعامل مع الحادث غير مبرر، لأن وزارتي السياحة والصحة، لم تتحركا لكشف الملابسات فورا.

وأضاف أنه “كان ينبغي تشكيل فريق من الأمن الوطني وشرطة السياحة وشرطة مدينة الغردقة، في نفس يوم الحادث، لجلاء الحقيقة، فقد أدت سياسة التعتيم إلى لجوء وسائل الإعلام العالمية للتكهنات والتخمينات.

وأوضح أن غياب السرعة في تداول المعلومات الصحيحة من جانب وزارة السياحة أساء للمقصد السياحي المصري، إلى درجة ترقى لضرب القطاع في مقتل خلال الفترة المقبلة.

ورغم حساسية الحادث لم يهرع المركز الإعلامي لمجلس الوزراء لتوضيح حقيقته، مع أنه يصدر تقريرا يوميا حول الأخبار المغلوطة التي تمس مصر، والردّ على الشائعات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي زاد من حالة الضبابية.

ودفعت تلك الحالة إلى فقدان المصداقية في البيانات الرسمية حول الحادث، رغم أنها سردت أبعاد الواقعة. وتزامن الحادث أيضا مع بداية استعداد مدينة الغردقة لموسمها السياحي خلال الشهرين المقبلين، حيث تعدّ مقصدا للسياحة الشاطئية العالمية في فصل الشتاء.

وكانت التوقعات تشير إلى موسم سياحي قوي، بعد أن أعلن البنك المركزي المصري الأسبوع الماضي عن انتعاشة كبيرة في مؤشرات القطاع خلال الأشهر العشرة الماضية، والتي لامس خلالها عدد السياح للمقصد المصري نحو 7.3 مليون سائح، معظمهم من الدول الأوروبية.

ويعد هذا الرقم قياسيا لأول مرة منذ عام 2010 والذي سجلت خلاله مصر مستوى عشرة ملايين سائح، ثم واجهت القطاع مشكلات عصفت به مع ثورة 25 يناير في 2011، وما تبعها من انفلات أمني أتى على القطاع لسنوات. وليس خافيا حالة التربص بالمقصد السياحي المصري من قبل بعض القوى، فحسب بعض التقديرات لم يكن تفجير الطائرة الروسية في سيناء صدفة، وكذلك الحوادث التي تسعى لضرب الاقتصاد من خلال هذا الهدف الذي يحقق طموحات سياسية لعديد من القوى التي تبحث عن الثأر لسقوط حكم الإخوان في مصر ومحاولة تركيع الاقتصاد كأحد أنواع الضغوط السياسية، وكانت التأثيرات السلبية قوية بسبب فشل الحكومة في إدارة الأزمات وتطويقها.

يتطلب ذلك من المسؤولين أن يكونوا على قدر التحديات، ويملكون قدرات غير نمطية لمواجهة الأزمات وتحويلها إلى فرص سياحية، فمن رحم الأزمة قد توجد فرصة، بدلا من تقاذف المسؤولية.

ولا بد أن تكون ردود الفعل سريعة عندما يتعلق الأمر بمورد هام مثل السياحة الذي تصل مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد إلى حوالي 15 بالمئة، لأن المشكلات التي تمس هذا القطاع ترتبط دائما بأطراف خارجية، وجاء التعامل مع حادث السائحين البريطانيين وكأن القضية لا تتعلق بأطراف خارج البلاد ولا تمس علاقات مصر الدولية.

وكان على المسؤولين الإعلان الفوري عن تفاصيل الواقعة، إذ كان ينبغي على الهيئة العامة للاستعلامات (الجهة المسؤولة عن التعامل مع الإعلام الأجنبي) مخاطبة الحكومة للحصول على تفاصيل أكثر دقة، وعرض خطة التعامل مع الحادث، وهذا الإجراء من شأنه وأد أي اجتهادات بدلا من تضخيم الأمور.

لكن القاهرة لم تع الدرس وغضت الطرف عن أن بريطانيا كانت أول من سحبت خطوط رحلاتها السياحية من مصر بعد تفجير الطائرة الروسية.

وأكد اللواء فتحي كمال، الخبير الأمني ، أن الحكومة أساءت إدارة هذه الأزمة، وكان الأفضل في هذه الحالة عقد مؤتمر صحافي للإعلام المحلي والدولي، وشـرح المشـكلة بأبعادهـا الحقيقـة دون زيادة أو نقصان. وطالب بتشكيل لجنة عليا لإدارة الأزمات، يمثل فيها القطاع الخاص وغرفة شركات السياحة، بجانب مسؤولين من وزارتي الخارجية والدفاع، وهيئة الاستعلامات.

وتنعقد اللجنة فور وقوع أي حادث عارض، وتصدر بيانا توضيحيا بتفاصيل أي مشكلة تتعلق بالسياحة، والخروج من حالة رد الفعل التي تعيشها مصر منذ زمن، وكبدتها خسائر فادحة. وأيد هذا الاتجاه جهاد عودة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان (جنوب القاهرة)، ويرى أن تكون مظلة اللجنة أشمل وتغطي جميع الوزارات، وذات صفة قومية وفي انعقاد دائم.

وأوضح أن سبب تكرار الأزمات يرجع إلى الاختيار السيء للمسؤولين، لأنهم لم يحظوا بخبرات تمكنهم من مواجهة الأزمات بشكل كاف، وتم دفعهم لموقع المسؤولية دون تأهيل أو تدريب على المواجهة”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: