المغرب يمد يده بحذر لمواطنات أبدين التوبة بعد الانفصال عن داعش
القضاء يراعي ظروف العائدات مع أطفالهن تحصينا للأسرة والمجتمع، وفريق أمني يتولى العملية مستعينا بخبرات ميدانية ونفسية.
وتوجد حوالي 200 امرأة مغربية مع أطفالها في تلك المخيمات في وضعية إنسانية مزرية وحالة نفسية صعبة، دفعت الأجهزة الأمنية المغربية إلى الانتقال هناك قصد متابعة أوضاعهن والتعرف على ملابسات اعتناقهن الفكر المتطرف، والانضمام إلى تنظيم داعش حتى ظروف اعتقالهن من طرف قوات سوريا الديمقراطية، وكذلك الوقوف عند متابعة إجراءات نقلهن إلى المغرب.
وقال خبراء في الجماعات الإسلامية إن السلطات المغربية تتعامل مع قضية المغربيات اللاتي انضممن إلى تنظيم داعش بشكل حذر وعملي في ظل الحرب على الفكر المتطرف والعمليات المستمرة لتقويض الخلايا التابعة إلى التنظيمات الإرهابية ومنها تنظيم البغدادي، خصوصا وأن هؤلاء النسوة ذهبن بمحض إرادتهن إلى سوريا والعراق. وأضاف هؤلاء الخبراء أن التعاطي مع ملفات هؤلاء النساء المتورطات مع التنظيم الإرهابي، يحتاج إلى حذر وإعادة تدقيق بعد تعبيرهن عن الندم، والتأكد من استعدادهن للخضوع إلى محاكمة عادلة، شريطة إعادتهن رفقة أبنائهن إلى بلدهن وعدم تركهن لمصير مجهول.
وأقر المغرب، في عام 2015، قانونا جديدا لمواجهة ظاهرة العائدين من بؤر التوتر، ينص على عقوبات بالسجن، تتراوح بين 10 و15 سنة، فيما فاق عدد العائدين المغاربة من العراق وسوريا 1600 شخص، عام 2015، بحسب إحصاءات رسمية. ويقول مكتب مكافحة الإرهاب في المغرب إن ما يقارب 200 من العائدين من بؤر التوتر تمت إحالتهم على الجهات القضائية للنظر في ملفاتهم واحدا واحدا.
وأكد مرصد الشمال لحقوق الإنسان أن أزيد من 35 امرأة رفقة حوالي 50 طفلا من أبنائهن تم تسليمهم في الأسابيع الأخيرة لعناصر من داعش بصفة قسرية، وبتهديد من عناصر قوات سوريا الديمقراطية، موضحا أن النساء المتواجدات بمخيمات اللاجئين التابعة لإدارة قوات سوريا الديمقراطية كن قد طالبن السلطات المغربية بالتدخل العاجل قصد إعادتهن إلى بلدهن.
واعتبر محمد بنعيسى، رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، أنَّ الأمر يتعلق بأول إجراء عملي وفعلي تقوم به الدولة المغربية، بعد التصريح الحكومي الأخير بشَأْنِ النساء المتواجدات في مخيمات اللاجئين، وقال إن “العملية التي يقودها فريق أمني مغربي وإسباني تتطلب وقتاً طويلاً وتأخذ مراحل متعددة قبل التأكد من قطع هؤلاء النسوة مع أفكار التشدد والتطرف”.
وكشف رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، أن الأسئلة التي يُوجِّهها الفريق الاستخباراتي للمغربيات تتمحورُ حول الأسباب التي دفعتهنَّ إلى الالتحاق بداعش، والأدوار التي كن يشغلنها داخل الدولة الإسلامية؛ بالإضافة إلى وظائفهنَّ إن كانت مؤثرة وكيف سقطن في يد التنظيم الماضي إلى الأفول.
وفي الإطار ذاته أكد عبدالحق الخيام، مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية، الخميس الماضي، أن المغرب وضع مواطنيه المغتربين في أوروبا تحت المجهر، بتنسيق مع أجهزة الأمن في الدول الأوروبية، على خلفية تكرار تأثر الشباب المهاجرين بالفكر المتطرف، مبرزا “أننا وضعنا استراتيجية جديدة لمتابعة المغاربة في الخارج، وطلبنا بالفعل من نظرائنا الغربيين أن يشاركونا البيانات التي يمتلكونها”.
وسبق للمرصد الحقوقي في المغرب أن تلقى نداءات استغاثة من بعض النساء وأسرهن في المغرب، على خلفية وجود مخططات تقضي بتسليمهن إلى السلطات العراقية التي قد تطبق في حقهن عقوبة الإعدام، أو إعادتهن إلى بعض المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش، ما يعرّض حياتهن وسلامتهن إلى الخطر، وهو أيضا ما ترفضه النسوة في المخيمات وأسرهن.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز شهادات لنساء من بين ألفي امرأة من أصول أجنبية منهن مغربيات محتجزات في صحراء الحسكة السورية، من زوجات مقاتلي داعش، اللواتي جئن بصحبة الأزواج المقاتلين الذين اختفوا إما موتا وإما سجنا، إلا أنهن اعتقلن في معسكر صحراوي في محافظة الحسكة، شمال شرق سوريا.
ومن بين الشهادات التي نقلتها الصحيفة الأميركية شهادة لـ”سارة”، وهي امرأة مغربية وصلت إلى المنطقة للحاق بزوجها المقاتل في صفوف داعش، وحكت هذه المرأة ما يعانيه الفارون الأجانب من جحيم داعش الذي ما زالت لعنة الانتساب إليه تلاحقهم حتى بعد أن أبدوا ندمهم وتوبتهم، إذ قالت سارة إبراهيم للصحيفة الأميركية بلهجة يمتزج فيه الغضب بالحيرة والإحباط “طُلب منا أن نترك داعش فتركناه عن قناعة وطيب خاطر، ولكن من المسؤول عنا الآن، من يتكفل بنا، ومن سيقرر مصيرنا؟”.
في كل مرة، وبعد مثل هذه التصريحات للصحافة ووسائل الإعلام الغربية، تتلقى العديد من النساء -وهن من جنسيات مختلفة، من بينهن مغربيات- تهديدات من تنظيم داعش، كما أفادت أنباء بأن هناك نساء قد تعرضن لمعاملات قاسية وتعذيب من قبل قوات سوريا الديمقراطية.
ويعرض داعش صورة مخالفة تماما للواقع الذي تعيشه النساء المستقطبات إلى أراضي النزاع، ويروج أنه سيضمن لهن العيش الرغيد. تقول الكاتبة أنجيلا روديسيو، مؤلفة كتاب “عرائس الجهاد”، عن النساء المتورطات في الانتساب إلى التنظيم الإرهابي إن هؤلاء النسوة قد تلقين وعودا بأنهن بمجرد وصولهن إلى مدينة الموصل سيسكن في منازل فخمة توفر لهن كل وسائل الراحة، غير أنهن اصطدمن بواقع الاغتصاب الجماعي الذي يتعرضن له كل يوم، وإرغامهن على التدرب على حمل السلاح وصنع القنابل، كما أن منهن من تتعرضن للضرب حتى الموت في حالة رفضهن ذلك أو محاولاتهن الفرار.
توفير بيئة اجتماعية ونفسية واقتصادية لإعادة إدماج العائدات من داعش في الحياة الاجتماعية وإخضاعهن لبرامج خاصة
وأوضحت الكاتبة الإسبانية أن الوضع الذي تعيشه هؤلاء الشابات في بلدان المهجر يقودهن إلى الرغبة في الفرار إلى سوريا، بسبب التناقض الذي يعشنه بين واقع الوصاية الممارسة عليهن داخل البيوت من طرف أسرهن العالقة في التخلف، وواقع الحال في المجتمع الخارجي الذي يصطدمن فيه بتغيرات القرن الحادي والعشرين، مما يسبب لهن نوعا من الفصام يجعلهن فريسة سهلة لمروجي البروباغندا الداعشية، مشيرة إلى أن الإرهابيين يقصدون عادة المراهقات لسهولة استغلال قلة نضجهن وعدم قدرتهن على إنتاج قرار مستقل وإبداء رأي حر.
وتعتبر قصة سارة المغربية واحدة من مئات النساء اللاتي جئن من مناطق متفرقة في العالم وتورطن في واقع مرير، فلا هن تمكنّ من العودة إلى مواطنهن ولا هن بقين مع أطفالهن هناك في أمان بعدما صدقن دعاية التنظيم بوهم دولة الخلافة العادلة، التي توفر “العيش الكريم لأبنائها المسلمين من المؤمنين بواجب الجهاد المقدس”.
واستطاع تنظيم داعش استقطاب عدد من النساء المغربيات منذ العام 2014 ونقلهن بوسائل متعددة إلى بؤر الصراع في سوريا والعراق حيث ما زالت خلاياه وجيوبه ناشطة إلى الآن رغم ما مني به من هزيمة في الأشهر الأخيرة.
“المساهمة في الجهاد ضد أعداء الدين” لم يكن في الحقيقة إلا شعارا تضليليا اكتشفته هؤلاء النساء بعد فوات الأوان، وبعد أن تأكدن من أن مهماتهن تتمثل في تقديم النساء غير المتزوجات ليقمن بدورهن في جهاد النكاح، وأخريات، ومنهن مغربيات، كان دورهن التنسيق بين الجماعات الإرهابية في العراق وسوريا.
وفعلا التحقت بداعش نساء وفتيات من مختلف التوجهات والخلفيات العلمية والفئات الاجتماعية. وأعادت مجموعة من الدول النساء والأطفال إلى بلدانهم الأصلية بعدما أُخضعوا لتحقيقات موسعة ومراقبة مكثفة مع توفير بيئة اجتماعية ونفسية واقتصادية لأجل العمل على إعادة إدماجهم في الحياة الاجتماعية وإخضاعهم لبرامج خاصة في هذا الإطار.