عودة اللاجئين السوريين.. مبادرة إيجابية لكن وفق أي ضمانات

الهاجس الأمني يشغل بال الآلاف من السوريين الراغبين في العودة بعد انتهاء العمليات العسكرية في الكثير من المناطق وعودة الاستقرار إليها.
الجمعة 2018/08/17
لا ضير من عودة اللاجئين الراغبين في العودة طالما كانت العودة طوعية

تشكل المبادرة الروسية والحديث عن عودة اللاجئين إلى ديارهم الحدث الأبرز الذي يتداوله السوريون هذه الأيام. ولطالما شكل هاجس العودة الحلم الأكبر لمعظم اللاجئين وخصوصا في دول الجوار، التي اعتبرت اللاجئين عبئا يثقل كاهل اقتصاداتها الهشة.

واكتسبت المبادرة الروسية، والتي لم تتَّضح كافة ملامحها بعد، أهميتها من كونها الأولى التي تصدر عن دولة محورية منخرطة في الصراع والتي اقترحت إيجاد حلّ شامل لأزمة اللاجئين السوريين في لبنان والأردن وتركيا وأوروبا، يقضي بإعادتهم إلى ديارهم.

وتلفّ الخطة الروسية تساؤلات مهمة حول إمكانية تنفيذها في الوقت الراهن وتأمين التأييد الدولي المطلوب. كما لا يزال يكتنف المبادرة غموض وتساؤلات حول حجم عملية العودة والضمانات التي يمكن لروسيا أن تقدّمها لتأمين سلامة اللاجئين العائدين، فضلا عن التنسيق مع الأمم المتحدة ومفوضية اللاجئين.

الهدف الروسي من المبادرة

يبقى السؤال المطروح لماذا بدأ التحرك الروسي الآن؟ وهل دمشق قادرة على استيعاب مئات الآلاف من اللاجئين في وقت أثقلت الحرب كاهل الاقتصاد السوري وفي ظل تدمير ما يقرب من 40 بالمئة من البنية التحتية السورية؟

ربما ترغب روسيا في إيصال رسالة للعالم من خلال هذا التحرك مفاده أن تدخلها في سوريا لم يكن لمساندة طرف على حساب طرف، وإنما لإنهاء الصراع في سوريا وعودة سيادة الدولة السورية على كافة التراب السوري والحفاظ على سوريا دولة موحدة، هذا من الناحية السياسية، أما الأهداف الاقتصادية من هذه المبادرة فتتمثل في إقناع دول أخرى، حتى الغربية منها، في المساهمة في تكاليف إعادة إعمار المدن والبلدات المدمرة لتكون صالحة لاستقبال اللاجئين، حيث لا تستطيع روسيا تحمل ذلك لوحدها وكذلك حلفاء دمشق الذين يعانون اليوم من مشاكل اقتصادية داخلية، إذ تعلم روسيا جيّدا أن ملف اللاجئين بات الشغل الشاغل للكثير من الحكومات الأوروبية، وأن تلك الحكومات تسعى بشتى السبل لحل هذا الملف وإغلاقه لوقف تدفق اللاجئين إليها.

واصطدمت المبادرة الروسية، مبدئيا، بشرط الحل السياسي الشامل للمساهمة في إعادة الإعمار الذي وضعه الغرب كشرط مسبق، لكن روسيا تعلم في نفس الوقت أن السياسة الأوروبية هي سياسة مصالح وأن تلك الدول الأوروبية لديها من البراغماتية القدر الكافي لدعم تلك المبادرة ولو بشكل غير مباشر، من خلال تقديم دعم محدود لإعادة الإعمار لتشجيع اللاجئين على العودة أو على الأقل وقف تدفقهم إليها، على أن يتم ذلك بشكل يجنّبها التواصل والتنسيق المباشر مع دمشق، والذي ترفضه أوروبا قبل الوصول إلى تسوية شاملة للأزمة السورية.

وينظر السوريون إلى هذه المبادرة بإيجابية كما أي مبادرة أخرى تهدف إلى عودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم والمساهمة في إعادة إعمار ما دمّرته الحرب الطاحنة التي أتعبت الجميع، وأدت إلى فقدان الكثير من هؤلاء اللاجئين لمنازلهم ووسائل رزقهم.

ومع ذلك، يتصاعد جدل بين السوريين بمختلف توجهاتهم، هل أصبحت سوريا آمنة بما فيه الكفاية، هل المدن والبلدات السورية قادرة على استقبال سكانها بعد هذا الدمار الكبير؟ هل الاقتصاد السوري قادر على استيعاب هؤلاء جميعا وتقديم الدعم والرعاية الصحية والتعليمية والخدمية لهم؟ والأهم من ذلك كله هل سيشعر العائدون بأنهم في مأمن من الاعتقال أو الخطف من أي جهة كانت في ظل انتشار الميليشيات والسلاح في أغلب المناطق؟ هذه الأسئلة جميعا على روسيا صاحبة المبادرة والحكومة في دمشق أن تقدما جوابا واضحا لها، وليس مجرد شعارات ووعود قد تصطدم بصخرة الواقع المرير.

الهاجس الأمني

ما يشغل بال الآلاف من السوريين الراغبين في العودة بعد انتهاء العمليات العسكرية في الكثير من المناطق وعودة الاستقرار إليها، هو الهاجس الأمني، حيث يخشى هؤلاء مما تروج له المعارضة في بياناتها وفي وسائل الإعلام من أن السلطات السورية ستعتقل وتنتقم من جميع اللاجئين العائدين الذين شاركوا أو أيّدوا الحراك السلمي ضد النظام.

بدأ السوريون الحراك سلميا مطالبين بالتغيير والإصلاح إلى نظام ديمقراطي وإطلاق الحريات ومحاربة الفساد، وعلى اعتبار أن هذا التغيير لم يحصل بعد وربما يحتاج إلى فترة طويلة حتى تتضح ملامحه، فإن الكثير من اللاجئين سيشعرون بأن عودتهم إلى البلاد مازالت مبكّرة، وهنا يأتي الدور الروسي في إقناع اللاجئين قبل غيره بأنه الضامن المأمون الجانب والموثوق به، وهذا صعب حاليا لكون روسيا طرف في الصراع، لذلك يجب على روسيا، إن أرادت لهذه المبادرة أن تنجح أن تقوم بإشراك طرف ضامن آخر محايد لم ينخرط في الصراع المباشر على الأرض كالأمم المتحدة مثلا للإشراف على عودة آمنة للاجئين الراغبين في العودة وتقديم كفالات وضمانات كافية تضمن أمنهم وحقوقهم.

الخدمة الإلزامية

يشكل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و42 عاما أكثر من نصف اللاجئين، والكثير من هؤلاء هربوا لعدم رغبتهم في الانخراط في صراع أبناء البلد الواحد، لذلك فإن الخدمة العسكرية الإلزامية قد تشكل عائقا لهؤلاء الشباب من العودة إلى البلاد.

بلا شك في الحالات العادية وفي مواجهة عدو مشترك، فإن الخدمة العسكرية هي واجب لا يجب التقاعس عنه ودون استثناء لأحد في ذلك، لكن في هذه المرحلة الضبابية والتي لم تتضح الصورة فيها لدى الكثيرين، وخصوصا أن القاتل والمقتول سوري وأغلب الضحايا من المدنيين، فإن إلزام العائدين بالانخراط في المعارك والقتال الذي مازال مستمرا في بعض المناطق، أمر سيعيق عودة هؤلاء الشباب. فالراغبون في العودة، الذين ليست لديهم القدرة على تأمين تأجيل الخدمة العسكرية الإلزامية، قد يتم إلحاقهم بجبهات القتال. وقد تكون هذه الخدمة من أكبر المشاكل التي يواجهها السوريون، في الخارج والداخل، حيث يوجد عشرات الآلاف من الشباب الممتنعين عن الخدمة أو المنشقين عن القوات الحكومية للأسباب سالفة الذكر.

البنية التحتية

يشكّل تدمير البنية التحتية السورية خلال سنوات الحرب أحد أكبر العوائق لعودة للاجئين السوريين، حيث دُمر ما يقارب من 40 إلى 60 بالمئة من المساكن والمستشفيات والمدارس والمؤسسات، وهذا يحتاج إلى جهود دولية وسنوات طويلة لإعادة الاعمار وتوفير المرافق السكنية والمؤسسات الخدمية. وإعادة الإعمار هذه لها تكاليف باهظة جدا قد لا تستطيع سوريا وحلفتاها روسيا وإيران تحملها دون دعم دولي.

وقدّرت الأمم المتحدة تكلفة الدمار الذي لحق بالبنية التحتية في سوريا بعد أكثر من 7 سنوات على بداية الأزمة، بنحو 400 مليار دولار. وجاء ذلك خلال ختام اجتماع عقد في بيروت بمشاركة أكثر من 50 خبيرا سوريا ودوليا، بدعوة من اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة (الأسكوا).

وقدرت اللجنة حجم الدمار بأكثر من 388 مليار دولار، موضحة أن هذا الرقم لا يشمل الخسائر البشرية، في إشارة إلى الأشخاص الذين قتلوا بسبب المعارك أو الأشخاص الذين تركوا مساكنهم.

واشترط المجتمع الدولي ممثلا في الدول الغربية والدول العربية النفطية، أن يتم التوصل إلى حل سياسي شامل للمساهمة في إعادة الإعمار، وهذا يشكل معضلة أخرى في ظل عدم وجود أفق للحل السياسي حتى الآن.

التجاذبات السياسية وعودة اللاجئين

ربطت المعارضة السورية أي عودة للاجئين بتسوية شاملة للأزمة تفضي بحل سياسي ينتهي بتشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات وحل كافة القضايا العالقة، ومن المؤسف أن تتخذ المعارضة هذا الموقف من قضية إنسانية تخفف معاناة الملايين وخصوصا أولئك الذين يعيشون في مخيمات وفي ظل ظروف صعبة للغاية، فاستخدام اللاجئين كورقة ضغط لتحقيق مكاسب سياسية على الأرض أمر لا أخلاقي ولا يجب أن يصدر عن أشخاص أو تكتلات تدعي تمثيل شريحة واسعة من الشعب السوري.

ولا ضير من عودة اللاجئين الراغبين في العودة طالما كانت العودة طوعية، فهناك الآلاف من اللاجئين فروا من القتال الدائر وليس هربا من طرف بعينه، لذلك من المهم جدا أن يعود هؤلاء طالما ليست لديهم أي مشاكل أمنية، فهذا يقطع الطريق على أي تغيير ديموغرافي، كما يرفد البلاد بالموارد البشرية التي افتقدتها خلال السنوات الماضية للمساهمة في إعادة الإعمار، حيث تعاني جميع القطاعات من نقص حاد في الكوادر التي هاجرت أو هربت أو غُيّبت نتيجة الحرب الطاحنة التي دامت 8 سنوات.

ومن جهتها، أعلنت الجهات الرسمية السورية في أكثر من مناسبة عن ترحيبها بعودة اللاجئين، لكن الممارسة على الأرض لا تتوافق تماما مع تصريحات المسؤولين السوريين، فمثلا ما جرى في بلدة عرسال اللبنانية يوحي بأن العودة ستكون انتقائية، فمن أصل 3 آلاف لاجئ تقدموا بطلب عودة، وافقت السلطات السورية على 300 فقط، وهذا أمر مخالف لكافة الدساتير والأعراف القانونية المحلية والدولية، فليس لأي كان حرمان أي شخص من وطنه، فسوريا ملك لجميع السوريين مهما كانت توجهاتهم السياسية أو الدينية، وهذا الحق يكفله الدستور والقانون.

بمعزل عن الحل السياسي وما يدور في أروقة جنيف أو أستانة، يجب فصل المواضيع الإنسانية عن السياسية. عودة اللاجئين حق للجميع، وهي واجب أيضا حين تتاح الظروف المناسبة لكل سوري بالعودة للمساهمة في بناء وإعمار ما دمرته هذه الحرب، لكن ذلك لن يتم بشكل صحيح وسليم وكامل إلا عندما يشعر كل سوري بأنه في دولة تضمن حقوقه كاملة في الأمن والحرية والحياة الكريمة التي يتساوى فيها الجميع، تحت سقف القانون دون أي تمييز.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: