تأهيل الجانحين مسؤولية كل المجتمع
دون مساهمة المجتمع بكل مكوّناته في إعادة تأهيل هؤلاء الجناة تصبح كل مجهودات المؤسسات السجنية قاصرة على تحقيق هدف التقليص من الجريمة والعودة إليها.
يبدو أن ارتفاع منسوب الاعتداءات على المواطنين من طرف جناة شباب وطريقة الرد عليه من طرف السلطات المغربية أضحى موضوعا متداولا وذا أهمية أمنية واجتماعية في الآونة الأخيرة، خصوصا بعد مقطع فيديو وثّق لسلوك جانح وهو يلوّح بسلاح أبيض بمدينة فاس في وجه عدد من أفراد الشرطة الذين لم يبادروا إلى إطلاق الرصاص.
هذا التعامل من طرف عناصر الشرطة جعل البعض يجادل بأنه كان عليهم المبادرة إلى استعمال سلاحهم الوظيفي لشلّ حركة الجاني حفاظا على حياتهم وحياة المواطنين وحفاظا على هيبة السلطة، في الوقت الذي ثمّن البعض هذا التوجه واعتبروه تعاملا متناسبا مع ما تكفله المواثيق الدولية والدستور في الحق في الحياة.
وفي مواجهة فاجعة يصعب أن يتحملها الأهل والمجتمع أطلق نشطاء حملة على موقع فيسبوك، تحت وسم “الشعب يريد إطلاق النار على المجرمين..”، فمطالبة القوى الأمنية بعدم التساهل مع هؤلاء الذين يحملون أسلحة بيضاء ويهدّدون حياة وممتلكات الآخرين إطلاق النار عليهم دون رحمة، يقابله آخرون بأن هناك بدائل تكنولوجية أخرى لشلّ حركة الجاني ودفعه إلى الاستسلام أمام تدخل الأمن.
ولطمأنة المجتمع على أنّ الدولة مازالت محتفظة بحقها المشروع في استخدام العنف المبرر، صدر بلاغ عن مديرية الأمن الوطني أن عناصر مجموعة الأبحاث والتدخلات التابعة لولاية أمن فاس، اضطرت، السبت 11 يوليو 2018، لاستخدام أسلحتهم الوظيفية في تدخّل أمني لتوقيف شخص مفتش عنه في قضايا تتعلق بالسرقة بالعنف.
إن الناجين من سلوكيات المجرم أو الذين تعرضوا للاعتداء لهم نظرة مختلفة للأمر باعتبارهم ضحايا جسديا ونفسيا، فهم الذين تعرّضوا لتجربة تهديد وجودهم بالسلاح، بالتالي فلا بد من أخذ تخوفاتهم بعين الاعتبار في تحديد المسلك الذي ينبغي اتخاذه مع الجاني الذي يصول ويجول بالشوارع أو المنتظر الإفراج عنهم.
والواقع أنّ هناك ضحايا صامتين لجناة فقدوا أي قدرة على التمييز بين الصواب والخطأ ولا يتوفرون على قاموس الاحترام والمساواة والمشاركة، جناة أضحوا قادرين على إثارة قلق المجتمع ومؤسسات الدولة وفشلوا في تعلم نهج السلوك السليم والمسؤول عن أنفسهم والآخرين.
إن ازدياد درجة انحراف السجناء المطلق سراحهم بعد حبسهم لمدة قد تطول أو تقصر يرجع إلى تصوراتهم عن الجريمة والبطولة، فيصبح المجتمع ضحية تمثّلات غير حقيقية ومنحرفة وسيئة التكيّف مع كافة المقاربات الهادفة إلى تأهيلهم وإعادة اندماجهم.
بعدما يخرج “الحدث الجاني” إلى الشارع حاملا سيفه للإغارة على الأفراد والجماعات وسلب ممتلكاتهم من هواتف ونقود وأي شيء يحملونه ولا يكتفي بذلك بل ينتقل إلى الاعتداء على الضحية، يطرح سؤال دور المؤسسة السجنية في إعادة تأهيله والحفاظ على آدميته لتجاوز العوامل التي أجبرته على دخول عالم الجريمة والجنوح.
فهل حان الوقت لأن نجدد إجراءات العفو في المناسبات الدينية والوطنية والتعامل بصارمة مع ملفات من ثبت أنهم سيخلقون خيبة أمل فيهم بمجرد خروجهم من السجن؟ الواقع أن أكثرهم يعودون إلى سلوكاتهم المنحرفة وربما يتمكّنون من تقنيات وجرأة أكثر في تنفيذ مخططاتهم الإجرامية أثناء تواجدهم بالسجن.
يجادل باحثون على أنّ وصم “المجرم” الذي يبقى لصيقا بالشخص الذي ارتكب جريمة وعوقب عليها، يعطيه دافعا نفسيا للعودة إلى الجريمة بعدما فشل في الاندماج وتم إقصاؤه من الوظائف، مقترحين ضرورة إقبار الماضي الإجرامي لذلك الشخص بعدما أثبت حسن سلوكه داخل المؤسسة السجنية، وعدم الإشارة إليه في السجل العدلي للسوابق القضائية.
يبدي مواطنون تخوفهم وارتيابهم من العالم الخارجي بعد الاعتداءات المتكررة ودون سابق إنذار، فالعادات الاجتماعية والتربوية السيئة مع الإحباطات المتتالية في سوء التمدرس وارتفاع البطالة بين الشباب إلى 20 في المئة، كلها عوامل تشكّل حاضنة لتفريخ مشاريع مجرمين ليس في الهوامش فقط بل حتى في الأحياء الراقية والأسر المتيسرة.
ولبحث بعض أسباب ظاهرة الانحراف يشكّل الانقطاع عن الدراسة والبطالة والعمل الناقص وغياب بنيات الدعم الكفيلة بتيسير المشاركة في الحياة الاجتماعية عوامل تساهم في عزلة هؤلاء الشباب وتولّد إحساس الحرمان لديهم، حسب تقرير عن الشباب المغربي الذي أصدره هذا الأسبوع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
في ذات الاتجاه يبقى اللجوء إلى الرصاص الحيّ لمواجهة انحرافات هؤلاء الشباب له مبرّره الأمني والاجتماعي إذا كان سيوقف اعتداء آنيا على حياة أشخاص أبرياء، لكنه يظل حلا مرتبطا بظروف زمنية ومكانية معيّنة ما يجعلنا نطالب بتهيئة كل أسباب إدماج الشباب في العملية التنموية والاهتمام بتطلعاتهم ومستقبلهم الاقتصادي والنفسي من بين أولويات الدولة ومؤسساتها.
ومن بين المؤسسات الوسيطة بين الجاني والمجتمع هناك المؤسسة السجنية التي يتمثّل دورها في إصلاح وتهذيب السجناء مطالبة هي الأخرى بتأطير موظفي السجن علميا وبيداغوجيا وتسليحهم قبل السلاح الوظيفي بعلوم التربية والعلوم الإنسانية وربطهم بعوالم الشباب.
ودون مساهمة المجتمع بكل مكوّناته في إعادة تأهيل هؤلاء الجناة تصبح كل مجهودات المؤسسات السجنية قاصرة على تحقيق هدف التقليص من الجريمة والعودة إليها، وفي الأخير نتفق مع خبراء المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الذين أكدوا في توصياتهم على ضرورة توفر إرادة سياسية حقيقية من أجل تحسين وضعية الشباب.