وجدة مدينة المساجد في المغرب
تنامي المساجد في وجدة المغربية يرجع إلى بروز نشاط المحسنين وتكاثف جهودهم مع مصالح الدولة، لتصبح اليوم وجدة الأولى من حيث عدد المساجد مقارنة بعدد السكان.
بمجرد أن تسأل أحد سكان مدينة وجدة، عاصمة المنطقة الشرقية بالمغرب، عما يميز هذه المدينة، حتى تنساب الإجابة متدفّقة بلا تفكير؛ بأنها “مدينة المساجد”.
ففي هذه المدينة المتاخمة للحدود الجزائرية، تتناثر المساجد في كل ركن منها، بل إنه لا يخلو أي حيّ من أحيائها، سواء العتيقة منها أو الحديثة، من مسجديْن على الأقل، حتى أن عدد المساجد وفق أرقام رسمية بلغ اليوم نحو 400 مسجد.
وبهذا الرقم، تتصدّر وجدة لائحة المدن المغربية من حيث عدد المساجد، مقارنة بعدد سكانها الذين لا يتجاوزون نصف مليون نسمة. وتشير إحصائيات وزارة الأوقاف المغربية، أن عدد المساجد في المغرب بلغ حتى نهاية 2017، نحو 50 ألف مسجد، فيما تفرد الوزارة مديرية خاصة بالمساجد للاهتمام بها ومتابعتها.
قبل 30 عاما تقريبا، لم تكن وجدة تضم هذا العدد الكبير من المساجد، وذلك راجع إلى أن النشاط الخيري في تلك الفترة، لم يكن على ما هو عليه في العقدين الأخيرين. عمدة المدينة، عمر حجيرة، قال، “إنه في السابق، كان هناك مسجد لكل حي، لكن اليوم، أصبح هناك مسجد لكل 300 منزل في الحي الواحد”.
وأضاف حجيرة، أن تنامي المساجد يرجع إلى بروز نشاط المحسنين في المدينة، وتكاثف جهودهم مع مصالح الدولة، لتصبح وجدة اليوم الأولى في المملكة المغربية من حيث عدد المساجد مقارنة بعدد السكان.
رغم مجهودات الدولة البارزة في تزايد عدد المساجد بالمدينة، ومساهمتها في تشييد العديد منها، ورغم الدعم الذي تقدمه بلدية المدينة لبعض المساجد، لكن عددها ما كان لينمو بهذا الشكل لو لم تكن هناك مجموعة من المحسنين تسعى دائما إلى الانخراط في المبادرات الداعية إلى بناء المساجد.
هذه القناعة يتقاسمها كل الذين يتحدثون، اليوم، عن ارتفاع عدد المساجد في المدينة، جازمين بأن المحسنين كان لهم الدور الأساسي والأهم في هذا الإنجاز. خليل متحد، السكرتير العام لـ”الجمعية الخيرية الإسلامية” بوجدة، قال، “مع نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي، وعقب بروز اسم مصطفى بنحمزة، رئيس المجلس العلمي المحلي بوجدة (حكومي)، باعتباره أحد العلماء البارزين، عرف عدد المساجد تناميا في المدينة”.
وأضاف، أن “عددا من المحسنين أبدوا رغبتهم في بناء المساجد، ولم يجدوا أمامهم سوى بنحمزة لاستئمانه على أموالهم التي خصصوها لذلك”. وبمرور الوقت، توسع نطاق الفكرة، وبدأ المحسنون يقصدون الرجل من كل مكان لذات الغرض، حتى بلغ عدد المساجد إلى ما هو عليه اليوم.
وفي الواقع، فإن توجّه محسنين إلى تشييد المساجد، راجع بالأساس إلى كون المدينة لها طابع محافظ، وأن أهلها متشبثون بتعاليم الدين الوسطي المعتدل، والمذهب المالكي الذي كرس بنحمزة جزءا كبيرا من وقته لتعزيز حضوره في مختلف جوانب الحياة.
وفي مطلع شهر رمضان الكريم من كل عام، تأخذ مدينة وجدة على عاتقها الاحتفال بافتتاح مساجد جديدة، بل إن المدينة، بفضل الديناميكية التي تشهدها على هذا المستوى، لم تعد تضم مساجد مهددة بالانهيار على غرار بعض المدن.
وفي وقت سابق، أمر العاهل المغربي الملك محمد السادس، بإعادة تأهيل وترميم المساجد المتداعية التي يمكن أن تشكل تهديدا لروادها. وتسود قناعة لدى المحسنين الذين يبذلون أموالهم في سبيل تشييد المساجد بالمدينة، بأن في القيام بهذا الأمر تقرّب في المقام الأول من الله، وهو أيضا عمل يسير على منهج النبي محمد، الذي أولى اهتماما خاصا لتشييد بيوت الله.
وفق العديد من الروايات التاريخية، فإن المسجد الأعظم الذي يتوسط المدينة العتيقة بوجدة، بني على يد السلطان أبي يعقوب يوسف المريني، عام 696 هجرية الموافق لعام 1296 ميلادية، في إطار إعادة بناء مدينة وجدة. والمسجد الأعظم يعد المسجد الأقدم من نوعه في وجدة، وتنتصب صومعته حتى اليوم، شاهدة على عراقة المدينة وارتباطها بالمساجد.
وتقول بعض الروايات التاريخية، إن الصومعة الرباعية الأضلع، شيدت بعد عشرين عاما من تشييد المسجد. ويستقطب المسجد الشاهد على حقبة مهمة من تاريخ المدينة، الزوار ممن تستهويهم دروب المدينة القديمة وأسواقها العتيقة.
شواهد دينية تقف اليوم مستعرضة الإشعاع الروحي لمدينة تعتبر حلقة وصل بين المغرب والجزائر، وقد استطاعت أن تتفوق على جميع مدن المملكة من حيث عدد المساجد، ما يجعلها “مدينة المساجد” بامتياز، كما يحلو لسكانها وزوارها تسميتها.