ثالوث يستنزف جيوب الأسر المغربية عن طيب خاطر
يتعدّى عيد الأضحى في المغرب بعده الديني إلى أبعاد احتفالية يبقى فيها ذبح الأضاحي ضرورة لدى الأسر المغربية وخاصة الأسر الفقيرة ومتوسطة الدخل مهما كانت التحديات والضائقات المادية.
يكاد موسم الصيف الذي يتلازم غالبا مع الاسترخاء والاستجمام يجعل الأسر ذات الدخل المنخفض تعيش أوقاتا صعبة، وذلك مع قدوم عيد الأضحى ونفقاته الاستثنائية في غضون أيام قليلة لتضاف إليه مباشرة مصاريف العودة المدرسية.
هذه الحالة تجعل الأسر متوسطة الحال تعيش أوقاتا صعبة، ولكنها أيضا توفر فرصة للعديد من الأسر الأخرى، والتي تكون أفضل حالا، للذهاب إلى قضاء العطلة دون أن يمنعها ذلك من ممارسة الطقوس المعتادة.
ومنذ سنوات قليلة ماضية، يخلق تزامن العطلة مع عيد الأضحى ثم العودة المدرسية وضعية خاصة يصعب تدبيرها بالنسبة لعدد كبير من العائلات، هذه النفقات الثلاثية تشكل عبئا ثقيلا على ميزانيات الأسر بل يدفعها إلى الاقتراض.
ويبلغ مجموع الإنفاق الكلي لعيد الأضحى والعودة المدرسية ما يتجاوز 78 في المئة من متوسط مجموع النفقات لمدة شهر بالنسبة للعائلات الفقيرة ومتوسطة الدخل، بحسب تصريحات رسمية.
ولا يقتصر عيد الأضحى في المغرب على كونه مناسبة دينية، بل يمثل مناسبة ذات بعد اجتماعي تجمع أفراد العائلة والأقارب، خاصة الأطفال الذين يحسون بالبهجة والغبطة بحلوله.
وأوضحت المندوبية السامية للتخطيط أنه غالبا ما تكون الأسر الحضرية والفردية هي التي لا تمارس هذه الطقوس، أما بقية العائلات فتضطر في غالب الأحيان إلى إرهاق ميزانيتها لتوفير أضحية العيد.
وفي محاولة للتخفيف من حدة هول المصاريف، قررت الحكومة صرف أجور موظفي الدولة لشهر أغسطس، استثناء، قبل الـ20 من هذا الشهر، نظراً لتزامن حلول عيد الأضحى مع يوم 22 أو 23 من الشهر الجاري.
ويعرف موسم الصيف بزيادة النفقات مع نهاية الموسم الدراسي التي يتزامن معها شهر رمضان في السنوات الأخيرة.
وقبل انتهاء العطلة الصيفية، يجد المغاربة أنفسهم أمام تكاليف جديدة يفرضها العيد الذي يتطلب اقتناء الأضحية ومستلزماته الأخرى، وهي التكاليف التي تتزامن مع بداية العودة المدرسية الذي بات يشكل تحديا حقيقيا ليس فقط للطبقة الفقيرة، بل أيضا للطبقة الوسطى مع اتجاه أغلب العائلات لتدريس أبنائها في المدارس الخاصة.
يقول طارق -موظف في القطاع الحكومي- “إن أغلب الأسر المغربية لا تتنازل عن أضحية العيد رغم صعوبة الأمر في هذه الأيام، حيث الخروج من مصاريف رمضان والعطلة الصيفية لمواجهة مصاريف العيد والعودة المدرسية، كل هذه المصاريف ليس من السهل تدبرها”. وفي الوقت الذي تلجأ فيه بعض الأسر إلى الاقتراض أو شراء خروف العيد بالتقسيط، يرى آخرون أن الأسرة المغربية تعرف مسبقا تزامن رمضان مع العطلة الصيفية ومع عيد الأضحى ومع العودة المدرسية، لذلك يصبح الأمر يتطلب حسن التدبير والتسيير المالي وفق الإمكانيات المالية المتوفرة، فالإنسان “يمد رجله على قدر كسائه”، كما يقال.
تقول خديجة -أم لثلاثة أطفال وتعمل في مصنع خياطة- “اقتناء خروف العيد ضروري لتكتمل فرحة الأطفال، حتى وإن كنا -أنا وزوجي- نمر بضائقة مالية، فقد اعتدنا غلاء الأسعار وتوالي المناسبات منذ سنوات.
وفي كل عيد نتحايل على المصاريف حينا، ونتداين أحيانا كثيرة، لكننا ننسى ذلك بمجرد أن نرى الأطفال يلاعبون الخروف ويحرصون على تقديم العلف والماء له بشكل يومي قبيل يوم العيد، فضلاً عن دعوة أبناء جيرانهم وأصدقائهم لرؤيته وتبادل الزيارات في ما بينهم لرؤية بقية الأضاحي”.
مما زاد من عبء تكاليف العيد الكبير كونه جاء أثناء العطلة الصيفية التي بدورها تتطلب مصاريف إضافية للترفيه عن الأطفال وأخذ قسط من الراحة من الأعباء اليومية طيلة السنة، فالاصطياف يزيد من نفقات الأسرة نظرا لارتفاع أسعار كراء الشقق، وارتفاع ثمن المواد الاستهلاكية، والزيادة في أسعار الوجبات ببعض المطاعم، وهو ما يدفع بعض العائلات إلى التخلي عن فكرة السفر والاكتفاء بقصد الشواطئ القريبة، لتوفير ما يكفي من المال استعدادا لعيد الأضحى والعودة المدرسية.
لا تنجح كل الأسر في ادخار بعض المال الكافي لنفقات العيد، ثم العودة المدرسية، فما يبقى من المدخرات بعد الاصطياف والبحر والسهر يذهب إلى أضحية العيد ومصاريف شراء التوابل والمستلزمات الأخرى، لتنتهي كل المدخرات قبل حلول الرجوع إلى المدرسة، لذلك تلجأ العائلات الفقيرة والتي تعتمد في حياتها على الأعمال الحرة أو بالأجرة إلى الاقتراض من الأقارب والأصدقاء، أما الموظفون فيلجأون إلى الاقتراض من البنوك مع ما يخلفه ذلك من عبء مالي جديد لقاء دفع الفوائض إلى البنوك.
يتساءل حميد -مدرس في المعاهد الثانوية- عن الحلول إذا لم تكن هناك قروض من البنوك؟ فكل أقاربه يعيشون نفس الضائقة المادية، وكل أصدقائه موظفون مثله والدخل الشهري محدود كما هو معلوم، لذلك يضطر كل سنة إلى التوجه إلى البنك وتقديم ملف قرض لتغطية مصاريف العيد وعودة طفليه إلى المدرسة.
توالي المناسبات استنزف جيوب الأسر المغربية ودفع بعض العائلات أحيانا إلى بيع الحلي الذهبي أو بعض أثاث المنزل كالتلفزيون والثلاجة لتدبير عبء المصاريف على أمل تعويضها في السنوات القادمة.
مقابل النسبة الكبيرة من الأسر المغربية التي تصر على شراء أضاحي العيد رغم صعوبة الظروف، تظهر معطيات المندوبية السامية للتخطيط، استنادا إلى بحث أجرته حول استهلاك ونفقات الأسر لعام 2016، أن حوالي 12 في المئة فقط من الأسر هي من الطبقة الأكثر غنى (10 في المئة) لا تضحي في مقابل أقل من 2 في المئة بالنسبة للأسر الأكثر فقرا. هذه النسبة القليلة والميسورة ماديا أصبحت تفكر في قضاء إجازة العيد بعيدا عن المنزل في فندق يكون في غالب الأحيان بعيدا عن ضوضاء العيد.