دعوات لتبني مصالحة وطنية تنهي القلاقل الاجتماعية في المغرب
البرلمانية ابتسام عزاوي تؤكد أن الأحزاب المغربية ظلت حبيسة أيديولوجياتها رغم أن المغرب دشن منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش مرحلة الانفتاح والتضامن الاجتماعي.
أجمع مراقبون أن خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس في ذكرى العرش من مدينة الحسيمة، التي تشهد حالة احتقان اجتماعي منذ عام 2016، يحمل رسائل قوية إلى الطيف السياسي والحزبي بالمغرب مفادها أن الطبقة السياسة عاجزة عن تقديم حلول ناجعة للمشاكل الاجتماعية، حيث ركز العاهل المغربي مطولا في كلمة تلفزيونية، الأحد الماضي، على الشأن الاجتماعي وحض الحكومة على القيام “بإعادة هيكلة شاملة وعميقة” خصوصا في ما يتعلق بالصحة والتعليم.
وتفاعل الرأي العام المغربي مع كلمة الملك محمد السادس الذي حض فيها على الاستقرار المجتمعي، وكشف من خلالها عن اهتمام القصر بمطالب الطبقة الفقيرة والمتوسطة، فيما يشير مراقبون إلى أن استقباله لعائشة الخطابي ابنة زعيم المقاومة المغربي محمد بن عبدالكريم الخطابي، وهو من منطقة الريف، دليل على اهتمام الملك بهذه المنطقة.
واعتبرت ابتسام عزاوي البرلمانية المغربية المنتمية إلى حزب العدالة والمعاصرة، وهي أيضا عضو في لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين في الخارج في حوارها مع “العرب” أن خطاب العرش لهذا العام من مدينة الحسيمة، ثم استقبال العاهل المغربي لعائشة الخطابي يبعثان بإشارات إيجابية في خصوص ملف الريف، حيث لا تستعبد حدوث انفراجة تنتهي بالعفو عن معتقلي الاحتجاجات.
وترفض عزاوي تشبيه واقع المغرب بما عرفه في ما بين ستينات القرن الماضي وثمانيناته من حالة احتقان سياسي واجتماعي وصفت بسنوات الرصاص. وأوضحت أن هناك بونا شاسعا رغم تجدد الاحتجاجات في مدن مغربية خلال السنوات الأخيرة. وفسرت ذلك بقولها “المطالب الاجتماعية هي مطالب مشروعة، لكن لا يجب أن نغفل أن المغرب حقق نقلة نوعية على الصعيد السياسي والحقوقي والاقتصادي، واستطاعت المملكة أن تتطور وتكون نموذجا على المستويين العربي والأفريقي”.
أحداث الريف كشفت أن الأحزاب المغربية بكل أطيافها الأيديولوجية تخلت عن دورها في الوساطة وفشلت في احتواء المطالب الاجتماعية والتخفيف من الاحتقان
ودعت البرلمانية المغربية الطيف السياسي والمدني إلى تبني مبادرات المصالحة في ملف الريف والتحرك لإيجاد حلول تنهي حالة الاحتقان، وتشير عزاوي إلى أنه قبل الإقدام على أي مبادرة بخصوص الاعتقالات الأخيرة على خلفية احتجاجات الحسيمة يستوجب ترقب الأحكام القضائية أولا.
وتابعت بقولها “بعد انتهاء المحاكمة سنلتف حول مبادرة موحدة لتأسيس واقع جديد قائم أساسا على المصالحة”. ودعت عزاوي إلى ضرورة إيجاد حلول للواقع التنموي والاجتماعي بمنطقة الريف وبقية المدن المهمشة التي تعاني من الفقر والبطالة، والالتفات إلى مطالب الشباب الذين يشكون قلة فرص العمل حتى لا يتكرر ما حدث بالريف في مناطق أخرى.
واهتم العاهل المغربي في خطاب العرش لهذه العام بالشأن الاجتماعي، وطرح مشروع “السجل الاجتماعي الموحد”، لأول مرة، وهو مشروع معلوماتي تعكف الحكومة على إنجازه، ويستهدف توحيد المعلومات الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين والأسر من أجل تحديد الفئات الهشة والفقيرة، وفرز الفئات التي تستفيد من دعم الدولة في إطار أموال صندوق المقاصة.
واعتبرت عزاوي أن المغرب بعد مرور 19 سنة على اعتلاء الملك محمد السادس العرش ما انفك يحقق تطورا ملحوظا على عدة مستويات، كما يبدو لافتا مجهود العاهل المغربي في تحقيق استقرار اجتماعي قائم على المصالحة والقطع مع انتهاكات الماضي وطي صفحة ما سمي بسنوات الجمر والرصاص، والاعتناء بكل مكونات المجتمع المغربي كالاهتمام بالثقافة الأمازيغية.
وبخصوص واقع المرأة المغربية بينت عزاوي أن مدونة الأسرة التي وضعها الملك محمد السادس، خير دليل على تطور المملكة في هذا المجال، حيث تهدف المدونة لحماية النساء. ورغم تطور المغرب لا تنفي عزاوي حاجة المملكة إلى المزيد من العمل للنهوض بواقع المرأة، إضافة إلى ضرورة التقدم على مستوى اقتصادي والاعتناء بالبنية التحتية كالطرق والموانئ والمطارات، وجذب الاستثمارات والخدمات.
ويبذل المغرب مجهودا كبيرا لتوفير مناخ مقبول لجذب الاستثمار الخارجي حتى يكون في مستوى تطلعات المواطنين على المستوى الداخلي، وأردفت “الملك يريد المغرب في مصاف الدول المتطورة”.
ولاحظ مراقبون أن خطاب العاهل المغربي يبعث برسائل داخلية تطمئن المغاربة بأن الأولوية هي للوحدة والتضامن بين كل مكونات المجتمع المغربي، محذرا من محاولات التفرقة والانفصال.
البرلمانية المغربية دعت الطيف السياسي والمدني إلى تبني مبادرات المصالحة في ملف الريف والتحرك لإيجاد حلول تنهي حالة الاحتقان
وشرحت عزاوي مضامين خطاب العاهل المغربي حسب وجهة نظرها. وأكدت أن الملك محمد السادس حذر من المساس بأمن المملكة الذي هو بمثابة خط أحمر، بسبب التهديدات الأمنية ومعركتها ضد الإرهاب التي تتطلب اليقظة والحذر، على الرغم من أن المملكة تتبع سياسة أمنية استباقية بفضل تطور أداء الأجهزة الأمنية التي هي محل إشادة دولية.
وبينت أن المغرب مازال أمام تحديات أمنية بسبب تداعيات عودة مغاربة انخرطوا في تنظيمات متطرفة في بؤر التوتر، على غرار مشاكل ملف الصحراء المغربية بعد تصعيد جبهة البوليساريو على الشريط العازل، ومحاولات تهديد الاستقرار بهدف فصل المغرب عن عمقه الأفريقي.
وتطرقت عزاوي إلى واقع الحزبي بالمغرب، وأكدت أن الأحزاب مطالبة بالتواصل الجاد مع المواطنين وتجديد خطابها وآليات اشتغالها بدلا عن اعتماد آليات كلاسيكية مستهلكة نفرت الشباب وقادت إلى عزوفهم عن الشأن العام. ودعت إلى ضرورة تجديد الأطر الحزبية بالاعتماد على الطاقات الشابة. وقالت “الأحزاب مطالبة بضرورة تطوير خطابها ووسائل تواصلها مع الشعب لكسب ثقتهم”.
وبينت أن أحداث الريف كشفت أن الأحزاب المغربية بكل أطيافها الأيديولوجية تخلت عن دورها في الوساطة وفشلت في احتواء المطالب الاجتماعية والتخفيف من حالة الاحتقان. ورأت أن الحضور الحزبي الضعيف في أزمة الريف يبيّن الحاجة إلى البحث عن آليات وساطة جديدة.
وخلصت ابتسام عزاوي في ختام حوارها مع “العرب” إلى أن الأحزاب المغربية تعاني من مشاكل كبيرة حيث ظلت حبيسة أيديولوجياتها رغم أن المغرب دشن منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش مرحلة الانفتاح والتضامن الاجتماعي. لافتة إلى أن “حزب الأصالة والمعاصرة واع في ظل قيادة جديدة بالتحديات المطروحة وهناك نقاش سياسي داخلي عميق داخل الحزب لتأهيله للعب أدوار متقدمة على صعيد سياسي مستقبلا”.