والي بنك المغرب: الإنجازات هشة والمغرب يحتاج تعبئة شاملة لقواه الحية لإعادة الثقة والتصالح مع شبابه
Aug 01, 2018
في ظل وضع اتسم بتنامي الاحتجاجات الاجتماعية وسيادة توصيف «الأزمة» على خطاب الفاعلين السياسيين والمدنيين في تحليل الواقع الاجتماعي والسياسي في المغرب خلال السنة الماضية والجارية، جاء تقرير البنك المركزي ليؤكد أن المغرب وإن أحرز بعض التقدم في سنة 2017، بتمكنه من تحقيق تحسن نسبي في مستوى النمو والتوازنات الماكرواقتصادية، إلا أن «وتيرة التقدم تظل بطيئة، ولا تزال الإنجازات دون مستوى الانتظارات، وهشة ورهينة إلى حد كبير بالعوامل الخارجية».
وأكد عبد اللطيف الجواهري، والي «بنك المغرب «، أن المغرب يحتاج إلى إقلاع حقيقي وتعبئة شاملة لجميع قواه الحية بغية إعادة إرساء مناخ من الثقة والسلم الاجتماعي ووضع الاقتصاد على مسار يحقق نسبة نمو أعلى وفرص شغل أكبر، مضيفًا: «حينئذ سيكون بلدنا قادرًا على ضمان ظروف معيشية أفضل لمواطنيه والتصالح مع شبابه وإعادة منحهم الأمل بمستقبل أفضل»، وذلك في كلمة ألقاها أمام العاهل المغربي، محمد السادس، بمدينة الحسيمة بمناسبة حلول الذكرى 19 لعيد العرش. واستعرض الجواهري الخطوط العريضة للتقرير السنوي للبنك المركزي حول الوضعية الاقتصادية والنقدية والمالية للمغرب خلال سنة 2017.
وبالرغم من مناصب العمل التي تم خلقها، إذ ارتفعت المناصب المحدثة بمقدار 86 ألف منصب، نصفها تقريبًا في قطاع الفلاحة، إلا أن معدل البطالة شهد ارتفاعًا وبشكل أخص تفاقمت نسبته وسط شباب المدن، حيث أن أربعة من كل عشرة عاطلون عن العمل، حسب ما جاء في كلمة الجواهري، موضحًا أن هذه المناصب التي تم إحداثها ظلت غير كافية لامتصاص الوافدين الجدد على سوق العمل، وهي فرص يعود الفضل في إحداثها ـ وإن كانت غير كافية ـ إلى تحسن في الاقتصاد المغربي. وأعلن الجواهري أن اقتصاد بلاده سجل سنة 2017 تسارعًا ملموسًا في وتيرة النمو من 1,1 في المئة إلى 4,1 في المئة، حيث نمت القيمة المضافة الفلاحية بنسبة 15,4 في المئة بعد انكماش حاد في السنة السابقة، موضحًا أن الاقتصاد المغربي استفاد من الظروف المناخية الجيدة، وكــــذا من انتعاش الاقتصاد العالمي، إلا أن هذا الــــنمو الاقتصادي يشهد تباطؤًا ملموسًا في مكـــونه غير الفلاحي خلال الخمس سنوات الأخـــيرة، حيث تراجعت وتيرة نمو القيمة المضافة غـــير الفلاحية إلى 2,2 في المئة مقابل 4,4 في المئة في العقد الأول من القرن الحالي.
وسجل أن المغرب قد أحرز إجمالًا بعض التقدم في سنة 2017، إلا أن الوتيرة تبقى دون المستوى المطلوب، إذ يظل النشاط غير الفلاحي بطيئًا، وعلى الرغم من التحفيزات والمجهود الاستثماري العمومي فلا يزال الاستثمار الخاص محدودًا، ما يقلل من فرص تحسين النمو والعمل. مستوى ما تحقق من إنجازات يبرز ـ على حد تعبير الجواهري ـ أن المغرب ليس بحاجة فقط إلى مواصلة الإصلاحات وتوسيع نطاقها، بل أيضًا وبصفة خاصة إلى إنجاح تنفيذها وإتمامها في الآجال المحددة، مشيرًا إلى أن العديد من الورشات الهيكلية التي تم إطلاقها لم يتم إتمامها بعد، وبعضها الآخر لم يحقق النتائج المرجوة، واقفًا في هذا الباب ما يعرفه إصلاح منظومة التعليم من تعثر، قائلًا: «ففي مجال التربية والتكوين لم يتم تنزيل بعد الرؤية الاستراتيجية 2030 رغم مضي أكثر من ثلاث سنوات على اعتمادها، في الوقت الذي تستمر فيه المدرسة المغربية في تسجيل نتائج باهتة وإفراز شباب تنقصه المؤهلات اللازمة للاندماج بشكل ملائم في سوق العمل»، مشيرًا كذلك إلى ما عــرفه هذا الأخير منذ عــــــدة سنوات من وضع برامج وإجراءات متفرقة دون أن تثمر نتائج ملموسة، منتقدًا مخطط النهوض بالشغل الذي «وضعته السلطات» في إطار إعداد استراتجية وطنية للتشغيل، قائلًاإأن هذا المخطط «يروم تحقيق عدة أهداف تبدو غير واقعية وتحتاج إلى تدابير ملموسة لتحقيقها».
وأشاد الجواهري بإصلاح «صندوق المقاصة» الذي تمت مباشرته في عهد الحكومة السابقة برئاسة عبد الإله بنكيران، قائلًا إنها «تجربة ناجحة في المنطقة «، غير أنها هي أيضًا مثال على ما لا يتم إتمام تنفيذه، قائلًا إن هذا الإصلاح بعدما «تم تنفيذه في سياق موات اتسم بانخفاض أسعار النفط، لم يتم إجراء التتبع الذي كان متوقعًا لأسعار الوقود بعد تحريرها، ولم يتم تطبيق إجراءات المواكبة». ما حمله تقرير الجواهري، خاصة حول إصلاح «صندوق المقاصة»، اعتبرته القيادية في حزب العدالة والتنمية، أمنة ماء العينين، إنصافًا لرئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، المعفى بقرار ملكي من رئاسة الحكومة الحالية بعد أزمة ما بات يعرف بـ»البلوكاج» (العرقلة)، حيث كتبت تدوينة مطولة على حائطها في «فيسيوك»، استشهدت فيها بما حمله تقرير الجواهري عن كون نظام المقاصة «يحتاج اليوم إلى استكماله وتعميمه» في إطار سياسة شمولية تنبني على اعتماد الأسعار الحقيقية بالموازاة مع دعم الأسر الأكثر احتياجًا، و حديثه أيضًا عن وضع نظام لاستهداف الساكنة والحاجة لإتمام المسار الذي بدأ سنة 2016 بخصوص إصلاح نظام التقاعد، معتبرة أن ما جاء في التقرير هو إنصاف لبنكيران قائلة: «والإنصاف يقتضي الاعتراف أنها النقاشات التي أطلقها بنكيران ولعب دور كاسحة الألغام القوية لتعبيد الطريق أمام برامجها، حتى إن تحقيق دعم الأرامل المعوزات أخذ منه مجهودًا استثنائيًا بعد إصرار بعض الوزارات وإداراتها على العرقلة»، مضيفة: «…لينتهي الأمر باشتراط أخنوش (وزير الفلاحة ورئيس حزب التجمع) خلال البلوكاج بوقف الحديث عن الدعم الاجتماعي لتشكيل الــــحكومة».