“كيكي”.. كيف اجتاحت رقصة أجنبية الشوارع العربية
يرجع أصل العاصفة التي اجتاحت الكثير من المجتمعات العربية والغربية، إلى النجاح الذي حققته أغنية “In My Feelings” وغناها مطرب الراب الكندي أوبري دريك، وبدأ الانطلاق الحقيقي لها وانتشارها الواسع في 29 يونيو الماضي، عندما قام الممثل الكوميدي شيغي، على موقع إنستغرام، بنشر مقطع فيديو لنفسه وهو يرقص في الشارع على نغمات الأغنية ذاتها.
تميزت الرقصة التي أداها شيغي، بكونها متناغمة مع معاني وإيقاع الأغنية، ما أكسب الفيديو شعبية كبيرة، في ظل وجود عدد ضخم من متابعي حسابه على إنستغرام والذين تجاوزوا المليون و600 ألف متابع، منذ ذلك الحين انتشر ما يعرف بتحدي “كيكي” في الشارع إلى جوار سيارة تتحرك ببطء مع تصوير الفيديو من داخلها.
بدأ انتشار “كيكي” عالميا، حيث شارك فيه مشاهير هوليوود من بينهم المثل الأميركي ويل سميث والممثل كيفين هارت، ولاعب كرة القدم الأميركية أوديل بيكهام، وزادت المشاركة في التحدي شعبية الأغنية وأشعلت رغبة غيرهم من المشاهير ومن عامة الناس في المشاركة في التحدي ذاته، ربما لإظهار مهارة معينة أو لمجرد التسلية.
ومع انجذاب أعداد كبيرة للمشاركة في التحدي اضطرت السلطات الأمنية في دول مثل الأردن والإماراتً و المغرب إلى التحرك لاتخاذ خطوات رادعة لما تشكله من خطورة على حركة مرور السيارات والمارة والمشاركين أنفسهم، خاصة أن الكثير من المشاهد تؤكد وجود أفراد الأسرة أو الشباب في سيارة واحدة، ويقوم الجميع أو أحد بأداء الرقصة في الشارع.
وقالت صحيفة “ذي ناشونال” الإماراتية الناطقة بالإنكليزية، إن النيابة العامة في إمارة أبوظبي أمرت بحبس ثلاثة من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي من الشباب، بعد أن نشروا مقاطع فيديو ظهروا فيها يشاركون في تحدي رقصة كيكي.
وفي الأردن وصف مصدر أمني تحدي كيكي بأنه مخالف للقانون، لأنه يندرج تحت بند القيادة المتهورة، وتعريض حياة الآخرين للخطر، وأن من يضبط أثناء القيام بهذا التحدي يعرض نفسه لعقوبة الغرامة المالية.
وأصبح المغرب من أكثر الدول التي حظي فيها تحدي كيكي بشعبية جماهيرية جارفة، وشارك في التحدي عدد من المشاهير، ولم تتوقف مشاركة عامة الناس على تصوير قيامهم بالتحدي وحسب، بل وجد مواطنون أيضا في رقصة كيكي فرصة جديدة للسخرية وإظهار خفة الظل حيال الكثير من التصرفات المجتمعية.
إعادة النظر في دور الأسرة وتقنين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي طريق آمن لحماية الشباب والفتيات
ولم يكن تحدي كيكي الأول الذي يحظى بشعبية، فمن قبله تهافت الشباب والمشاهير من مختلف المجالات على خوض تحديات أطلقها نشطاء من خلال فيديوهات نشروها عبر صفحاتهم وشاركها من بعدهم المتابعون، من بين أبرز تلك التحديات السابقة، تحدي دلو الثلج وتحدي المانيكان وغيرهما.
وبحثت الكثير من وسائل الإعلام العربية في أصل المسألة، فلم تتوصل إلى تفسيرات مقنعة، لكن مجلة “نيوزوييك” الأميركية أرجعت الأمر إلى سرعة انتشار تحديات الإنترنت بين الشباب، حتى وإن تضمنت ممارسات خطيرة قد تؤدي إلى إصابة منفذها أو ربما مصرعه إن لم تسر الأمور على الوجه المطلوب.
ولا تعتبر ممارسة تلك التحديات دليلا على الغباء أو الرغبة في الموت أو عدم التفات الأسرة لتصرفات أبنائها، بل إن الأمر كله يعود إلى عدم نضج العقل بشكل كامل، فخلال مرور الشباب بمرحلة البلوغ ينتج المخ كميات كبيرة من الهرمونات من بينها مادة الدوبامين، وهي مسؤولة عن تفاعلات تتم في الدماغ وتؤثر على الإنسان وسلوكه، وينتج الدماغ هذه المادة بكثافة لإتمام عملية النضج الجنسي.
ويقول خبراء إن المستويات العالية للدوبامين في مخ الشاب تؤدي إلى توليد إحساس لديهم بالحاجة إلى البحث المستمر عن القيام بأشياء تشعرهم بالسعادة وتعزيز شعور المكافأة والتمرد على أنماط الحياة داخل الأسرة، حتى لو كان من يمارسها تجاوز مرحلة الطفولة أو الشباب.
ومع التغير الهرموني في بداية مرحلة الشباب ودور مواقع التواصل الاجتماعي في إشعار الشباب بأنهم محط اهتمام متابعيهم، خاصة في حال زيادة أعداد متابعيهم والمشاهدات التي تحصل عليها منشوراتهم، يتحول جذب الانتباه إلى إدمان لدى الشباب.
ويرى خبراء علم النفس أنه من الصعوبة التعامل بتهاون مع مسألة انتشار تحديات الإنترنت، لأن معظمها تؤدي إلى أضرار جسدية ونفسية كبيرة، وتكمن خطورة الموقف في أن الحلول الأمنية من غرامات وعقوبات قانونية تصبح عند مرحلة معينة غير كافية للحد من هذه الظاهرة، وربما يكون الحل الأمثل في إعادة النظر في دور الأسرة في حياة الشباب وإعادة توجيه استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بطرق أكثر أمنا، ومنح المراهقين والأطفال الاهتمام الذي يستحقونه حتى لا يبحثوا عنه بطرق غير آمنة خارج نطاق الأسرة.