العثماني يشخَّص داء العطب في النموذج التنموي المغربي ويؤكد أن «الفساد علة البلاد»
Jul 30, 2018
قال سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربي، إن داء الفساد يكلف البلاد مالاً كثيرًا ويؤخر عجلة التنمية، موضحًا أن العدالة الاجتماعية وتقليص الفوارق الاجتماعية ما زالا يتطلبان بذل مجهود كبير.
واستعرض خلال يوم دراسي السبت في الرباط، التحديات الكبيرة التي تواجه النموذج التنموي قائلًا: «هناك العديد من التحديات الكبيرة التي تواجه النموذج التنموي، إذ رغم المجهودات المبذولة، فما زال هناك خصاص في منظومة الحكامة ومحاربة الفساد وأداء الإدارة، إضافة إلى تحديات أخرى مرتبطة بالسياسات الكبرى التي تضيع فيها الجهود نتيجة عدم اعتماد الالتقائية والتنسيق بين المتدخلين «.
حديث العثماني خلال كلمته الافتتاحية التي ألقاها في اليوم الدراسي الذي نظمته جمعية مهندسي العدالة والتنمية، لم يقف فقط عند مكامن العطب في الإدارة المغربية التي قال إنها تعاني من البيروقراطية والبطء وضياع الوقت والمال، بل حاول تلمس بعض المنجزات وإن كانت غير كافية على حد تعبيره، حينما قال إن منظومة الحكامة تحسنت بشكل كبير خلال السنوات الماضية لكنها غير كافية، وبأن المغرب يحقق نسبة نمو متوسطة.
غير أن الفساد يظل أكبر عطب في وجه أي نموذج تنموي برغم التدابير للرفع من أداء الإدارة المغربية، فحسب ما جاء على لسان رئيس الحكومة فإن المغرب يفقد ما بين 5 و7 في المئة من الناتج المحلي الخام بسبب الفساد، وهو رقم ضخم على حد وصف العثماني، ويدل على أن البلد في حاجة لبذل المزيد من الجهد للحد من نسبته. وتبقى محاكمة المتورطين في الفساد أمرًا ضروريًا للحد منه. يقول العثماني: «يجب معاقبة المسؤولين الذين يتجاوزون القانون ويستعملون المال العام من أجل مصالحهم الشخصية»، مشيرًا إلى أن هناك العديد من المسؤولين الذين يحاكمون بسبب الرشاوى أو استغلال المال العام أو مخالفة القانون، وهذه المحاكمة مست مسؤولين بمختلف الإدارات العمومية بما في ذلك الأمن الوطني والدرك الملكي، وفق ما جاء في كلام رئيس الحكومة.
وفي الوقت الذي ما زال الرأي العام المغربي ونخبه تتداول في أعطاب النموذج التنموي الذي أجمعت الآراء على فشله من أعلى سلطة في البلاد إلى الفاعلين المدنيين وغضب المواطنين المحتجين في بقاع مختلفة من المغرب، وما زال النقاش حول أي نموذج تنموي جديد يمكن أن يصلح ما أفسد الفساد سابقه، تحدث عن أن النقاش حول النموذج التنموي الجديد لا يجب أن ينصب فقط في اتجاه الجانب الاقتصادي المادي، لأنه أوسع من ذلك بكثير، فهو مرتبط بجوانب أخرى غير مرئية لا تقاس بالمقاييس المادية، كالثقافة والقيم الناظمة لأي مجتمع، معتبرًا أن هذا الجانب غير المرئي يشكل ثروة غير مادية تسهم في نهضة الشعوب قائلًا: «هناك جوانب لا تقاس بمقاييس رياضية، وهي في غاية الأهمية، كقيمة العمل، مثلًا، كأن نعرف كم يعمل الفرد المغربي، وكم يعمل الفرد في اليابان والدول الإسكندنافية، فإذا كان لدينا شخص يعمل أربع ساعات في الأسبوع فسيخلق ثروة ضعيفة، بينما الفرد الذي يعمل أربعين ساعة في الأسبوع يخلق ثروة مضاعفة».
ودعا العثماني إلى القطع مع المحسوبية والزبونية والولاءات الحزبية والقبلية، كونها من الأمور التي تشكل داء العطب في النموذج التنموي المغربي مؤكدًا: «يجب أن يكون نموذجنا التنموي قائمًا على ثقافة الاستحقاق، من يعمل أكثر يجب أن يجازى، ومن لا يعمل لا يجب أن يجازى، بل يجب ألا يقبل شيئًا إذا أعطي له وهو غير مستحق له».
البحث عن نموذج جديد يتجاوز كبوات القديم الذي ما زال ساريًا، كان محط تفاعل متدخلين آخرين، فمحمد صديقي، رئيس جمعية مهندسي العدالة والتنمية وعمدة العاصمة الرباط، قال: «يجب البحث عن نموذج تنموي يمكن من تجاوز كل العراقيل ويخلق مزيدًا من الثروة والشغل».
وأكد عمر الفاسي الفهري، نائب رئيس منتدى خبراء وأطر حزب العدالة والتنمية، أن النموذج التنموي المغربي الحالي وصل إلى حده قائلاً: «يجب أن تكون هناك نقلة نوعية والمرور إلى مرحلة جديدة» معتبرًا أن المغرب قادر على إرساء نموذج تنموي جديد قوي بفعل امتلاكه مقومات الاحترام لدى كل القوى المؤثرة في العالم.
موضوع النموذج التنموي وفشله وأي نموذج آخر يمكن اعتماده في سياق سياسي واجتماعي مأزوم حسب تحليلات سياسيين وفاعلين مدنيين مغاربة، وكذا تقارير منظمات دولية وتحاليل في جرائد عالمية ذائعة الصيت، هو موضوع هيمن على ساحة النقاش السياسي في المغرب منذ أن أعلن العاهل المغربي فشله. وبتنامي وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية وما خلفته من أصداء كبيرة خاصة الأحكام الصادرة في حق معتقلي حراك الريف، الحركة الاحتجاجية التي اندلعت شمال المغرب، تنامت الانتظارات للحلول التي من شأنها أن تخرج النموذج المغربي من عنق الزجاجة وتضع الحد لاحتقان اجتماعي وسياسي، وتتطلع الأنظار لخطاب العرش وما إن كان سيبسط خارطة مصالحة جديدة ونموذج جديد بعد أن دشن العاهل المغربي لما أصبح يعرف إعلاميًا بالزلزال السياسي بإعفاءات سابقة لمسؤولين كبار، فماذا بعد الزلزال، وهل من جديد في هذا العيد؟ إنه السؤال المطروح بالبند العريض على غالبية الصحف المغربية ولدى المهتمين بالشأن العام.