حق المهاجر فاقد الشرعية: البعد الإنساني في مواجهة الأمن القومي
من المسؤول عن “السمعة السيئة” للمهاجر غير الشرعي، ومعسكرات المهاجرين حل مرفوض يذكّر بتاريخ حاولت أوروبا نسيانه.
تتدفق موجات من البشر المحبطين عبر الحدود الدولية كل عام، أكبر نسبة منهم تتدفق عبر ضفتي المتوسط. في العقود الماضية لم تشكل هذه الظاهرة قلقا، بل كانت مصدر عمالة رخيصة وجيدة. وكبرت الظاهرة واتسعت رقعتها وكبر خطرها لكن لم يصاحب ذلك تطور في التعامل مع القضية، التي ظلت أشبه بالنار التي تشتعل تحت الرماد. لكن فجأة، وفي غمرة التحولات التي شهدتها المنطقة والعالم بعد سنة 2011، تحوّلت الظاهرة إلى بركان ثائر يلقي بحممه على الجانبين. وكبرت كرة اللهيب شيئا فشيئا بينما كانت تتقاذفها البلدان الأوروبية وبلدان جنوب المتوسط، التي بدت مؤخرا في موقف قوة مقارنة بالدول الأوروبية التي تشكل قضية الهجرة أحد أبرز أسباب الانقسام الواضح بينها. واليوم، كبرت الأزمة واختلطت فيها المبادئ الإنسانية بالضرورات الأمنية وتقدمت القواعد السياسية الواقعية على الشعارات الحقوقية الحالمة.
ما زال ملف مواجهة الهجرة غير الشرعية أبرز ملف في أجندة الأوروبيين الذين يمرون بواحدة من أصعب الفترات في تاريخهم منذ اتفاقهم على الوحدة والتكتل.
وتعكس التطورات المتعلقة بقضية الهجرة والمقترحات الأوروبية المطروحة لحلها أزمة عميقة لا يبدو أن الاتفاق الذي توصل إليه القادة الأوروبيون، خلال قمتهم في بروكسل نهاية يونيو الماضي، سينجح فعلا في تجاوزها بل بالعكس أدخل القضية في متاهات أخرى، فيما تدفق المهاجرين مستمر، يموت منهم الكثير ويصل منهم الكثير.
وكانت فكرة معسكرات المهاجرين في دول عربية وأفريقية أكثر المقترحات إثارة للجدل والغضب، بين تيار يرحب بالفكرة باعتبارها الحل الشامل لإنقاذ أوروبا، وآخر رافض، يرى في هذا الحل تعارضا مع المعايير الإنسانية والقوانين الدولية، ناهيك عن رفض الدول المستهدفة بهذه المعسكرات.
لم ينل الاقتراح، الذي تظهر فيه بوضوح سيطرة موقف اليمين المتشدد في أوروبا، استحسان الدول العربية في شمال أفريقيا. ونددت ليبيا والمغرب وتونس ومصر بالفكرة باعتبارها خطأ فادحا وتحمل رؤية قاصرة، ورفضت هذه البلدان بشكل جماعي استضافة معسكرات للمهاجرين على أراضيها.
لكنّ الموقفين يلتقيان عند نقطة مشتركة، وهي انتفاء البعد الإنساني أمام المصلحة الأمنية القومية؛ كلا الموقفين -المؤيد والرافض- لا يختلفان في التعامل مع المهاجرين من منظور عام، كل منهما “يتعاطف” مع المهاجرين، لكن أيضا لكل طرف رؤية تسير في ركب أنهم عبء. وحتى الدول التي يتسرب منها هؤلاء عبر المتوسط، تجد صعوبة في استعادة أبنائها ممن فشلوا في إتمام رحلتهم بنجاح وتم اعتقالهم في مراكز الاحتجاز الأوروبية، على غرار تلك المجودة في جزيرة لامبدوزا الإيطالية.
وكلما تزايدت أعداد المهاجرين تزايدت خطابات الدول الرسمية عبر مختلف قنواتها حول الهجرة غير الشرعية، وكأن هناك ما هو بديهي وواضح حول عدم قانونية المهاجرين. ووُصف البعض من المهاجرين بـ”غير الشرعيين” لانتهاكهم “القوانين”.
يكتسب المهاجرون صفة عدم الشرعية فقط عندما تنص الإجراءات التشريعية والتنفيذية في تلك البلدان على عدم قانونية أنواع معينة من الهجرة. من هذا المنطلق، لا يوجد مهاجرون غير شرعيين بقدر ما هم مهاجرون أُفقدوا شرعيتهم.
يتحدث الباحث نيكولا دي جينوفا عن تلك الفكرة في كتابه “إعمال الحدود”، حيث يرى أنه يُمكن العثور على أصول أو بداية تقنين هذه الحالات في مداولات ومناقشات وقرارات المُشرعين، وبالطبع لا يتم التطرق إلى سياقاتها وظروف تشريعها عند الحديث عن خرقها.
بذلك، يبقى القانون الذي يُشرعن حالة المهاجرين خفيا عنا بدرجة كبيرة، في حين يُصبح شبح المهاجر “السيء” مرئيا وظاهرا بشكل واضح من خلال وسائل الإعلام الجماهيرية وشُرطة الحدود. وقد شاهدنا نماذج لذلك من أوروبا والولايات المتحدة، وكيف أثرت طريقة التعامل معهم في تغيير بعض المواقف السياسية.
لا خلاف في أن دول أوروبا تتعامل باحترام وإنســـانية مع المهاجرين، وأن الكثيرين يدافعون عـــن قضايا اللاجئين وحقوق الإنسان؛ لكن هناك وجها آخر لأوروبا ظهر مع تصاعد أزمة المهاجرين.
ويتنامى منظور واضح بين الأوساط السياسية للأحزاب القومية الأوروبية بأن المهاجرين أو اللاجئين (تختلف المصطلحات لكن التوظيف واحد عند هذه الأطراف) يمثلون خطرا، فهم حسب الشعبويين الصاعدين الذين يستهدفون طبقة واسعة من شباب أوروبا العاطل ومن المتضررين بسبب الوضع الاقتصادي العالمي وتداعيات الأزمات السابقة وتصاعد الإرهاب، من المستهلكين للثروات وهم مركز للتطرف.
ورغم خسارة أحزاب اليمين الأوروبي بعض معاركها في بلدانها، تبقى الأزمة قائمة، بل وتتصاعد الرغبة العامة في الخلاص من هؤلاء القادمين “غير الشرعيين”، دون النظر إلى القيم الإنسانية التي يروج لها الغرب ومنها بالخصوص الحق في حياة كريمة.
من تلك النقطة تبدو أوروبا واقعة في أزمة فصام حادة؛ أمام تجربة أوروبية تحترم حقوق الإنسان وتدعو البلدان المحيطة لاحترامها، تبدو الشخصية الأخرى القومية الرافضة للآخر “الضعيف” في صورة أقرب إلى فكرة الجنس “السامي” والنزعة الأوروبية المتغطرسة التي نبذتها أوروبا منذ انهيار جدار برلين.
تجلى هذا التناقض الواضح بين الرؤيتين في الاقتراح الألماني الإيطالي بناء معسكرات للمهاجرين في بلدان عربية وأفريقية، كحل لمنع الهجرات المتزايدة. وحاول مسؤولون أوروبيون إقناع العالم بأن تلك المعسكرات ستكون بمثابة بقاع صغيرة متحضرة بها كل متطلبات الحياة من مأكل ومشرب وعمل أيضا، بشكل شبيه بما هو موجود في أوروبا، لكنه ليس في أوروبا.
من خلال هذا الطرح، يخدع الأوروبيون أنفسهم قبل خداع العالم، بأنهم يحلون مشكلاتهم وفق معايير إنسانية، لكنها في النهاية صورة ماسخة لفكرة فشلت قبل أن تولد بعدما أعلنت البلدان المقترحة لاستضافة تلك المعسكرات رفض الفكرة.
يدور المشهد بشكل أساسي حول فكرة الإقصاء، من كلا الجانبين. فالمهاجر غير الشرعي يرى أنه شخص منبوذ في بلاده غير قادر على العيش، بل إن بلاده ترى أنه يمكن أن يفيدها عندما يهاجر، حتى لو كان من خلال المخاطرة؛ فإن ينجُ تكنْ للأمر فوائد.
الأفكار الأكثر اعتدالا لحل الأزمة استمرار تنفيذ الخطط الأمنية المشتركة بين أوروبا ودول شمال أفريقيا مع خلق منظمات أشمل وأوسع لدراسة حالة المهاجرين
على الجهة المقابلة، المهاجر “غير الشرعي” شخص مرفوض وغير مرغوب فيه، فهو سيشكل عبئا جديدا، في بلدان لم تعد “جنة” كما كانت في السابق، وقد ينتهي به الأمر إلى التطرّف (بالنسبة إلى المهاجرين المسلمين). وتتشابك الممارسات الملموسة لشرطة الحدود مع هذا النوع من الخطابات والصور لتُحوّل “عدم شرعية” المهاجرين إلى حقيقة وأمر واقع.
مشهد آخر مرافق دائما لمشهد الإقصاء، لكن على عكس الأول، يتم تهميشه وعدم الاعتراف به كمحاولة لطمسه، ألا وهو استخدام المهاجرين “فاقدي الشرعية” على نطاق واسع في العديد من الوظائف الضعيفة قانونيا والمحفوفة بالمخاطر.
ويُكافأ أولئك المهاجرون ممن يتمكنون من التغلب على الحدود المُحصنة والمسلحة يوميا، بلقب “عدم الشرعية” وبالتالي يحرمون من أغلب حقوقهم المشروعة في العمل؛ فحالة الإقصاء مصحوبة دائما بإمكانية الترحيل التي تتسبب في خوف المهاجرين الدائم من القانون، وهو الخوف الذي يستغله أرباب الأعمال لتحقيق أرباح جيدة من خلال توظيفهم بشروط غير آدمية.
من الصعوبة فصل القشرة الخارجية لمشهد الحدود، والمتمثلة في الإقصاء وخطابات عدم الشرعية، عن عمق المشهد بإدماج المهاجرين كعمالة غير قانونية وتفاعلاتهم الاجتماعية في الدول التي خاطروا بحياتهم للوصول إليها.
تكمن المشكلة في العرض الانتقائي وليس في إخفاء المشهد بالكامل، فعلى الرغم من أن إصدار أي دولة لقوانين عدم شرعية اللاجئين أمر يوحي بالتأكيد على التمسك بالقانون وإلحاق هذه الصفة بهؤلاء المهاجرين بشكل دائم، فإن قراءة المشهد عن قرب تتيح رؤية جيش احتياطي ثانوي من العمالة القابلة للإحالة والجاهزة للعمل داخل أراضي الدولة.
تسمح كذلك الخطابات ذات الصلة مثل الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين بأن تضع الدولة نفسها في دور “الأب الراعي”. في هذه الحالة تمتد حماية الدولة إلى ما هو أبعد من مواطنيها الشرعيين لتشمل بعض المهاجرين، خاصة النساء اللواتي يُزعم إنقاذهن من التجاوزات الجنائية للهجرة غير القانونية.
لا تعبأ الدول والمؤسسات المُنتجة لمثل تلك الخطابات بالبحث في الأسباب العميقة التي تخلق الحاجة إلى اللجوء للطرق المحفوفة بالمخاطر لعبور الحدود بشكل غير قانوني، وبذلك هي تفسح المجال لاستغلال المهاجرين وطالبي اللجوء، في نفس الوقت تكشف عن ضحايا يسقطون يوميا على يد المهربين للتأكيد على ضرورة انتظار سماح الدول بالعبور الآمن لأراضيها بصفته الوسيلة الشرعية الوحيدة.
إنتاج الإرهاب
يهرب الآلاف كل عام من هول الفقر والظلم والقمع وغيرها من الأسباب بحثا عن حياة أفضل في بلاد ارتقت بنفسها لتكون أكثر تقدما. لكن حالة الرفض الحكومي والمجتمعي في أوروبا للهاربين من بلدانهم، جاءت لتكون سببا لإنعاش أيديولوجيا الإرهابيين في بناء مجتمع كاره للغرب وراغب في تدميره.
ويقول صموئيل رانير، الباحث المتخصص في الإرهاب بجامعة برن في سويسرا، إن الكثير من الإرهابيين لا يؤمنون بأفكار شيوخ التطرف التي تقرّ بأن قيام خلافة إسلامية لا يحدث إلا على أنقاض الحضارة الغربية، لكن أغلب هؤلاء انضموا إلى جماعات التطرف للانتقام من الأوروبيين، سواء استضافوهم في بلادهم أو طردوهم منها. وفي الحالتين يشعر المهاجر بحالة كره عام وعنصرية تجاهه تجعله ناقما على المجتمع الذي يرفض استيعابه.
ثمة أسباب كثيرة تزيد من كراهية المهاجرين للغرب أبرزها الصورة التقليدية عن المستعمر السابق واستغلاله لثروات البلاد، ودعم أطراف على حساب أخرى في حروب أهلية، وكذلك صورة الأنظمة الدكتاتورية التي تنفذ السياسة الغربية المطلوبة؛ مما يشعر المهاجر “غير الشرعي” بأن الغرب لا يريد لبلاده الصعود، ولا يرحب به في بلاده، ولا يرغب في إنقاذه.
ومع صعود أفكار مثل معسكرات اللاجئين، التي تبدو في باطنها أكثر عنصرية تجاه المهاجر من أي وقت مضى، تتنامى نزعة العداء تجاه الغرب. وتبدو أوروبا في النهاية أمام معضلة معقدة، ليس فقط لصعوبة إيجاد حل لمشكلة الهجرة “غير الشرعية”، إنما أيضا لإحساسها بأنها أمام ضرورة عدم خلق المزيد من العداء تجاهها.
وهنا تبقى الأفكار الأكثر اعتدالا حتى اللحظة لحل الأزمة استمرار تنفيذ الخطط الأمنية المشتركة في البحر المتوسط بين أوروبا ودول شمال أفريقيا لخفض أعداد المهاجرين “غير الشرعيين” مع خلق منظمات أشمل وأوسع من الموجودة حاليا لدراسة حالة المهاجرين، وتفهم أزماتهم ومحاولة حلها عن طريق السماح لجزء منهم بالإقامة في أوروبا أو دعم مشروعات تنموية توفر عملا ثابتا وحياة أفضل في بلادهم.
صدرت محكمة في مدينة لاهاي الهولندية، حكما لفائدة موظف مغربي ضد السفارة المغربية في ذات المدينة، بعد ان اصدرت في حقه قرار الطرد قبل ثلاث سنوات، حسب ما علمه موقع “دليل الريف” من مصادر صحفية هولندية.
ورغم الحكم الذي اصدرته المحكمة ضد السفارة المغربية، والقاضي بإعادة الموظف الى عمله، وأداء اجرته خلال الثلاث سنوات الأخيرة، مع غرامة قدرها 50 في المائة من المبلغ، إلا ان السفارة رفضت تنفيذ الحكم، متذرعة بالحصانة
ازمة بين الرباط وامستردام بعد حكم قضائي هولندي ضد السفارة المغربية https://dalil -rif .com صدرت محكمة في مدينة لاهاي الهولندية، حكما لفائدة موظف مغربي ضد السفارة المغربية في ذات المدينة، بعد ان اصدرت في حقه قرار الطرد قبل ثلاث سنوات، حسب ما علمه موقع “دليل الريف” من مصادر صحفية هولندية.
ورغم الحكم الذي اصدرته المحكمة ضد السفارة المغربية، والقاضي بإعادة الموظف الى عمله، وأداء اجرته خلال الثلاث سنوات الأخيرة، مع غرامة قدرها 50 في المائة من المبلغ، إلا ان السفارة رفضت تنفيذ الحكم، متذرعة بالحصانة
للاخبار فقط