ليبيا ترفض صفقة أوروبية لاستقبال المهاجرين مقابل المال
رئيس وزراء ليبيا يدعو أوروبا إلى ممارسة مزيد من الضغط على الدول التي ينطلق منها المهاجرون بدلا من الضغط على ليبيا التي تشهد نشاطا واسعا لمهربي البشر.
في الوقت الذي تحاول فيه دول الاتحاد الأوروبي وفي مقدّمتها ألمانيا التسريع في ترحيل المهاجرين إلى أوطانهم، رفضت ليبيا مثل جارتها تونس وعلى لسان رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج الانخراط في أي مقايضة أوروبية لتركيز مراكز لاستقبال المهاجرين مقابل المال، داعيا أوروبا إلى تقديم تنازلات من جهتها واستقبال جزء من المهاجرين.
عبّر رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية فايز السراج الجمعة عن رفضه القطعي إقامة مراكز لفرز المهاجرين في ليبيا كما ترغب دول الاتحاد الأوروبي.
وقال السراج في مقابلة مع صحيفة بيلد الألمانية “نحن نرفض تماما قيام أوروبا رسميا بوضع مهاجرين غير قانونيين لا ترغب فيهم في بلدنا”، مضيفا في المقابلة التي أجريت في تونس “لن نبرم أي صفقات مع الاتحاد الأوروبي للتكفل بمهاجرين غير قانونيين في مقابل المال”.
وتابع “أنا مستغرب جدا من أن لا أحد في أوروبا يرغب في استقبال مهاجرين، في المقابل يُطلب منا أن نستقبل مئات الآلاف منهم لدينا”. ودعا رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية أوروبا إلى ممارسة المزيد من الضغط على الدول التي ينطلق منها المهاجرون بدلا من الضغط على ليبيا التي تشهد نشاطا واسعا لمهربي بشر استفادوا من الفوضى التي أعقبت الإطاحة بنظام معمر القذافي في 2011.
وكانت دول الاتحاد الأوروبي المنقسمة جدا بشان استقبال المهاجرين، توافقت في قمة نهاية يونيو على تحري إمكانية إقامة “نقاط إنزال” خارج دول الاتحاد الأوروبي لاستقبال المهاجرين الذين يتم إنقاذهم في البحر الأبيض المتوسط. لكن ملامح المشروع تبقى غير واضحة وتثير الكثير من الأسئلة بشأن مدى تطابقه مع القانون الدولي.
واقتُرح أن يتم الإشراف على هذه المراكز بالتعاون مع المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة والمنظمة الدولية للهجرة.
لكن لم يعرض أي بلد استقباله لمثل هذه المراكز التي يفترض أن يتم فيها فرز المهاجرين غير القانونيين عن طالبي اللجوء الذين يمكن أن يقبلوا في بلدان الاتحاد الأوروبي. وعبرت تونس عن معارضتها منذ أمد بعيد لهذه الفكرة. كما عبّر المغرب وألبانيا عن رفضهما استقبال مهاجرين على أراضيهما.
من جهة أخرى، رفض السراج انتقادات منظمة برواكتيفا أوبن آرمز الإسبانية غير الحكومية التي قالت إن حرس السواحل الليبيين تخلوا في بداية الأسبوع عن امرأتين وطفل صغير في البحر المتوسط.
وقال إن هذه الانتقادات “غير صحيحة وسبق أن نفاها حرس السواحل” الليبيون، “نحن ننقذ يوميا مئات الأشخاص قبالة سواحل ليبيا، وسفننا تعمل على مدار الساعة”. وأضاف “نحتاج المزيد من الدعم المالي واللوجستي لنكون أكثر سرعة ونجاعة في عمليات الإنقاذ”.
وبموجب اتفاق مع الاتحاد الأوروبي أثار الكثير من الجدل، يقوم حراس السواحل الليبيون باعتراض المهاجرين المتجهين بحرا إلى أوروبا. لكن الأمم المتحدة اعتبرت مثل هذه السياسة “غير إنسانية” وقالت إن هؤلاء المهاجرين يعادون إلى مراكز احتجاز “مرعبة” في ليبيا.
بدورها كانت تونس قد أكّدت في وقت سابق على لسان وزير خارجيتها خميس الجهيناوي معارضتها أي مشروع يهدف إلى تحويلها إلى منصة للمهاجرين، ردا على مساعٍ أوروبية تقودها ألمانيا لإقناع الحكومة التونسية بتوفير منصة للمهاجرين غير النظاميين واللاجئين على أراضيها.
وتعهّد الجهيناوي باعتماد الشفافية في إدارة ملف الهجرة السرية مع الشركاء الدوليين وخاصة الاتحاد الأوروبي، الذي تردد أنه يمارس ضغوطا على تونس لإنشاء ملاجئ للمهاجرين الأفارقة.
وتأتي معارضة تونس في وقت روجت فيه تسريبات عن قبول تونس مطالب أوروبية، تخص التكفل بملف الهجرة السرية بعد رفض الجزائر إقامة معسكرات للاجئين، مقابل “وجود دعم اقتصادي أوروبي، يهدف إلى تركيز هذا المشروع، الذي سيوفر على أوروبا زحمة استقبالهم”. وأكدت تونس خلال مباحثات بين الجهيناوي والمبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة على أنه حتى لو طرح فإن تونس ترى أن هناك أساليب أخرى أولها مكافحة الهجرة غير الشرعية حماية لمواطنينا، ولأمن الأطراف الأخرى.
وأشار الجهيناوي إلى أن “موضوع الهجرة غير الشرعية لا يمكن معالجته برفض الآخر وتشييد مثل هذه المنصات، فأوروبا اليوم بحاجة إلى دعم بشري ديموغرافي
من خارج أوروبا وبلدان جنوب المتوسط أساسا”.
وتعتبر تونس أن الأجدر هو دعم الهجرة الشرعية التي بنت دولا عظمى في وقت سابق، تفاعلا مع تصريحات سابقة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد، حين شدد على أن تونس ديمقراطية وليدة وغير قادرة على استيعاب مخيمات لاجئين على أراضيها.
من جهته قال رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد في وقت سابق إنه “يتعين العثور على حل بصورة مشتركة مع ليبيا، وأن هذا هو الطريق الوحيد”، مبرزا خطورة التهديدات الأمنية المتأتية من ليبيا على الوضع في تونس ودول الجوار.
وكانت أوساط إعلامية تونسية تداولت وجود تحركات دولية لتشييد مخيمات بالبلاد التونسية لإيواء اللاجئين، أو المهاجرين غير النظاميين القادمين من بلدان
جنوب الصحراء، أو المتعرضين للاستغلال في ليبيا.
وأثيرت المسألة أيضا أثناء زيارة المستشارة الألمانية لتونس عام 2017، ضمن “مقايضة ألمانية” لتونس تقوم على أساس ضخ الاستثمارات، والمساعدات الاقتصادية، مقابل فتح الباب لاستقبال المهاجرين حال إنقاذهم من البحر.
وتتخوف حكومتا تونس وليبيا من الدخول في مغامرة استقبال اللاجئين، دون ضمانات جدية من القوى الكبرى لتحمل أعباء هذا المشروع، وضمان عدم تأييده مثلما حصل مع مخيمات اللاجئين في بلدان أخرى.
ويأتي تجديد الرفض للمقايضة الأوروبية، في وقت وافق فيه مجلس الوزراء الألماني الذي يقوده التحالف المسيحي، والمنتمية إليه المستشارة أنجيلا ميركل والحزب الاشتراكي الديمقراطي، على مشروع قانون ينص على ذلك، وهو ما يعارضه حزبا الخضر و”اليسار”.
ومن المقرر أن يؤدي إعلان دول المغرب دولا آمنة إلى قيام السلطات الألمانية بترحيل الآلاف من طالبي اللجوء الذين تم رفض طلباتهم، إلى جانب الإسراع في عملية البت في المتقدمين بطلبات اللجوء، والذين لا تتجاوز نسبة الاعتراف بهم 5 بالمئة من إجمالي المتقدمين، وفقا لرئيسة الحزب الاشتر