انقسام في الجزائر بسبب استدعاء مؤسسة الجيش لإدارة الأزمة السياسية
أثارت العودة اللافتة للمؤسسة العسكرية، إلى واجهة المشهد الجزائري خلال الأسابيع الأخيرة، اهتمام المتابعين والطبقة السياسية. وبات تزامنها مع دخول الانتخابات الرئاسية القادمة مرحلة العد التنازلي مصدر تفاؤل بعض القوى السياسية لمرافقتها من أجل تحقيق الانتقال السياسي، ومحل رفض من طرف قوى أخرى بدعوى الالتزام بالمهام الدستورية.
ولم يتأخر حزب جبهة التحرير الحاكم في الجزائر، في الرد على ترحيب رئيس حركة مجتمع السلم الإخوانية، بمساهمة المؤسسة العسكرية في مرافقة الطبقة السياسية على تحقيق الانتقال السياسي في البلاد، بالتأكيد على التزام المؤسسة بمهامها الدستورية، وعدم ضلوعها في الشأن السياسي الداخلي، لا سيما الانتخابات الرئاسية المنتظرة بعد أقل من عام.
ويعتقد محللون أن مساعي الإخوان، ودوائر أخرى مثل حركة “مواطنة” تهدف إلى إغراء مؤسسة الجيش لإثناء الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة عن فكرة الترشح لولاية جديدة، والزج بدلا منه بمرشح مقرب منها.
وشدد القيادي وعضو المكتب السياسي فؤاد سبوتة، في تصريح صحافي، على أن جبهة التحرير منفتحة على جميع المشاريع والأفكار السياسية المطروحة من قبل بعض القوى السياسية، لكن مسألة مرشح الحزب عبدالعزيز بوتفليقة، خط أحمر لا يمكن تناولها أو التشاور بشأنها، لأنها خيار استراتيجي للحزب.
ووصف سبوتة دعوات منع الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة من الترشح لولاية رئاسية جديدة بـ”غير الأخلاقية وغير النزيهة”، في إشارة إلى تكتل حركة “مواطنة” المناوئة للعهدة الخامسة. وشدد على أن بعض الأطراف “تريد توريط الجيش وفق منطق تنحّ أنت لآتي أنا”، وهو ما يتنافى مع قناعات وعقيدة المؤسسة العسكرية.
وكان الرجل الأول في حزب جبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس، قد قال قبل ذلك “اتركوا الجيش يؤدي واجبه في حماية التراب الوطني بعيدا عن السياسة”، في أول رد فعل له على الأصوات المتعالية في المشهد السياسي، من أجل التدخل لفرض الانتقال السياسي وإخراج البلاد من وطأة الانسداد.
وأضاف “لا دخل للجيش في السياسة.. الجيش في الحدود يقوم بدوره في حماية التراب الوطني من الإرهاب”.
ويرى متابعون للشأن السياسي في الجزائر، أن تصريحات جمال ولد عباس، انطوت على رسائل مزدوجة، موجهة إلى القوى السياسية المراهنة على دور معين للجيش في الانتخابات الرئاسية القادمة، وللمؤسسة العسكرية نفسها في آن واحد، بتحذيرها المبطن من التورط في الشأن السياسي وعدم الالتزام بالمهام المدونة في وثيقة الدستور.
ويأتي ذلك في أعقاب مخاوف غير معلنة لدى ما يعرف بمحيط الرئاسة، بعد العودة القوية للمؤسسة إلى الواجهة في الآونة الأخيرة، وفرضها لحملة تطهير واسعة في عدد من الأجهزة والمؤسسات، وعلى رأسها إقالة مدير الأمن السابق الجنرال عبدالغني هامل، المقرب من بوتفليقة وذراعه الأمنية طيلة الثماني سنوات الماضية، فضلا عن حملة التغييرات والإقالات المستمرة في مناصب حساسة في الدولة، أزيح فيها موالون لمحيط الرئاسة.
ويتطلع المراقبون إلى ما ستضفي إليه أهداف تحرك المؤسسة العسكرية منذ الإطاحة بشبكة شحنة الكوكايين نهاية شهر مايو الماضي، وعلاقتها بالأجندة السياسية، وموقفها من مسألة مرشح الانتخابات القادمة، خاصة مع انكفاء المؤسسة خلال السنوات الماضية تحت ضغط وتوسع محيط الرئاسة، وإعطائها الانطباع بالانسحاب التام من الشأن السياسي.
وشكل موقف رئيس الحركة الشعبية الجزائرية عمارة بن يونس، الموالي للسلطة، إحدى نقاط الظل داخل معسكر الموالاة، فرغم دعمه منذ سنوات لبوتفليقة، وشغله لمنصب وزير في عدة حكومات، لا يزال يلتزم الصمت بشأن دعوات الذهاب لولاية رئاسية خامسة، عكس شركائه في التكتل المذكور، كجبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، وتجمع أمل الجزائر.
ودعا في تصريح له، أمس، إلى “عدم إجبار الرئيس بوتفليقة على الترشح لعهدة خامسة، كما لا يحق لأحد منعه من الترشح، خارج المجلس الدستوري”، في إشارة إلى الحملة التي باشرتها قيادة الحزب الحاكم، ومعها أحزاب السلطة، وللحملة المضادة التي يقودها تكتل حركة “مواطنة” المكونة من أحزاب سياسية وشخصيات مستقلة معارضة.
وقال في تصريحه “لقد دعمنا الرئيس بوتفليقة للعهدة الرابعة في 2014.. اتركوا العهدة الرابعة تنتهي واتركوا رئيس الجمهورية يتخذ قراره بضميره..”، وهو ما يؤكد حالة الغموض التي تسود هرم السلطة وحلقاته، بشأن موقف الرجل من الاستحقاق، في الظروف الصحية المتدهورة للرجل والحراك المتصاعد في الجبهة الداخلية.
وكانت حركة مجتمع السلم الإخوانية، قد أطلقت مؤخرا مبادرة “الوفاق الوطني”، من أجل التوصل إلى إجماع بين السلطة والمعارضة على مرشح للانتخابات الرئاسية القادمة، من أجل تحقيق ما تسميه بـ”الانتقال السياسي والاقتصادي في البلاد، والخروج من وطأة الأزمة المهددة لاستقرار ووحدة البلاد”.
وباشرت حمس سلسلة اتصالات مع القوى السياسية، حيث التقى قادتها بمسؤولي حزب الحركة الشعبية الجزائرية الموالية للسلطة، وحزب طلائع الحريات المعارض، من أجل شرح مشروعها السياسي، المرشح للفشل في ظل تباعد الرؤى والمقاربات بين مختلف الأطراف.