تجدد الجدل في ألمانيا بشأن تصنيف المغرب العربي كدول آمنة
برلين تريد تسريع ترحيل المهاجرين إلى بلدانهم، والمعارضة ترفض متعللة بملفات التعذيب والانتهاكات.
برلين – تعتزم الحكومة الألمانية تصنيف تونس والجزائر والمغرب (دول المغرب العربي) “دول منشأ آمنة”، بغرض تسريع إجراءات اللجوء للوافدين من تلك الدول وترحيل اللاجئين المرفوضة طلبات لجوئهم إليها، بسهولة.
ووافق مجلس الوزراء الألماني الذي يقوده التحالف المسيحي، المنتمية إليه المستشارة أنجيلا ميركل والحزب الاشتراكي الديمقراطي، على مشروع قانون ينص على ذلك، وهو ما يعارضه حزبا الخضر و”اليسار”.
وبحسب بيانات مجموعة “دويتشلاند” الألمانية الإعلامية، فإن مشروع القانون الجديد يسمح للذين بدأوا عملا أو تدريبا مهنيا بالبقاء في ألمانيا، علما وأن محاولة سابقة للحكومة الألمانية باءت بالفشل أمام مجلس الولايات (بوندسرات)، وذلك في عام 2017.
وانتقد ساسة المعارضة مشروع القانون، حيث قال زعيم الخضر روبرت هابيك إن دول المغرب العربي ليست آمنة للكثير من الناس، موضحا أن الصحافيين والأقليات والمثليين جنسيا ليسوا في مأمن من الاضطهاد والاعتقال في دول المغرب العربي.
وتأتي موافقة مجلس الوزراء الألماني على تصنيف دول المغرب العربي كدول منشأ آمنة ، عقب مطالبة المستشارة أنجيلا ميركل حكومتها بتصنيف دول المغرب العربي مواطن آمنة، بهدف تسريع البت في طلبات اللجوء للقادمين من تلك الدول، مشددة على وجوب الإسراع في ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين.
وقالت ميركل في أواخر عام 2017 إن الحكومة الاتحادية سوف تسعى “للتوصل إلى حلول مشتركة” بخصوص تصنيف الجزائر والمغرب وتونس على أنها بلدان آمنة، معربة عن أملها في الحصول على أغلبية مؤيدة لذلك في البرلمان الألماني (بوندستاغ) أيضا.
وأشارت إلى أن التجربة أظهرت أن السلطات يمكنها البت على نحو أسرع كثيرا في ما إذا كان مسموحا لطالب لجوء محدد بالبقاء في ألمانيا أم لا عندما تتحقق من أنه منحدر من موطن آمن.
وتلح ميركل على ضرورة الإسراع قدر الإمكان في ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين، مؤكدة في الوقت ذاته أنه من المهم التفاوض باحترام مع الدول التي لا بد من الترحيل إليها.
ومنذ شهر نوفمبر 2017، قالت ميركل إن مردّ رغبتها في تسريع عملية ترحيل اللاجئين التونسيين الذين رفضت طلبات لجوئهم إلى ألمانيا، جاء عقب مكالمة هاتفية مع الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي بشأن ملف ترحيلهم، وذلك بعد مقتل الإرهابي أنيس عامري المشتبه به في تنفيذ هجوم برلين في إطلاق نار مع الشرطة الإيطالية.
وأقرت ميركل أن حالة عامري تطرح “سلسلة تساؤلات”، خاصة أنه كان معروفا لدى الشرطة منذ وقت طويل، موضحة أنها طلبت من وزيري الداخلية والعدل ومن السلطات الأمنية بشكل عام تحليل القضية، وتسليمها خلاصات بهدف أخذ كل العبر السياسية والتشريعية الممكنة.
واصطدم مشروع الحكومة الألمانية بشأن تصنيف دول المغرب العربي كدول آمنة، مؤخرا باتهامات وجّهت لوزير الداخلية هورست زيهوفر على خلفية ترحيل سامي العريان الحارس الشخصي لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن إلى تونس.
واتهمت المعارضة زيهوفر بأنه قام بالعملية بشكل غير قانوني بترحيله شخصا يشتبه بكونه متشددا وكان يعمل حارسا شخصيا لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن على الرغم من حكم قضائي سمح له بالإقامة في ألمانيا.
ورحّلت السلطات الألمانية سامي العريان إلى مسقط رأسه تونس منذ الجمعة الماضي على الرغم من مخاوف سابقة باحتمال تعرضه للتعذيب لدى عودته إلى بلاده ورغم حكم أصدرته محكمة إدارية قبل يوم من ترحيله.
وانتقد ساسة من المعارضة الألمانية وزارة الداخلية بسبب أسلوب معالجتها لهذه القضية، حيث قال روبرت هابيك زعيم حزب الخضر لمحطة “زد.دي.أف” التلفزيونية “وزير الداخلية خرق القانون”.
من جهته، قال فولفغانغ كوبيكي نائب زعيم الحزب الديمقراطي الحر المعارض لمحطة “آر.بي.بي”، “إذا لم يكن باستطاعة المحاكم من الآن فصاعدا الاعتماد على السلطات في قول الحقيقة فإن الأمور ستبدو حالكة في ألمانيا”.
في المقابل، قالت وزارة الداخلية الألمانية إنه كان من المهم من الناحية السياسية ترحيل هذا المشتبه به بسرعة وإنها لم تضغط على السلطات في ولاية نورد راين فستفاليا لتعجيل هذا الإجراء، وعمليات الترحيل أمر يخص كل ولاية على حدة في ألمانيا عادة.
وقال المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في ألمانيا إنه لم يعلم بحكم المحكمة الإدارية إلا بعد ركوب المشتبه به الطائرة المتجهة إلى تونس بالفعل. في الطرف المقابل، يطالب الحزب الاشتراكي الديمقراطي (يسار وسط) منذ أواخر عام 2017 بعدم عرقلة الإجراءات التشريعية لإعلان دول المغرب العربي دول منشأ آمنة.
وتعتبر رئيسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي أندريا ناليس أن الاعتراف بدول المغرب دولا آمنة هو الفعل الصواب، داعية حزب الخضر إلى عدم عرقلة الموافقة على القرار بمجلس الولاية وتبني نفس الاتجاه.
وتؤكد ناليس في كل مرة ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لعودة الذين من رفضت طلبات لجوئهم إلى موطنهم.
ومن المقرر أن يؤدي إعلان دول المغرب دولا آمنة إلى قيام السلطات الألمانية بترحيل الآلاف من طالبي اللجوء الذين تم رفض طلباتهم، إلى جانب الإسراع في عملية البت في المتقدمين بطلبات اللجوء، والذين لا تتجاوز نسبة الاعتراف بهم 5 بالمئة من إجمالي المتقدمين، وفقا لرئيسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي.
ووفق تقرير حكومي ألماني نشر في فبراير الماضي، استقبلت ألمانيا 4 آلاف و130 طالب لجوء من دول المغرب العربي في 2017، مقارنة بـ8 آلاف في 2016 و25 ألفا في 2015، فيما يقيم الآلاف من طالبي اللجوء المنحدرين من هذه الدول ورفضت طلبات لجوئهم خلال السنوات الماضية، في ألمانيا.
ولكي يصبح مشروع القانون المطروح نافذا، يجب أن يحصل المشروع على موافقة البرلمان المكون من 709 أعضاء، ومجلس الولايات المكون من 69 عضوا يمثلون حكومات ولايات البلاد الـ16.
ويملك الائتلاف الحاكم الأغلبية في البرلمان، ما يجعل تمرير مشروع القانون فيه محسوما، إلا أنه لا يملك الأغلبية في مجلس الولايات، ويحتاج إلى تصويت حزب الخضر لجانبه لتمرير المشروع.