الهجرة .. سجن كبير
هذه هي أحدث أساليب القمع في العصر الحديث؛ أن يتم عزل الإنسان افتراضيا عن العالم الخارجي، بعد أن عزل عن أبسط حقوقه الآدمية في الواقع. هل هذه محاولة أخيرة لوأد الاحتجاجات التي بدأت منذ أساليع قليلة في بلجيكا والتكتيم على صرخات الغضب، أم أنها رسالة واضحة إلى العالم الخارجي تخبره بأن جهاز التنفس الاصطناعي عن كوثر فال التي ما زالت تحتضر منذ 29 مايو ، قد فصلت عن جسدها في تمهيد لما سيعلن في ما بعد عن موتها الإكلينيكي، و ترحيلها قريبا؟
ساسة بلجيكا اليوم، أصبحوا خبراء في التقنية التي أتاحت لهم خنق جسد المهاجرين الذي أنهكته مراكز الترحيل .
لا جديد في هذه الإجراءات، فقد لجأت السلطات التي تواترت على المهاجرين المغاربة على مدى عقود طويلة، إلى التعتيم على احتجاجات الناس على الظلم المستمر، بالقمع والاضطهاد تارة و بالترحيل ، و باستخدام أساليب مبتكرة لم يسبقهم إليها أحد من العالمين تارة أخرى، ثم لجأوا في الآونة الأخيرة إلى تضييق الخناق على منافذ ضروريات الحياة اليومية؛ بإنزالها في مركز 127 مكرر الذي يعتبر سجنا و ليس مركزا للترحيل ، حتى أصبح الهواء ذاته مقننا وأصبحت نسماته القليلة لاذعة بسبب العزلة الخانقة، وكأن بلجيكا صارت جلادا يأتمر بأوامر الطغاة للتنكيل بالمهاجرين .
اليوم، وبعد أن تحررت الجرائد الدولية و المغربية من براثن صمت طويل ومرير، لجأ القائمون على وزارة اللجوء و الهجرة الى طرق التضييق و الخنق لدفع كوثر فال على التنازل و مغادرة التراب البلجيكي ، في محاولة لإبعادها عن البرلمان الاوروبي ؛ حيث تم حجب الإنترنت بصورة كاملة عنها وتسجيل سبل التواصل بين كوثر والعالم الخارجي، فلا وسائل تواصل اجتماعي ولا أخبار ولا رسائل صوتية ولا صور، فأصبح الآلاف من المهاجرين المغاربة ومنهم الذين تشردوا في بلدان المهجر بسبب ظلم الماضي والحاضر، يستجدون رسالة من بضع كلمات تطمئنهم على أحبابهم من دون جدوى.
صرنا نترجّى، خبرا من هنا أو مقطع فيديو من هناك، يطفئ عطشنا بأخبار عن المحتجزين بمراكز لييج و بريج و زافنتم ، لكن كل ما نقلته مصادر شحيحة، أكدت على أن هذه المراكز ليست الا سجون مقننة في فضاء الديموقراطية و حقوق الانسان ببلجيكا تغص بالمهاجرين المغاربة .
الغضب وحده هو المؤكد، الغضب الذي لا نملك غيره. أما البعض فيتحدث عن ضرب و قمع المهاجرين المغاربة فهل يعقل هذا؟
ما الفرق، طالما أن المغاربة بأكملهم كانو وما زالو يدهسون تحت أقدام أعتى عنصريي العصر ، من تقدم منهم ومن تأخر!