حل المشكلات الشخصية على مواقع التواصل يخلق أسرا افتراضية

اللجوء إلى الصفحات على سبيل الفضفضة لا يجب أن يحل محل الأسرة والأصدقاء، فالأسرة هي عماد بناء المجتمع وأفضل وسيلة لحل المشاكل.
الاثنين 2018/07/16
أكثر من مجرد مساحة رأي

بات لجوء الشباب إلى صفحات الدردشة على مواقع التواصل الاجتماعي لتكون بديلا للأسرة والأصدقاء ظاهرة حرجة تثير الجدل في الكثير من الدول العربية، بعد أن تزايد انتشار الأسر الافتراضية وانعكست آثارها السلبية على الحياة الاجتماعية للأشخاص، لأن رواد الإنترنت وجدوا في المساحات الرقمية الواسعة انسيابية لمناقشة قضاياهم بديلا عن الأسرة.

نجحت بامتياز في امتحانات الباكالوريا ، لكني في حيرة هل أتخصص “القانون  ” أم “اقتصاد ”، وهل هذا التخصص مطلوب؟ ليت هناك من ينصحني ولديه معرفة بسوق العمل؟ كلمات قليلة كتبها سعيد المرابطي بعد إعلان نتيجة الباكالوريا ، على واحدة من مجموعات المحادثات وتبادل الخبرات على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.

يبدو السؤال عاديا لمن لا يعرف الشاب، لكنه صدمة عنيفة لأمه التي قرأت ما كتبه بالصدفة، لتنفجر مواجهة مزمنة بين جيل لا يثق في المحيطين به بما يكفي لسرد مشاكله وطلب المساعدة، وبين جيل الآباء والأمهات الذي يتعجب إقدام أبنائه على استبداله بطرح أسئلة حيوية وهامة على المجتمع الإلكتروني الذي تحول إلى أسرة افتراضية.

بدأت المجموعات الاجتماعية في الظهور كشكل يفرض مساحة لتبادل الخبرات في السبل الحياتية وتقديم النصائح العامة حول مسائل خاصة، لكن لم يكن يتوقع مؤسسوها أن تكون مع الوقت أكثر من مجرد مساحة رأي، وباتت بديلا للأسرة بعد أن وجد فيها الكثير من الشباب والفتيات ضالتهم للتعبير عن آرائهم بحرية وسرد تفاصيل شخصية مع آخرين يشاركونهم المشاكل ذاتها دون سابق معرفة.

لم يتوقف تطور تلك الأسر عند حد تبادل الخبرات والسرد والحكي، لكنه نما لتصبح بعضها أكثر تخصصا في موضوعات حساسة لها علاقة بمشاكل زوجية حرجة، بعضها يتعلق بأزمات جنسية لدى الرجل والمرأة. أصبحت الأسر الافتراضية البديلة ملجأ لموضوعات كانت حتى وقت قريب تصنف ضمن الأمور الخاصة، لتشعر من يتابعها بوجود رابطة أسرية حقيقية تجمع بين المشاركين، مثلما كتبت مشاركة أطلقت على نفسها مامو إبراهيم تسأل “أحتاج نصيحتكم .. هل الصح في هذا الزمن أن أقلل المصروفات على نفسي وعلى أولادي وأدخر أم أعيش وأعيّشهم وأصرف ما في الجيب على أمل أن يأتيني ما في الغيب”.

وسأل محمد . س .على غروب آخر خاص بالرجال فقط “هل يمكنني أن أتزوج من بنت أحبها وأتشكك في سلوكها؟”، “بينما يحمل غروب آخر بعنوان “اعترافات زوجية” سؤالا على لسان حساب يحمل اسم “لحن الحزن” يقول “خنت زوجتي مع العديد من السيدات ولا أستطيع التوقف عن خيانتها، هل لأحد تجربة أو حل لأتوقف عن ذلك؟”.

تلك الأسئلة وغيرها وضعت علامات استفهام على العلاقة المستقبلية بين تلك المجموعات الحاضنة لها، فهل ستقوم غرف الدردشة بدور الأسر أو الأصدقاء للبعض؟ وهل مع مرور الأيام سنعلن وفاة الترابط الأسري وتتحول المنازل رسميا إلى نزل لا يربط بين أفرادها سوى تبادل الخدمات، بينما يفرون وقت الحاجة إلى أسر افتراضية؟

أفضل وسيلة لحل مشاكل الجلوس أمام شخص يقوم بدور المستمع، ويكون صادقا في تعاطفه مع صاحب المشكلة

يرجع البعض اتساع نطاق ظاهرة اللجوء إلى تلك الصفحات ووصول المشتركين فيها إلى المئات من الآلاف إلى البيئة المغربية التي يتسم معظمها بالجمود في الحديث عن الكثير من الأمور الأسرية والاجتماعية. وتبدو الأسباب مرتبطة بتحول مواقع التواصل إلى عالم ضخم يجعل رواده يتركون الواقع ويعتمدون عليه كليا كعالم افتراضي أكثر راحة.

ويرى شباب في تلك المنتديات فوائد كثيرة تجعلها فريدة عن الحوار مع الأسرة العادية، منها عدم وجود سابق معرفة بين المتشاركين، ما يرفع الحرج عنهم في منافشة أي فكرة، وفي بعض الأحيان تكون الأسرة في حد ذاتها المشكلة، وبالتالي لا يمكن اللجوء إليها في المشورة. يمتلك أعضاء الأسر الافتراضية ميزة يراها الكثير غير موجودة في الأسر الحقيقية، وهي تنوع المشاركين، فكل مشترك فيهم يحمل خبرة سابقة تجعل فكرة التواصل وتقديم النصائح أفضل.

لكن آخرين حذروا من أن غياب هوية الناصح وعدم معرفته يجعلان هناك احتمال أن تكون النصائح خاطئة ومؤذية بشكل كبير على طارح السؤال. ويلقي البعض باللوم على الأسرة البيولوجية، فحالة التزاحم التي تعاني منها البيوت خلقت بيئة يمكن وصفها بـ”الطاردة” شجعت كل الأفراد على الهجرة إلى مكان آخر أكثر رحابة، كياناته قادرة على الاحتواء، فعادة ما يجد العضو داخل المجموعات قدرا كبيرا من الدفء المفتقد داخل أسرته، ويتوفر له من يشاركه الرأي ويقدم له النصيحة.

يسين .م . (موظف ) وأحد المشتركين في صفحة “مغاربة بلجيكا ”، فسر لجوءه مع أصدقائه إلى تلك الصفحات بأن تفكيرهم يختلف عن أسرهم، إلى جانب إهمال الأهل وعدم الاستماع لأبنائهم، والأمر ذاته في المحيط الاجتماعي لصاحب المشكلة من أقارب ومعارف.

ويقول مجدي لـ”أخبارنا الجالية ” إن الظاهرة لا تقتصر على الشباب فقط، وهو اشترك في أحد الغروبات واكتشف أن جميع أفراد أسرته من الأعضاء المتفاعلين فيها، ما جعله ينسحب منها، مؤكدا أنها ظاهرة عامة تشمل ثقافات عديدة ودولا كثيرة.

لم يعد للحائر المغربي مهرب إلا البحث في مكان آخر سريع الاستجابة لا يرتبط بوقت، فهناك بعض الأشخاص لم يجدوا من يتواصلون معهم أو لا يريدون أن يتحدثوا مع الأصدقاء والأقارب حتى لا تتصاعد المشكلة، فيلجأون إلى الفضفضة مع المجهولين ، و يمكن تفسير زيادة التفاعل مع هذا النوع من الصفحات إلى حالة “الفراغ النفسي” الذي يعاني منه الشباب والفتيات المفتقدون لحكمة الكبار وخبراتهم، لأن زيادة حجم المشاكل والأعباء ولدت لأفراد الأسرة طاقة يريدون تفريغها ويجدون ضالتهم في مشاكل غيرهم.

و أن تلك الصفحات هدفها مساعدة الأشخاص لحل مشاكلهم المختلفة، وعليهم ألا يثقوا بها، فهي مواقع افتراضية عليهم أن لا يتوسموا فيها حسن النية، فتقديم المشورة الأسرية فنّ بحد ذاته لا يتقنه الجميع.

ويمكن اللجوء إلى تلك الصفحات على سبيل الفضفضة، ولا يجب أن تحل محل الأسرة والأصدقاء، فالأسرة هي العماد الذي يبنى من خلاله المجتمع، وأفضل وسيلة لحل المشاكل الجلوس أمام شخص حقيقي وجها لوجه يقوم بدور المستمع، ويكون صادقا في تعاطفه مع صاحب المشكلة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: