المنتخب المغربي أداء مشرف و”فيتو” غير مشروع في مونديال روسيا
إشادة جياني إنفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم بالأداء الجيد للمنتخب المغربي أمام البرتغال لم تحل دون دفاعه عن التقنية المساعدة بالفيديو في التحكيم والتي تستخدم لأول مرة في مونديال روسيا.
استطاع جيل جديد من اللاعبين المغاربة حمل القميص إلى ملاعب روسيا في مونديال 2018، بعد غياب عشرين عاماً كاملة. وعاد المنتخب المغربي بفريق شاب وطموح وقتالي، مكتسبا احترام الكل، وعبرت جموع الجماهير التي حجت إلى روسيا لمساندته عن رضاها للأداء الجيد للفريق رغم خروجه من الدور الأول، وكان هذا المنتخب بشهادة كل المتتبعين الأفضل، حيث قدم عرضا جميلا رغم الإقصاء غير العادل الذي كابد مرارته اللاعبون والجمهور.
خلال دور المجموعات كان المنتخب المغربي، ومن وجهة نظر اللاعب الألماني الدولي السابق لوثر هربرت ماتيوس، أفضل من إيران والبرتغال وإسبانيا في جميع مبارياته الثلاث بالمجموعة. وهذا يدل على المستوى الجيد للفرق غير المرشحة، والتي كانت ندا قويا من الناحيتين البدنية والخططية، وتمتلك العديد من اللاعبين والمدربين ذوي الخبرة في بطولات الدوري الكبرى على المستوى الدولي.
مواجهة غير عادلة
ملعب “كريستوفسكي” في سان بطرسبورغ، شهد في الجولة الأولى من منافسات المجموعة الثانية في مونديال روسيا 2018 تسجيل الهدف القاتل من طرف المهاجم المغربي البديل عزيز بوحدوز ضد مرماه في الدقيقة الخامسة من الوقت بدل الضائع، والذي كان بمثابة الضربة المميتة لطموح وحلم فريق وشعب للتأهل للدور الثاني، وكان المنتخب المغربي حسب المتابعين، الأفضل والأكثر استحواذا على الكرة في معظم فترات المباراة، والأقرب إلى تحقيق الفوز بالنظر إلى الفرص الكثيرة التي أهدرها مهاجموه.
التحكيم الجائر وسوء الطالع الذي أصاب المنتخب المغربي في إقصائيات كأس العالم بروسيا، لم يمنعا أن الكل أجمع على حيازته قتالية كبيرة وتقنيات ممتازة أبان عنها اللاعبون المغاربة في منازلتهم لمنتخب البرتغال بقيادة كريستيانو رونالدو، ولم يتوان عن اغتنام فرصة التسجيل أمام المنتخب الإسباني الذي قالت عنه كبرى جرائد إسبانيا إن تقنية “فار” أنقذته من هزيمة نكراء أمام عناصر المنتخب المغربي.
وقبل مواجهة إسبانيا أبت الكرة أن تدخل بمرمى المنتخبين الإيراني والبرتغالي، فالحظ لم يكن لصالح الفريق المغربي، والهداف كان هو الغائب في المباريات الثلاث التي خاضها المغرب ضد كل من إيران والبرتغال وإسبانيا، أما على مستوى احتكار الكرة والمحاولات أمام المرمى فكان المغرب أفضل من المنتخب البرتغالي.
لا مجال للتذكير بأخطاء ارتكبت في المباراة الأولى ضد إيران وهي ما عقدت وضعية المنتخب الوطني الذي كان بمقدوره الفوز بهدفين أو أكثر، كما يقول عميد المنتخب المهدي بنعطية، الذي أضاف أن الكرة لم تنصف المجموعة خلال مواجهة البرتغال.
خسارة المنتخب المغربي أمام كل من إيران والبرتغال لم تحد من إصرار الفريق وبحزم واقتناع قال المدرب الفرنسي هيرفيه رينار سألعب هذه المباراة الأخيرة كما لو أننا سنلعب من أجل التأهل، مهمتي هي خلق مشاكل لإسبانيا وجعل الشعب المغربي فخورا، لدي هذه المسؤولية وعليّ تحملها بأفضل طريقة ممكنة، وهذا ما كان فعلا.
مباراة إسبانيا كانت مهمة صعبة نفسيا وجسمانيا، لكن الكل كان مقتنعا انه لا بد من تقديم عرض جيد لتبديد الغيوم السوداء التي خلفتها المبارتان السابقتان مع إيران والبرتغال، وهنا كان حارس مرمى المنتخب المغربي منير المحمدي حازما ومعبرا عن الضغوط الصعبة التي كان يمر منها المنتخب عندما قال إن المباراة مهمة جدا لكبريائنا، ولأسمائنا، لأنه يتعين علينا منح الفرحة لمشجعينا، ومغادرة النهائيات برأس مرفوعة. إنه الخيار الوحيد الذي أجمع عليه الكل.
مصطفى حجي مساعد المدرب يقول “بعد الهزائم التي مني بها المنتخب المغربي يمكن أن ننجرف ونصدر تصريحات ساخنة، لكن اللاعبين استجابوا بسرعة، وقدموا أداء كبيرا أمام إسبانيا والبرتغال، المزاجية وردود الأفعال لا تهم في النهاية، ما يهم هو أنهم جلبوا السعادة لشعب بأكمله، ولكل عشاق المنتخب المغربي”.
أن تخسر مباراتك ومع ذلك تستحق التصفيق والتنويه فهذا شيء يحسب للجمهور واللاعبين الأفذاذ، ها هو نورالدين المرابط يقاتل كمحارب في الميدان رغم إصابته دفاعا عن شرف القميص الذي يحمله على ظهره. انتزع احترام الخصم قبل الصديق.
لم يستحق المغرب هزيمته أمام البرتغال وإيران فقد كانت هناك فرص ضائعة للفوز لم يغتنمها اللاعبون خصوصا ضد فريق رونالدو كريستيانو، والسبب هو غياب ملتقط الكرات لتحويلها لأهداف وهو ما دفع المختصين في المجال إلى تشديدهم على ضرورة ضم ذوي الخبرة للفريق المغربي، لكن، ومع ذلك، يجب ألا نلوم سوى أنفسنا. كانت لدينا أكثر من فرصة للفوز ولكننا أضعناها، حسب نجم المنتخب المغربي أمين حارث.
ظلم كبير
كان الحكم هو اللاعب الثالث عشر في مباراة المغرب ضد كل من البرتغال وإسبانيا لم يكن التحكيم منصفا جعل المنتخب المغربي يخرج مبكرا من الإقصائيات، وجعل المغاربة يعيشون في تلك اللحظات حنقا وغضبا على الحكام الذين لم يراجعو تقنية (فار) التي قالوا إنها ستكون العين الثالثة للحكم والمرجع الأخير للحسم في الأهداف وأخطاء اللاعبين المشكوك في أمرها.
إنها أخطاء الحكام التي فوتت فرصا لضربات جزاء مغربية ناجحة تم التغاضي عنها وكلفت المنتخب المغربي خسارة نصر مستحق، ولا سيما تلك التي وقعت خلال المباراتين اللتين أجراهما ضد البرتغال وإسبانيا، وهو ما أثار احتجاجات شعبية ورسمية، فالحكم الأميركي مارك غيغير لم يستعن بتقنية حكم الفيديو “فار” بغية التحقق من صحة هدف كريستيانو رونالدو ضد شباك المغرب، وهو ما جعل مدرب الفريق يؤكد أنه من الظلم أن نقصى مبكرا ولكن علينا أن نتقبل الواقع علينا التركيز على مباراتنا الثالثة لإنقاذ شرفنا لأنه لم يعد أمامنا الآن سوى القيام بذلك.
وبدوره لم يتحمل هيرفيه رينار خسارة المنتخب المغربي وذرف دموع الحزن على ما ألم بالفريق الذي أشرف على تدريبه، معتبرا خروج فريقه المبكر من الدور الأول لمونديال روسيا ظلما، مشيرا إلى أنه كان ضحية أخطاء تحكيمية مؤثرة في المباراة التي خسرها أمام البرتغال (صفر- 1 ).
أما الهدف المبكر الذي سجل ضد شباك الفريق المغربي في مباراة البرتغال فيؤكد الكل وجود ضربة خطأ واضحة ارتكبها المدافع بيبي على خالد بوطيب، لكن الحكم تجاهل الكل، رغم أن اللقطة تبرز أن بيبي قام بدفع المهاجم خالد بوطيب من الخلف بطريقة متعمدة، الشيء الذي مكن رونالدو من استقبال الكرة دون مقاومة ليتمكن من وضعها في مرمى الحارس
منير المحمدي، وهكذا أفسد الهدف غير المشروع لصالح البرتغال والأجواء الإيجابية التي كانت تخيم على أعضاء المنتخب ومتابعي المباراة، هدف منحهم الفوز وحكم علينا بالإقصاء غير المستحق، يقول أحد اللاعبين.
وتفاعلا مع الانتقادات الموجهة للاستعمال السيء لتقنية “فار”، لم تحل إشادة جياني إنفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم بالأداء الجيد للمنتخب المغربي أمام البرتغال دون دفاعه عن التقنية المساعدة بالفيديو في التحكيم والتي تستخدم لأول مرة في مونديال روسيا، مؤكدا أنها تساعد في الوفاء بقيم كرة القدم الأساسية وهي الأمانة والعدالة والنزاهة وأنها جزء من تطوير الفيفا تكنولوجيا، وهذا ما اعتبره البعض شرعنة لمصالح المستشهرين الكبار ولو بالوقوف ضد بعض المنتخبات كالمغرب.
أضحت لعبة الفقراء ضحية للتقنيات، باعتبارها فيتو الفيفا، الذي يعمل كجهاز تصفية الدورة من الشوائب الكروية التي لا تدر أموالا ولا تنعش تجارة الإعلانات، فمن الطبيعي أن يكون هناك فائز وخاسر في لعبة تصنف الأولى في العالم لكن المخيف أن يتم رأسملتها بوحشية، ولهذا لم تع القائمين على اللعبة الحيلة في عدم استعمال التقنية الجديدة وتم إخراج المنتخب المغربي مبكرا من تصفيات كأس العالم 2018.
حتى هؤلاء الذين لا علاقة وطيدة لهم بكرة القدم تفاعلوا مع المنتخب المغربي في دورة موسكو لكأس العالم، وما زاد من شغف الناس بهذا الفريق ما تعرض له من ظلم في التحكيم الذي لم يكلف نفسه عناء البحث عن الحقيقة في تقنية الفيديو، والحظ العاثر في تسجيل مهاجم المنتخب المغربي لكرة القدم، عزيز بوحدوز، ضد مرماه في آخر دقيقة من عمر مباراته مع منتخب إيران.
فيتو الفار
تقنية الـ”فار”، كانت ضد مصالح الفريق المغربي وطموحاته في تجاوز الحظ العاثر أمام إيران عندما ننظر إلى كل أحداث المباراة ضد البرتغال، فما حصل يقول تقنيون ظلم تام في الهدف الذي دخل مرمى الفريق المغربي، كان هناك خطأ كبير لبيبي في القائم الأول لماذا لم تتم مشاهدته؟ يتساءل أحدهم، معربا عن أسفه في إشارة إلى “لمسة يد” للمدافع البرتغالي داخل المنطقة لم يعاقب عليها، في حين أنه تم ذلك “في حالة مشابهة في مباراة أستراليا والدنمارك”.
وفي ردها على ما كابده المغرب من عدم الانحياز الموضوعي لتقنية الفيديو، أكدت الجامعة الملكية المغربية أن المنتخب الوطني تأثر كثيرا بقرارات الحكام المرتبطة بـ”تقنية الفيديو”، وعدم التجاء الحكام إلى الاستعانة بتقنية الفيديو كما هو معمول به في باقي المباريات، معتبرة أن ما وقع “يدعو إلى القلق العميق بالنظر لانعكاسها السلبي على صورة الفيفا وعلى مستقبل كرة القدم التي يفترض فيها أن تكون ممارسة لنشر القيم النبيلة وضمان المنافسة الشريفة”.
أما نورالدين امرابط، فقال إثر المباراة ضد إسبانيا إن “الـفار مجرد هراء”، كما رفع عدد من المشجعين المغاربة الذين حضروا المباريات في روسيا لافتات وصورا تعتبر أن التقنية إنما اعتمدت “لإقصاء العرب والأفارقة”، وهناك من اعتبر أن معنى الحروف المختصرة للتقنية “أطردوا المنتخبات العربية والأفريقية من روسيا” متسائلين هل هذه سياسة جديدة تعتمدها القوى العالمية المسيطرة على اللعبة من خلال الفيفا وخطة مبتكرة لتدبير التدفقات المالية؟
تسييس اللعبة
لا يختلف اثنان على أن كرة القدم أضحت لعبة يتداخل فيها استراتيجيا المال مع المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية، وأن تنظيم مناسبة كروية مثل كأس العالم يستوجب قراءة كل المتغيرات الجيوسياسية إقليميا ودوليا المرتبطة بهذا المشروع الضخم، ولن تكون تقنية “فار” سوى إحدى تمظهرات مصالح الشركات الكبرى باستعمالها بما يضمن مصالحها الاستشهارية.
بعد عدم قبول ملف المغرب لاستضافة مونديال 2026، لأسباب مختلفة لا مجال لعرضها في هذا الحيز، طفت على السطح مطالب بتنظيم كأس العالم 2030 بملف ثلاثي يضم المغرب والجزائر وتونس وهو مطلب عاطفي يعبر في العمق عن توق شعوب المنطقة إلى وحدة كاملة تذوب الخلافات السياسية.
هذا المشروع الاستثماري الكبير يحتاج إلى قوة إرادة سياسية وأداء تنموي واقتصادي على الأرض على جميع الأصعدة كما أنها فرصة للتفكير تحتاج إلى تدبير اللحظة التي تمر منها المنطقة على مسافة زمنية كافية يتم فيها شحذ الدعم بامتلاك أدوات القوة الناعمة من إعلام محترف وعلاقات متشعبة ومتينة، ومَحافِظ مالية متنوعة، واستغلال ذكي للموقع الجغرافي والعلاقات الدبلوماسية، واليد الطولى داخل مجموعات الضغط المتغلغلة داخل المؤسسات المعنية بهذه اللعبة.
وفي تصريحات جديدة قال محمد حطاب وزير الشباب والرياضة الجزائري، إن بلاده تدرس الترشح بملف مشترك مع المغرب وتونس لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم، دون أن يحدد أي دورة يتحدث عنها، فيما سكت المغرب عن الخوض في هذا المقترح الذي تحلم به فئة عريضة من الشعوب التي لا تهمها خلافات السياسيين وإن كانت مبنية على معطيات ميدانية واقعية.
وكحلم طوباوي يريد دغدغة مشاعر محبي كرة القدم بمنطقة المغرب العربي أطلق البرلماني التونسي رياض جعيدان نداء للحكومات المغاربية بدعوتها تنظيم كأس عالم مشترك، كون الدول الثلاث مؤهلة لهذا المكسب لشمال أفريقيا ككل ومناسبة لاحياء مشروع الاتحاد المغاربي كحلم قد تحققه الرياضة بعدما فشلت السياسة في إقلاع الاتحاد.
ويركز البعض في ترجيح نظرية كأس عالم مشترك بين دول شمال أفريقيا على أنه كما أن السياسة أفسدت كرة القدم يمكن أن تكون اللعبة الشعبية الأولى في العالم مدخلا لتنحية السياسة لصالح المكتسبات الاقتصادية والتنموية والاستثمارية التي يمكن أن يحققها تنظيم مثل هذه التظاهرة العالمية.
مستقبل مدرب المنتخب
لكن مستشار رئيس الاتحاد المغربي محمد مقروف، قال لصحيفة “الهداف” المغربية إن “الاتحاد المغربي متمسك بالمدرب رينار وعقده يمتد حتى 2022، وما يُكتب في الصحافة لا علاقة له بالحقيقة”.
وتكهن البعض بأن هناك خلافات كبيرة بين المدرب ومساعده مصطفى حجي، لكن هذا الأخير الذي آثر عدم كشف المستور نفى وجود أي مشاكل بينه وبين الناخب الوطني هيرفي رونار، وأضاف حجي “لا أعرف إن كان سيبقى أو سيرحل، لا يمكنني أن أتحدث مكانه، ولكن نود جميعا أن يبقى هنا، المنتخب المغربي هو مكانه، لقد قدم الشيء الكثير للمنتخب، ولا نرغب فعلا في رحيله”.
ولقطع الطريق على رونار حتى لا يرحل، قال فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية، إنه في حال ما قرر رونار الرحيل عن المنتخب الوطني، فسيتم التعاقد مع مدرب من القيمة نفسها قصد إكمال المشروع الرياضي، وكان رونار قد أكّد أنه ملتزم بالعقد الذي يَربطه بجامعة الكرة، نافيا في الوقت نفسه أن يكون على خلاف مع مساعده مصطفى حجي، إذ أكد أن العلاقة التي تجمعه باللاعب الدولي السابق جيدة للغاية.
وبعد المستوى الجيد الذي ظهر به المنتخب المغربي في مونديال روسيا، وعلى الرغم من مرارة الإقصاء منذ الدور الأول لنهائيات كأس العالم لكرة القدم، لم يحل ذلك دون مطالب الجماهير المغربية بالحفاظ على استقرار المنتخب الوطني، بعد الأداء الكبير الذي قدمه أسود الأطلس في المباريات الـثلاث التي خاضوها، ونتيجة لذلك تقاطرت على رونار عروض أخرى من اتحادات الكرة في اليابان وقطر والسنغال والجزائر، لكن معارضي تغيير هذا المدرب حتى إتمام مهمته أتوا بمبرر خلقه جوا من الانسجام بين عناصر الفريق وحتى هو لن يغامر بسهولة في تغيير موقعه مدربا بالمغرب.