مهرجان طانطان.. جسر تفاعل ثقافي بين المغرب والإمارات
الدورة الرابعة عشرة من موسم طانطان التراثي والثقافي أقصى جنوب المغرب تظاهرة صنفتها اليونسكو من روائع التراث الشفهي غير المادي للبشرية لما تزخر به من إرث حضاري وثقافي كبيرين.
تأتي الدورة الرابعة عشرة من موسم طانطان التراثي الثقافي الذي تنظمه مؤسسة “الموكار” تحت شعار “تراث عالمي غير مادي وسيلة لإشعاع الثقافة الحسانية”، وتستمر من 4 إلى غاية 9 يوليو، مقدمة أنشطة تراثية وثقافية متنوعة تمثل عراقة الصحراء سواء في المغرب أو البلد الضيف هذا العام الصين، أو البلد الشريك للموسم وأحد أركانه الثابتة الإمارات.
حضور إماراتي
تشارك دولة الإمارات العربية المتحدة في الموسم من خلال جناح تشرف عليه لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية بأبوظبي، بالتعاون مع عدد من المؤسسات والجهات الرسمية المعنية بصون التراث الثقافي كالاتحاد النسائي العام وشركة الفوعة للتمور واتحاد سباقات الهجن.
شهد اليوم الأول من الموسم حضور كل من عيسى سيف المزروعي، نائب رئيس لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية بأبوظبي، وعبدالله بطي القبيسي، مدير إدارة الفعاليات والاتصال في اللجنة، ومحمد فاضل بنيعيش، رئيس مؤسسة “الموكار” المنظمة لموسم طانطان، إضافة إلى عدد من المسؤولين المغاربة وجمهور كبير من أبناء المغرب ومدينة طانطان.
وأكد عيسى سيف المزروعي، نائب رئيس لجنة إدارة المهرجانات أن “موسم طانطان يحتفي بالثقافة البدوية وفراسة أهلها من خلال صون مختلف أبعاد الحياة اليومية كوسيلة للتنمية المستدامة، وقد بات يشكل فرصة مميزة لتقديم التعابير الثقافية وفنون الأداء المتنوعة لسكان الصحراء كالموسيقى والأهازيج والأغاني الشعبية، والألعاب التراثية، والأمسيات الشعرية، ومختلف التقاليد الشفوية الأخرى، فضلا عن عروض الخيل والهجن”.
قبل افتتاح الموسم هذا العام، تم صباح الأربعاء 4 يوليو تنظيم مسابقة محالب الإبل، التي تقوم على تشجيع هذا النشاط الذي لا يتوقف عند صبغته الفلاحية والاقتصادية، بل هو طقس كامل، مرتبط بثقافة التعاطي مع الطبيعة الصحراوية ومكوناتها، التي تعد الإبل أهمها، وهي التي تغنى بها الشعراء العرب طويلا، وصاغوا منها ملاحم شعرية جعلتها رمز الصحراء المادي والروحي المعنوي ويخصّص لها في الموسم عدة فعاليات تكشف عراقة الإرث المرتبط بها.
وبعد هذه المسابقة التي تعد تحفيزية للحفاظ على إرث قديم أكثر منها تنافسية، افتتح مركّب الصناعة التقليدية والمركب التجاري، والصناعات التقليدية على تنوعها أبرز الفقرات التي يقدّمها موسم طانطان، والتي من خلالها نتأمل لمحة عن الاشتغالات اليدوية التي يبدعها أهل الصحراء، سواء في ما يتعلق بالملبس وضرورات الحياة، أو ما يتعلق بالثقافي والفني كالآلات الموسيقية وفنون الصيد والغناء والتشكيل.
وافتتحت في هذا الإطار ساحة السلم والتسامح، وفيها تتحاذى خيام الدول المشاركة بثقافاتها وإرثها الصحراوي، حيث نجد بداية في المدخل الخيام الإماراتية بما تضمه من لمحات عن فنون الصيد كالصقارة والصيد البحري وفن التغرودة التراثي وملامح من عوالم الإبل، إضافة إلى معرض للتمور التي لا تقل أهميتها الرمزية عن الإبل عندما نستحضر الصحراء وخصوصياتها.
كما نجد في الجناح الإماراتي فضاءات للضيافة والقهوة وفضاء للفنون الشعبية، حيث تقدّم الإمارات ملامح من صحرائها وفنونها وتاريخها سواء من خلال الصور التعريفية أو المواد المعروضة وغيرها.
كما تقدّم الخيام المغربية بدورها لمحات من حضارة الصحراء المغربية، أرض الحكايات والأساطير الخصبة، وفضاء يكشف شفافية الروح الصحراوية المرهفة في تعاملها مع بيئة الصحراء المفتوحة.
ونجد إضافة للجناح المغربي فضاء الصين، التي تقدّم من خلاله هذه الدولة العريقة لمحة عن صحرائها، التي تبدو مجهولة للكثيرين، بعوالمها المختلفة عن الصحراء العربية والصحراء الكبرى بشمال أفريقيا.
ورغم ما لها من اختلاف مثلا في نوع الجمال والأغاني وطريقة الزخرف والفنون التي تقدمها، إلاّ أنها تشترك مع صحراء العرب ممثلة في الإمارات، وصحراء أفريقيا التي يجسدها المغرب، فالصحراء أقصى الشرق أو أقصى الغرب، تشترك في نمط الحياة الشفيف، الذي يتحدّى المناخ، ويقدّم صورة عميقة للإنسان في تجرّده من المادة وبحثه عن الحكمة والإبداع، بل يشمل التشابه حتى في طريقة الزخرف وبعض الصناعات التقليدية.
هذا المشترك هو ما أكده معرض الذاكرة الجمالية لرحل الصحراء الذي قدّم ضمن فعاليات اليوم الأول، الذي شهد أيضا عروضا فلكلورية مثل عرض التبوريدة المغربي القائم على فنون ركوب الخيل والفروسية، ومعرض الإبل، علاوة على لمحة من الألعاب الشعبية.
كرنفال طانطان
إثر افتتاح موسم طانطان الرابع عشر بساحة السلم والتسامح، شهد شارع الحسن الثاني وسط مدينة طانطان وعلى بعد خمسة كيلومترات من مكان الافتتاح، إقامة كرنفال طانطان، والذي قُدّمت خلاله عروض الإبل والخيول، وعروض فلكلورية وموسيقية ورقصات شعبية وعرض دمى ضخمة تمثل ميثولوجيا الصحراء، وذلك على طول الشارع بحضور جمهور غفير من أهل المدينة من مختلف الشرائح العمرية، الذين تابعوا الكرنفال منذ انطلاقه من مبنى البلدية إلى آخر الشارع.
وفي لقائها مع “العرب” تقول سناء شدال، المسؤولة الفنية على الكرنفال “شاركت في الكرنفال عدد من الهيئات المغربية ممثلة في الجماعات والقطاعات المغربية التي نذكر منها الشبيبة والرياضة والتربية الوطنية والتكوين المهني والتعاون الوطني، كما شاركنا الوفد الصيني بعروض فلكلورية تقدّم لمحة عن التراث والحضارة الصينية العريقة”.
ويعتبر الكرنفال فقرة قارة في موسم طانطان، إذ ينزل بالموسم إلى المدينة ليقدّم مقتطفات من التظاهرة للجمهور حيث هم.
وتضيف شدال “كل عام نشتغل على ثيمات مختلفة، وهذا العام اشتغلنا على التراث الصحراوي بدرجة أولى كما ركزنا على انفتاح المغرب على ثقافات دولية أخرى، ننطلق من مبنى البلدية لنتوقف عند منصة الوفود الرسمية، ثم نواصل مسيرتنا طيلة الشارع كبارا وصغارا ومن مختلف المناطق والفئات، هم من يقدمون الكرنفال بالعزف أو الرقص وغيرها من مكونات الكرنفال”.
واختتم اليوم الأول بمجموعة عروض موسيقية خاصة للفرق الحسانية المغربية.
وشهد اليوم الثاني من موسم طانطان احتفاء خاصا بالإبل في ميدان الشيخ زايد للهجن، وأقيمت مسابقة جمال للإبل إضافة إلى سباق الجمال وعرض في ركوب الجمال، بالتوازي مع التبوريدة المغربية بما فيها من فنون الفروسية.
كما عرف موسم طانطان تنظيم فعاليات اجتماعية في غاية من الأهمية، تمثلت الأولى في انطلاق الدورات التدريبية في كيفية التعامل مع الأطفال ذوي الحاجات الخصوصية، وانتظمت كذلك ندوة حول شعر التبراع وهو ضرب فريد من القول الشعري المغربي تكتبه النساء تغزلا بالرجال، وأقيمت كذلك وصلات شعرية قدم فيها الشعراء قصائد تؤكد على علاقة وثيقة بين الشعر النبطي الإماراتي والحساني المغربي، ولا يتوقف الاحتفاء بالشعر الذي يتواصل يوميا إلى غاية نهاية الموسم، شأنه شأن الحفلات الموسيقية.
أما الجمعة، فيعد الاحتفاء بالشعر الإماراتي أبرز نشاطاته من خلال أمسية شعرية بحضور عدد من أهم شعراء الشعر النبطي، من بينهم سالم الراشدي نجم “شاعر المليون” في موسمه الأخير، كما يستقبل السبت أهم الوفود الرسمية بساحة السلم والتسامح وتزور الوفود مختلف الخيام الموضوعاتية، المغربية والإماراتية والصينية. وتقدّم الوفود إثر ذلك كلماتها يليها احتفاء بالرقصات الشعبية وعروض أخرى مختلفة فنية وعروض للجمال.
وخصص الأحد للتأكيد على أهمية العلاقة بين الثقافة والتراث والتنمية، من خلال استغلال الثراء الثقافي والتراثي في خلق استثمارات جديدة وتحقيق مشاريع سياحية ذات خصوصية.
ويختتم في اليوم الأخير، الاثنين، موسم طانطان بسهرة شعرية كبرى، مؤسسا بذلك لتظاهرة فريدة من نوعها، تحتفي بالإرث الصحراوي المشترك، ولا تتوقف عند أوجه الشبه بين الثقافات، بل تقف أيضا على تبين الاختلاف المطلوب تحقيقا للثراء المعرفي.