أبطال حراك الريف الذين ملأوا الدنيا وشغلوا الناس… ومحامون بالوكالة يشيدون بالأحكام «المخففة»!

Jul 06, 2018

 

لم تعد السلطة في المغرب بحاجة إلى محامين بالمعنى التقليدي، لتولي الدفاع عنها وترويج أطروحتها ومحاولة إقناع الناس بها، فقد ظهر صحافيون ونشطاء حقوقيون وسياسيون ورؤساء مراكز أبحاث ينوبون عنها في الفضائيات العربية والعالمية. ولكن خطابهم يبدو مهلهلا، وحججهم غير مقنعة، كما لو أنهم يُطلقون صيحات في واد.
على امتداد الأسبوعين الأخيرين، شوهد هؤلاء «المحامون بالوكالة» يتحدثون في برامج حوارية بعدة قنوات تلفزيونية، من بينها «الحرة» و»فرانس 24» و»بي بي سي» و»التلفزيون العربي»… ويدافعون عن الأحكام القضائية الصادرة بحق مناضلي الحراك الاجتماعي في الريف، ويبحثون عن مسوغات لها.
أكثر من 300 سنة هي مجموع الأحكام القضائية التي صدرت الأسبوع الماضي ضد المتظاهرين السلميين، ومن بينهم أطفال. غير أنها لم تعنِ أي شيء «للمحامين بالوكالة». بالعكس، إنهم يعتبرون أن إجراءات التقاضي كانت سليمة خلال جلسات المحاكمة الماراثونية التي استمرت عاما بالتمام والكمال، وأن ادعاءات تعريض المعتقلين للتعذيب في مخافر الشرطة غير صحيحة (حتى وإن كان أقر بوجودها مجلس حقوق الإنسان في تقريره السري الذي تسرب إلى الصحافة)، وأن التهم ثابتة في حق نشطاء الحراك. ومن ثم، خلص أولئك «المحامون بالوكالة» إلى أن الأحكام الصادرة في حق المعتقلين «مخففة» بناء على الأدلة ووسائل الإثبات التي قدمتها الجهات المختصة، لأن عقوبة تهمة المساس بسلامة أمن الدولة الداخلي هي الإعدام، وليس فقط عشرين سنة سجنا، مثلما ردد أحدهم في «التلفزيون العربي»، وهو ما حذا بمنشط برنامج «للخبر بقية»، الزميل وائل التميمي، إلى التعليق مستغربا بالقول: 20 سنة سجنا لناصر الزفزافي وبعض رفاقه، لمجرد أنهم طالبوا بمستشفيات ومدارس، ويأتي مَن يقول «إنها أحكام مخففة»، يا سلام على العدالة !
ومن سخرية القدر أن ذلك الوصف التبريري على الأحكام صدر عن ناشط حقوقي اسمه عدنان المرابط، الذي ردد العبارة نفسها التي نطق بها ممثل النيابة العامة (الادعاء العام).
أما طارق التلاتي الذي يُقدَّم بوصفه رئيس «المركز المغربي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية»، فرأى أن هناك مَن ينظر إلى الأمور بنظارات سوداء. وعوض أن يتحدث عن تجاوزات السلطة وأخطائها في التعامل مع الملف، وجّه سهامه لهيئة دفاع معتقلي الريف، معتبرا أنهم كانوا يخضعون لتأثيرات ومزايدات شعبوية، كما انتقد بعض الجمعيات الحقوقية والهيئات السياسية. غير أنه سقط في ما كان ينتقده شخصيا، إذ بدت تصريحاته ذات طابع سياسي، تنتصر لطرف دون آخر، وتبتعد عن شرط الحياد والموضوعية المفترض وجوده في شخص أكاديمي يرأس مركزا للأبحاث الاستراتيجية.

يساري في جبة السلطة

في قناة «الحرة»، ظهر المحامي إبراهيم الراشدي وهو يبذل جهودا مضنية من أجل تقديم مبررات لإيداع ناشطي حراك الريف السجن وإنزاع العقوبات عليهم. الرجل يفعل ذلك لكونه محامي الدولة، هذا شيء مفهوم وعادي، فمن حق المحامي أن يدافع عن الطرف الذي يوكله لذلك، ومن حقه أيضا أن يرفض الدفاع بناء على مسألة موقف أو مبدأ. لكن ما ليس مفهوما، أن يكون الدفاع عن السلطة صادرا عن محام ينتمي إلى حزب سياسي يساري، عانى مناضلوه في السابق من الاعتقالات السياسية خلال «سنوات الرصاص» في المغرب. والملاحظ أن ذلك الموقف يندرج في سياق عام اختار فيه أعضاء من الحزب المذكور التماهي مع السلطة وأسلوب تعاملها مع المطالب الحقوقية الشعبية، فمنهم من اختار الدفاع عن طريقة التعامل الأمني والسياسي مع الحركات الاجتماعية السلمية، ومنهم من سعى إلى تبرير اعتقال صحافيين وإلصاق تهم واهية بهم، ومنهم من سخر من حركة المقاطعة الشعبية لعدد من المنتجات الاستهلاكية. بيد أن الموضوعية تقتضي القول إنه ما زال في الحزب المومأ إليه شرفاء ومناضلون متشبعون بنضالات الجماهير.
وعبر إحدى نشرات التلفزيون المغربي، تحدث صحافي يعمل في صحيفة ورقية عن الأحكام الصادرة في حق نشطاء الريف، بالقول إن المتتبع «العادي» سيعتبر أن هذه الأحكام قاسية، ويربطها بالمطالب الاجتماعية التي رفعها المحتجون، لكن يجب أن نعلم أن بعض المظاهرات عرفت بعض الانزلاقات التي انتهت بأحداث كان فيها ضحايا وجرحى، وكان هناك اعتداء وإحراق مساكن القوات الأمنية العمومية، وبالتالي فالتّهم الثقيلة التي توبع بها المتهمون تبرّر هذه الأحكام.
يا سلام على زمان صار فيه الصحافي قاضيا يصدر الأحكام ويعللها !
هكذا إذن، حوّلت بعض الأصوات القنوات التلفزيونية إلى ما يشبه قاعات للمحاكم لإدانة المعتقلين مجددا، كما لو أن تلك الأحكام ليست كافية لإنزال العقوبات القاسية بهم. ومن ثم، أصبح المغاربة يعرفون أكثر مَن يُسخّرون أنفسهم لإضفاء مشروعية على سلوك السلطة ونهجها وتعاملها مع المواطنين في نضالاتهم السلمية من أجل العدالة الاجتماعية والعيش الكريم وتقاسم خيرات الوطن.

الأب الفصيح

وفي مقابل «المحامين بالوكالة» المنتشرين عبر البرامج التلفزيونية الحوارية، يحضر من حين لآخر صوت الحكمة المنبعث من عمق المعاناة والإحساس بالظلم، إنه صوت أحمد الزفزافي، والد الشاب ناصر الزفزافي الذي حكمت عليه المحكمة بعشرين سنة سجنا، بتهمة المشاركة في مؤامرة تمس بأمن الدولة.
وكلما استضافت قناة عربية أو عالمية أحمد الزفزافي، إلا وتحدث بلغة عربية فصيحة وسليمة، وبقدرة على الإقناع، قوامها تسلسل الأفكار واستحضار الوقائع وتحليل المعطيات. إنه يعود بالمشاهد إلى الشرارة الأولى التي أدت إلى اندلاع حراك الريف والمتمثلة في مقتل بائع أسماك طحنا في شاحنة أزبال، ثم يتوقف عند المطالب الاجتماعية المشروعة التي كان المتظاهرون يرفعونها. ويلاحظ أنه عوض محاسبة المسؤولين عن التقصير في مشاريع التنمية بالريف، جرى اعتقال نشطاء الحراك وإلصاق تهم ثقيلة بهم وإخضاعهم لحصص تعذيب قبل تقديمهم إلى المحاكمة. ويتساءل عن سبب عدم القيام بإنجاز تحقيق مستقل في موضوع الفيديو الذي تسرب إلى العلن والذي يظهر فيه ناصر الزفزافي شبه عار وفي حالة غير طبيعية. كما يتساءل عن سر تجاهل المحكمة لاستدعاء شهود النفي، واستماعها فقط إلى شهود الإثبات.
بيد أن صوت أحمد الزفزافي ليس وحده من وصل إلى الفضائيات العربية، فهناك أصوات أخرى أدلت بدلوها، مثلما حصل في برنامج «الرأي الحر» الذي يقدمه الزميل صالح الأزرق على قناة «الحوار» التونسية، حيث فسح المجال ـ عبر الاتصالات الهاتفية ـ لصحافيين وحقوقيين وباحثين ومواطنين عاديين للإدلاء بدلوهم في الموضوع الذي اختير له عنوان «المغرب… لماذا الأحكام القاسية؟»، وقد أجمعت المداخلات على استنكار تلك الأحكام التي يُخشى أن تعود بالبلاد إلى ما سمي بـ»سنوات الرصاص» التي تحيل إلى فترة الاعتقالات السياسية.
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه: أليس المغرب في غنى هذا الاحتقان؟

القدس العربي

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: