العدالة و التنمية يفشلون في تطويق الخلافات الداخلية
العثماني يحاول التغطية على الأزمة الداخلية لحزب العدالة والتنمية وتجنب تأثيرها على الحكومة.
غاب عبدالإله بن كيران، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية المغربي، عن مؤتمر للحوار الداخلي تمت الدعوة إليه في محاولة للمّ شتات الحزب وتطويق الخلافات بين قياداته البارزة. وقالت مصادر مغربية إن غياب بن كيران عن المؤتمر في يومه الأول أرسل إشارة واضحة إلى خصومه في الحزب بأنه يرفض تسوية الخلاف بينه وبين الأمين العام الحالي، رئيس الحكومة سعدالدين العثماني.
وكشفت المصادر أن أجواء من التوتر تسيطر على المؤتمر في ظل شعور القيادات الحاضرة بأن بن كيران أصبح يرى نفسه أكبر من العدالة والتنمية، وأن هذا الوضع سيقود إلى استمرار حالة الانقسام داخل الحزب الذي يقود الحكومة.
ويقول مقرّبون من بن كيران أن الأمين العام السابق للعدالة والتنمية والقيادات الداعمة له يعتقدون أن طريقة المشاركة في المؤتمر التي قامت على الانتقائية تهدف إلى إظهار ضعف فريق بن كيران وأن الحزب ملتفّ حول العثماني، وأن هذا ما يبرر مقاطعة جلساته.
وقال العثماني، إن الحزب يشهد حالة تعاف تنظيمية ملحوظة، “رغم بعض الإخلالات التي يجب علاجها”. وجاءت تصريحات العثماني خلال افتتاح الندوة الأولى للحوار الداخلي للحزب، السبت، بمدينة الخميسات قرب العاصمة الرباط.
وذكر أمين عام العدالة والتنمية أنه “مهما كان الخلاف داخل الحزب ومهما كانت القرارات التي اتخذها الحزب فقد اتخذها باستقلالية وهو لا يتلقى تعليمات من أحد ولا يرضخ لضغوط”.
ومن الواضح أن العثماني يحاول التغطية على الأزمة الداخلية للحزب وتجنب تأثيرها على الحكومة التي يقودها، والتي تعيش بدورها وضعا صعبا في ظل أزمة اجتماعية ومحدودية الحلول لتجاوزها، فضلا عن تواضع أداء عدد من الوزراء وتسببهم في تغذية الأزمة.
ويعتقد عمر المرابط عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية في تصريح له أن الحوار يستوجب أن يكون بصيغة الانفتاح على الجميع واحترام روح الديمقراطية وليس القيام بانتقاء أشخاص لا ندري معايير اختيارهم ولا طريقة اقتراحهم، وفي نظري هذا الحوار انطلق أعوج بإقصائه للعديد من الكفاءات.
وأضاف عضو المجلس الوطني أنه كان على الأمانة العامة للعدالة والتنمية أن تأخذ مثلا المئة الأوائل الذين انتخبوا في المجلس الوطني بينما نراها انتقت منهم من تشاء وأقصت من تشاء.
ويرى المرابط أن حزب العدالة والتنمية بعد أوج الانتصارات في عهد بن كيران دخل مرحلة الأفول السياسي والتنظيمي.
ولا يخفي قياديون أن صورة العدالة والتنمية قد تزعزعت داخل الأوساط الشعبية بسبب الخلافات على الكراسي، فضلا عن الإجراءات غير الشعبية التي اتخذتها حكومات الحزب، ولهذا يؤكد هؤلاء أنهم رفعوا شعار الإصلاح من الداخل ومواجهة التيار المشارك في الحكومة لاستعادة الحزب وتحريره من هيمنة القيادة التي لا تهتم سوى لحساباتها الخاصة.
وفي مارس 2017، عيّن العاهل المغربي الملك محمد السادس، سعدالدين العثماني (61 عاما) رئيسا للحكومة، خلفا لابن كيران (63 عاما)، بعدما تعذّر على الأخير تشكيل الحكومة.
وضمت حكومة العثماني أحزابا كان بن كيران يرفض دخولها حكومته، ويعتبرها سببا في “إفشال” تشكيل الحكومة بقيادته.
ومنذ تشكيل الحكومة يعاني الحزب من خلافات حادة بين قيادته، لا سيما مع رفض المجلس الوطني للحزب (برلمان الحزب)، في 26 نوفمبر الماضي، مقترحا لتعديل نظامه الداخلي، بما يسمح بترشح بن كيران لولاية ثالثة على رأس الحزب.
وعزا سليمان العمراني، النائب الأول لأمين عام حزب العدالة والتنمية المغربي، غياب بن كيران عن المؤتمر، إلى أن “برنامج الندوة الأولى للحوار الذي صادقت عليه الأمانة العامة للحزب (أعلى هيئة تنفيذية)، تضمن جلسة بإدارة بن كيران، لكن كان تقدير الأخير أن يعتذر عن المشاركة، لا باعتباره موقفا مبدئيا من الحوار، لكن بسبب أنه يميل إلى الصمت في هذه المرحلة وهذا تقدير منه نتفهمه ونحترمه”.
وحول التأخر في إطلاق الحوار الداخلي، أوضح العمراني أن “الحوار الداخلي هو قرار للمؤتمر الوطني الثامن (انعقد في دجنبر الماضي)، وكان ذلك باقتراح للأمانة العامة بعد تعذّر إجراء هذا الحوار قبل المؤتمر خلافا لما اعتدنا عليه منذ 2008″.
ولفت العمراني إلى أن “الأجواء الداخلية التي شهدها الحزب منذ مرحلة ‘البلوكاج’ (عرقلة) وإفشال مهمة بن كيران، لتشكيل الحكومة، اضطرتنا إلى إرجاء الحديث في القضايا الخلافية سعيا لإنجاح استحقاق المؤتمر الوطني”.
ويشير المراقبون إلى أنه لا يمكن أن تأتي الدعوة إلى حوار داخلي وعقد مؤتمر للغرض دون أن يكون هناك احتقان كبير بين جل القيادات داخل الحزب والقواعد، بعدما سيطرت فكرة أن العثماني انقلب على بن كيران وقطع عليه طريق الولاية الثالثة داخل الحزب.