أحكام حراك الريف القاسية و انعكاساتها على المغرب خارجيا و داخليا
محكمة الاستئناف بالدال لبيضاء تصدر أحكاما قاسية ستكون لها انعاكاساتها على ضوء ما ستأتي به على الاوضاع السياسية والاجتماعية ليس في منطقة الريف وحدها بل في المغرب كله.
ومثل عصر أمس الثلاثاء، قادة الحراك الـ 53 المعتقلون بسجن عكاشة في الدار البيضاء ومعهم قائد الحراك الميداني ناصر الزفزافي، أمام محكمة الجنايات بالدار البيضاء، في المرحلة الأخيرة من المحاكمة، بعد حوالي 84 جلسة كلها كانت علنية وبحضور كبار الشخصيات السياسية والإعلامية والحقوقية.
وصدر القاضي علي الطرشي رئيس الجلسة المكلف بالبث في هذا الملف، الحكم الابتدائي على المعتقلين، بعد الكلمة الأخيرة للمتهمين ، بعد أن أعلنوا خلال الجلسات الماضية الأخيرة مقاطعة المحاكمة إلى جانب دفاعهم وعدم الترافع، بالسجن 20 سنة في حق ناصر الزفزافي و نبيل أحمجيق زعيم “حراك الريف”، الى جانبه كل من سمير اغيد والبوستاتي.
وشهدت المحاكمة حضور عدد من الشخصيات لمواكبة أطوارها، ومن بينهم النائبة البرلمانية في البرلمان الأوروبي عن حزب العمل الهولندي «كيتي بيري» والبرلمانية عن ذات الحزب ووزيرة هولندا السابقة للتجارة الخارجية والتعاون الإنمائي «ليليان بلومن» وكذا رأسهم نور الدين عيوش، رجل الأعمال والإشهار القريب من دوائر السلطة، الذي كان قد دخل في مفاوضات من أجل طي هذا الملف، والأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، نبيلة منيب، وعدد من الفاعليين الحقوقيين والسياسيين، ثم الناطق الرسمي باسم منظمة هيومن رايتس ووتش.
ويتابع قادة حراك الريف بتهم «المس بسلامة الدولة الداخلية بارتكاب اعتداء الغرض منه إحداث التخريب والتقتيل والنهب في أكثر من منطقة، وجناية تدبير مؤامرة المس بالسلامة الداخلية للدولة عن طريق تسلم مبالغ مالية وهبات وفوائد أخرى مخصصة لتسيير وتمويل نشاط ودعاية، من شأنها المساس بوحدة المملكة المغربية وسيادتها وزعزعة ولاء المواطنين للدولة المغربية ولمؤسسات الشعب والمشاركة في ذلك، والمساهمة في تنظيم مظاهرات غير مصرح بها وعقد تجمعات عمومية بدون تصريح والمشاركة في تجمهر مسلح». كما يتابعون بتهم «المشاركة في ارتكاب العنف في حق رجال القوة العامة نتج عنه إراقة دم، وإهانة هيئة منظمة ورجال القوة العامة أثناء قيامهم بمهامهم والمشاركة في ذلك، والتحريض علناً ضد الوحدة الترابية للمملكة والمشاركة في ذلك، وتعطيل بشكل متعمد عبادة، والتسبب عمداً في إحداث اضطراب نجم عنه الإخلال بهدوئها ووقارها والمشاركة في العصيان المسلح والتحريض عليه».
وتنص المادة 201 من قانون العقوبات «يؤاخد بجناية المس بسلامة الدولة الداخلية، ويعاقب بالإعدام، من ارتكب اعتداء الغرض منه إثارة حرب أهلية بتسليح فريق من السكان أو دفعهم الى التسلح ضد فريق آخر و إما بإحداث التخريب والتقتيل و النهب فب دوار أو منطقة أو أكثر».
و يعاقب بالسجن من 5 الى 20 من دبّر مؤامرة لهذا الغرض إذا تبعها ارتكاب عمل أو الشروع فيه لإعداد تنفيذها أما إذا تبع تدبير المؤامرة ارتكاب عمل ولا الشروع فيه لإعداد التنفيذ، فإن العقوبة تكون بالحبس من ست الى خمس سنوات ويعاقب بالحبس من ستة شهور الى ثلاث سنوات من دعا الى تدبير مؤامرة و لم تقبل دعوته.
المعتقلون كتبوا كلمات مؤثرة
وترك المعتقلون، مساء أول أمس كلمات مؤثرة جداً لعائلاتهم تمهيداً لهم لتقبل كلمة هيئة الحكم، كيفما كانت وامتزجت بكلماتهم بالمواساة والتشبث والإيمان بقضية «الحراك» التي خرجوا من أجلها منذ مقتل محسن فكري سماك الحسيمة، خط المعتقلون كلماتهم الأخيرة برسائل لأهاليهم.
وقال ناصر الزفزافي قائد حراك الريف لعائلته: «إذا سمعتم الأحكام لا يبكي أحد فقط زغردن لأننا رغم كل شيء ..فقد انتصرنا …». ورد والده أحمد الزفزافي «أريدهم أن يطلقوا سراح إبني قبل أن أموت».
وكتب نبيل أحمجيق، الملقب بـ»دينامو الحراك» والمعتقل في سجن عكاشة بالدار البيضاء، لعائلته «حتى لو حكم علي بالإعدام سأذهب إليه وأنا مبتسم، فأنا أمارس قناعاتي ومؤمن بها إلى آخر رمق»، وهي الكلمة التي ردت عليها والدته الملقبة بـ»خالتي عالية» بالقول: «أنا فخورة بابني ومؤمنة بأن الله سينصرنا لأننا أصحاب حق رغم كل هذه المعاناة».
وقال ربيع الأبلق، المعتقل في سجن عكاشة على خلفية ذات الملف، وآخر المعتقلين المتشبثين بالإضراب عن الطعام رغم تردي أوضاعه الصحية: «لا يهم ما سيقع لنا.. فنحن خرجنا ووقفنا في وجه الفساد من أجل أن يحيى الجميع بكرامة، وما هذه إلا تضحية بسيطة في حق الوطن»، وهو ما ردت عليه والدته «خالتي مليكة» بتوجيه رسالة لمن سجن ابنها بالقول: «إبني هناك في السجن لم يتذوق شيئا وأنا هنا في حزن، كم أريد إبني معي».
الحبيب الحنودي، سائق الحافلة الذي اعتقل من عمله ليلتحق بنشطاء الحراك المعتقلين على خلفية هذا الملف، قال في آخر كلمة له «الوطن ليس راية ولا شعاراً فقط، إنه تضحية واستماتة في الدفاع عن الحق وعنه مهما كلفنا ذلك»، فيما ردت عليه زوجته هدى السكاكي التي كتبت رسالة مؤثرة عن حزن بناتها يوم العيد في غياب الأب «فخورة بزوجي ومعه كيفما كانت الظروف وكيفما كانت الأحكام».
حراك الريف في البرلمان الهولندي
وما زال «حراك الريف» نقطة خلاف بين المغرب وهولندا، حيث يستعد البرلمان الهولندي لمناقشة قضية معتقلي الحراك، في جلسة خلال الأسبوع الجاري. ودعا البرلمان الهولندي، وزير خارجية بلاده، للحضور في جلسة يوم الخميس المقبل، لتقديم خلاصاته حول نقاش قضية حراك الريف والمعتقلين على خلفيته، مع المسؤولين المغاربة، خلال آخر زيارة له، قبل شهر.
وفجر «حراك الريف» الخلاف بين المغرب وهولندا، خلال زيارة لوزير خارجية البلد الأوروبي للمغرب، أجرى فيها محادثات مع مسؤولين مغاربة حيث وجّه ستيف بلوك، وزير الخارجية الهولندي انتقادات للمسؤولين المغاربة، حول طريقة تعاطي المغرب مع «حراك الريف»، بعدما جر جل قياداته إلى المحاكم، رد المغرب بقوة على الموقف الهولندي، رافضا سماع «دروس» في خلاف داخلي.
ورد ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي خلال لقائه مع نظيره الهولندي بالرباط، وقال «علاقاتنا لها عناصر اتفاق وعناصر اختلاف، وحول الريف لم نتفق».
وأوضح في ذات الندوة ذاتها الموقف المغربي في قضية الريف، وقال إن «موقف المغرب في الريف واضح، هذه قضية داخلية لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تكون موضوع نقاش خارجي». وقال بوريطة إن المغرب يعالج هذه القضية في ظل قوانينه، مضيفا أن الدولة تتمتع بمؤسسات ضامنة للحق في التظاهر في ظل القانون، وضامنة كذلك لمتابعة أي انتهاكات للقانون، مؤكداً أمام نظيره الهولندي أن قضية الريف «قضية مغربية مغربية والمغرب لن يقبل إعطاءه دروسا في هذا الموضوع».
ونظمت عائلات معتقلي الريف عدة جولات أوروبية من بينها البرلمان الهولندي، للتعريف بقضية المعتقلين على خلفية الحراك، وحشد دعم دولي في اتجاه الضغط على المغرب من أجل إطلاق سراح كافة المعتقلين في هذا الملف.