الكناوة موسيقى من تراث المغرب تدغدغ مشاعر العالم
مهرجان “كناوة وموسيقى العالم” استطاع أن يمزج موسيقى العالم بالكناوية وتقديمها لجمهور عريض، مغربي وأجنبيّ، من قبل فنانين مغاربة يعملون مع آخرين أجانب لتحقيق موسيقى عالمية.
تكتسب موسيقى الكناوة سنة بعد أخرى شهرة واسعة النطاق على المستوى العالمي، والفضل في ذلك يعود لمشاركة الفرق المغربية المختصة بهذا الفن الموسيقي المبهر في مهرجانات ومناسبات دولية. ويؤدي مهرجان “كناوة وموسيقى العالم”، الذي يقام في مدينة الصويرة بالجنوب المغربي، دورا كبيراً في تعريف العالم بهذه الموسيقى.
انطلق مهرجان “كناوة وموسيقى العالم” الخميس في مدينة الصويرة المغربية ليسلط الضوء ثلاثة أيام على تراث كناوة العالمي، ويرفع الجيل الجديد من المعلمين هذا العام لواء الكناوة على منصة المهرجان التي اكتست صيتا عالميا خلال دوراته العشرين السابقة.
موسيقى كناوة وأغانيها تعتبر تراثا فريدا في العالم تحكي معاناة “العبد” أثناء رحلته من بلده. ويرجع بعض الباحثين كلمة “كناوي” إلى كلمة “قناوي” أو “قن” أي عبد؛ لأنها ظهرت أول الأمر بين العبيد وحملت أنينهم وحكاياتهم العجيبة، في حين يؤكد الباحث المغربي محمد الكوخي أن الكلمة لها علاقة بمصطلح “اكناو” الأمازيغي، ويقصد به الشخص الأبكم أو الشخص الذي يتحدث بكلام غير مفهوم.
وتشكّل آلة الكنبري الأساس لعزفها والتي تعبّر موسيقاها عن هجرة الأفارقة قسرا من بلدانهم، وإجبارهم على أعمال السخرة، اين أفنوا اجسادهم وأعمارهم من اجل ثراء الأوروبيين.
وافتتحت الدورة الحالية بحفل لفرقة “سناركي بابي” الأميركية التي تأسّست عام 2004 وتقدّم أنماطا مختلفة من الجاز والفانك والغوسبل، ويشاركها الحفل المعلم حميد القصري الذي يؤدي أغاني مثل “الوالي مولاي حمد”، و”الله دايم”، و”لالة عيشة”، و”الحومر”، و”آش هاد الزمان”.
وحضرت مدرسة كناوة الدار البيضاء في اليوم الأول بحفل لكلّ من المعلم إسماعيل رحيل وإبراهيم حمام وخالد سانسي، إلى جانب مشاركة المعلم كاديري حسن وعمر حياة، كما يكّرم عدد من معلمي الكناوة في مدينة الصويرة.
وتقول مؤسسة هذه التظاهرة الموسيقية الكبرى “على مدى الدورات العشرين الماضية، شهدنا العديد من كبار المعلمين وهم يرحلون عن عالمنا حاملين معهم جزءا من هذا التراث الشفاهي. إن إتاحة الفرصة أمام الشباب وفسح المجال أمامهم أفضل طريقة لتأمين استمرارية هذا التقليد”.
وبفضل الشباب تتألق الشعلة الكناوية في غمار الدورة الحالية لمهرجان كناوة في دورته الحادية والعشرين. وشددت نائلة التازي قائلة “أردنا تركيز برمجة الدورة الـ21 على الشباب، لأن هذه التظاهرة هي قبل كل شيء مشروع ثقافي يهدف إلى تثمين تقليد شفاهي عريق، أفريقي مغربي. إنه تقليد يتوارث أبا عن جد”.
ويقام حفل الجمعة لفرق “غانغا تمنارت” و“حمادشة الصويرة” و“أحواش حاحة” و“فاتوماتا دياوارا” والثلاثي هولاند وحسين وبوتر، والمعلم عبدالسلام عليكان، والمعلم عبدالقادر أومليل والمعلم معدولا، ومن مدرسة مراكش يشارك مولاي الطيب الذهبي وطارق آيت حميتي وهيشام مرشان.
وتؤدي المعلمة أسماء الحمزاوي التي تصدح بصوت المرأة في عالم ظل مقتصرا على الرجال زمنا طويلا، عرضا مشتركا مع المالية فاتوماتا دياوارا، التي تألقت عام 2014 بمشاركتها في فيلم “تومبوكتو” الحاصل على سبع جوائز سيزار. وهو صوت تجاوز الحدود ليلهم العالم بأسره منددا بأوضاع اللاجئين وتجارة الرق وممارسات الجماعات المتشددة.
وتختتم عروض المهرجان بحفل تتشارك فيه فرق “عيساوة الصويرة” و“أفريقيا كماوة أكسبريونس” و“أفريقيا يونايتد” و“بينين انترناشونال موزيكال”، والمعلم مختار غانيا والمعلم حسن بوسو، وديفيد أوبالي وعمر البرقاوي.
وبالنسبة لمؤسسة المهرجان “كناوة وموسيقى العالم” قصة جميلة تشكلت عبر مسار طويل من البناء وتوطيد المكتسبات، برمجة وتنظيما وقدرة على التجدد من أجل تشكيل قاعدة جماهيرية وفية للموعد واجتذاب رواد جدد من شريحة الشباب أساسا.
وتقول السيدة التازي إن المهرجان استطاع “أن يمزج موسيقى العالم بالكناوية وتقديمها لجمهور عريض، مغربي وأجنبيّ، من قبل فنانين مغاربة يعملون مع آخرين أجانب لتحقيق موسيقى عالمية”. وتضيف “حضور جمهور حاشد يبرهن على نجاح المهرجان في تجديد نفسه على مستوى البرمجة كما على صعيد الرسائل التي يبعثها، رسائل الانفتاح الثقافي والتلاقح المجتمعي وتساوي فرص الولوج للثقافة والتفاهم بين الشعوب والثقافات”.
أبع من الجانب الثقافي، لا يغيب عن ذهن مؤسسة المهرجان، وهي سيدة أعمال، البعد الاقتصادي للمهرجان بالنسبة لمدينة الصويرة، فالهدف هو ضرب عصفورين بحجر واحد؛ النهوض بالتراث الثقافي مع إنعاش اقتصاد وتنمية مدينة بكاملها.
وإضافة إلى الجانب الاقتصادي، فإن تأثير التغطية الإعلامية كبير ومهم، وفي هذا الصدد أعربت السيدة التازي عن ارتياحها لكون “مهرجان الصويرة يحظى بمواكبة إعلامية قوية، على الصعيدين الوطني والدولي”، ما يساهم في الترويج للمغرب كوجهة سياحية وثقافية.
ولا تقتصر مؤسسة المهرجان على التحرك داخل حدود المملكة من أجل تكريس ثقافة وتقاليد عريقة، بل يشكل مسعى إدراج الثقافة الكناوية على قائمة التراث العالمي الشفهي وغير المادي للبشرية.
ولفتت السيدة التازي بهذا الخصوص إلى أن طلب إدراج الثقافة الكناوية على قائمة اليونسكو قُدم في عهد وزير الثقافة الأسبق بنسالم حميش، مشيرة إلى أن هناك اليوم التزاما من وزير الثقافة الحالي محمد الأعرج بأن الملف قد قُدم لدى اليونسكو التي ستبت فيه في عام 2019.
وسجلت السيدة التازي أن البعض كان يعتقد في البداية أن مجرد وجود هذا المهرجان سيتيح حماية هذا التقليد الشفهي، لكن أيام المهرجان الأربعة غير كافية، وبالتالي فإن إدراج هذا التقليد الشفهي على تراث اليونسكو هو أفضل وسيلة لحمايته.
ولا تدخر السيدة التازي، وهي أيضا رئيسة اللجنة الخاصة لاتحاد الصناعات الثقافية والإبداعية، توجهها كسيدة أعمال في سبيل تشجيع العمل الثقافي بشكل شامل، موضحة أن “عمل الاتحاد يتمثل في السعي إلى تخصيص مكانة أكبر أهمية للثقافة في النموذج التنموي المغربي. فالثقافة حولنا في كل مكان في المغرب؛ في تقاليدنا، وممارساتنا، ومكتباتنا، وهندستنا المعمارية ومهرجاناتنا وأطباقنا… فالثقافة هي التي تجعل منا كائنات أفضل، وهي سر تفردنا وجمالنا”.