استمرار محاكمة معتقلي حراك الريف المغربي في غياب المعتقلين وعائلاتهم وصمت المحامين
Juin 21 ,2018
بذل محامي الدولة المغربية في ملف حراك الريف، في جلسة الثلاثاء، جهداً في تقديم صورة إيجابية عن تدبير الدولة للحراك الذي اندلع نهاية 2016، وما زال ملفه مفتوحا من خلال محاكمة قادة الحراك المستمرة منذ أكثر من عام والذين غابوا عن الجلسة احتجاجا على عدم عدالة سير المحاكمة.
وقدم المحامي عبد الكبير طبيح، محامي الدولة مرافعته في محكمة الاستئناف في الدار البيضاء، مساء الثلاثاء، أثناء جلسة غاب عنها المعتقلون وعائلاتهم، وصمت خلالها المحامون وقال «إن الدولة تصالحت مع مواطنيها بفضل مناضليها الشرفاء حيث استطاع المغاربة قراءة الصفحات المظلمة وطيها بدستور 2011، وهي الدولة التي أنوب عنها اليوم». وتساءل «هل رجال الأمن قاموا بواجبهم في إطار الشرعية والمشروعية …؟»، وأجاب على نفسه أن رجال الأمن اشتغلوا في قلب القانون والدستور ولم يطبقوا القانون حينما أحجموا عن استعمال العنف وهذا ما يسمّى في الفقه القانوني والدستوري الاعتمادي (الحكامة الأمنية) وليست المقاربة الأمنية التي اعتمدتها الدولة في 1965 و1981 «زمن الجمر والرصاص».
وأضاف «الدولة ليست لها أية خصومة مع المعتقلين لكن هؤلاء المتابعين لهم خصومة مع القانون، وأن هذه المحاكمة الأولى في تاريخ استقلال النيابة العامة وترجمة للتحول الجديد في تنزيل الآليات الدستورية حيث كانت النيابة العامة في الماضي تحضر وسائل الإثبات التي هيّئتها مسبقاً ولكن في هذا الملف المعتقلون هم من صنعوا وسائل الإثبات التي تدينهم»، وتحدث عن «أحد المتهمين قال أنه صحافي وأنه كان يصور فوق سطح ناصر الزفزافي لكن فيديو لزميله الذي كان واقفا خلفه يبين أنه كان يرشق بالحجارة».
وشهدت الجلسة مقاطعة معتقلي الحراك لأطوار الجلسة، وأمر القاضي على الطرشي، عناصر القوات العمومية بإحضارهم بالقوة إلى قاعة الجلسة، الشيء الذي تعذر تنفيذه، مما سيترتب عنه إرسال كاتب الضبط إلى المعتقلين لتلاوة محضر الجلسة، حسب ما يسمح به القانون.
وقارن محامي الدولة ضد معتقلي «حراك الريف»، بين التدخل الذي قام به رجال الأمن قصد إيقاف ناصر الزفزافي، قائد حراك الريف، وبين التدخلات التي كانت تقوم بها السلطة أيام سنوات الجمر والرصاص، معتبراً أنها «حكامة أمنية وليست مقاربة أمنية» وشرح الفارق بين ما كان يقع آنذاك وما وقع أثناء تدخل القوات الأمنية في فترة الاحتجاجات التي عرفتها الحسيمة «في 342 مظاهرة، تدخل الأمن من أجل إيقاف ثلاث مظاهرات. فكيف يقال أن الأمن يمنع الاحتجاج؟ كيف يمكن أن يقال أنه كان هنالك منع للسلمية؟».
وأضاف طبيح: «في سنة 1981 ارتفعت الأسعار بنسبة 50 في المائة، فخرجت الاحتجاجات، نزل الجيش بالرصاص الحي، هذه هي المقاربة الأمنية، لكن أثناء اعتقال ناصر الزفزافي، عندما اصطدم الأمن بالمتظاهرين تراجعوا ولم يصطدموا بالمتظاهرين، وهذه هي الحكامة الأمنية». واعتبر طبيح أن الاحتجاج موجود في الحسيمة وفي الدار البيضاء وفي الرباط وغيرها من المدن، وأن الوضع الاجتماعي يعيشه المواطن ويعيشه كذلك رجل الأمن والدركي ورجال القوات المساعدة فـ«بأي حق تعتدي علي؟»، اذ «ليس هنالك امتياز لرجال الأمن والدرك والقوات المساعدة. هم من الطبقة الشعبية وربما يعيشون معاناة أكثر ورجال الأمن يطبقون القانون وليس مهمتهم مناقشته وتغييره، هذا مطروح على السياسي والمسؤول والبرلماني، والقانون يمنع التظاهر بدون ترخيص، وعناصر الأمن لم تتدخل يوم أحداث الجمعة، فقد أعطيت لهم أوامر بإيقاف ناصر الزفزافي، الشيء الذي لم يستطيعوا أن يقومو به عندما اصطدموا بالمتظاهرين فتراجعوا».
وأمر القاضي علي الطرشي، عناصر القوات العمومية بإحضار معتقلي «حراك الريف» بالقوة إلى قاعة المحكمة، بعد مقاطعتهم الجلسة واكتفائهم بالمكوث في قبو المحكمة إذ بعد وصول المعتقلين إلى المحكمة، قرر ناصر الزفزافي ورفاقه المكوث في قبو المحكمة، منفذين قرارهم بمقاطعة جلسات المحكمة، الشيء الذي رفضه القاضي ليقرر إحضارهم بالقوة، قبل انطلاق الجلسة.
وحضر جلسة المحكمة محامو المعتقلين، الذين يلتزمون الصمت داخل القاعة بطلب من المعتقلين، ومحامو الطرف المدني وأحمد رضا بنشمسي مدير التواصل والمرافعة في قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في «هيومن رايتس ووتش»، وحقوقيون ومتتبعون.
وقرر القاضي علي الطرشي طرد حميد المهداوي، مدير موقع «بديل» المتوقف عن الصدور، بعد أن انتفض مطالباً بإصدار مذكرة بحث دولية في حق البوعزاتي «الذي أتابع على خلفية مكالمة معه؟»، ليوقفه القاضي علي الطرشي طالبا منه التزام الهدوء واحترام المحكمة، فعقب المهداوي «أنا احترم المحكمة»، مضيفا «أنا متأكد أن ابراهيم البوعزاتي ماشي هو نور الدين»، وبعد الأخذ والرد قرر القاضي رفع الجلسة للاستراحة، بعد أن رفض المهداوي مغادرة القاعة.
ويتابع المهداوي بتهمة «عدم التبليغ عن جريمة المس بسلامة الدولة»، بسبب مكالمة جمعته مع المدعو إبراهيم البوعزاتي، والذي قال فيها للمهداوي «أنه موّل حراك الريف بــ160 مليون سنتيم (150 ألف أورو)، ومباشرته برفقة أثرياء ريفيين في أوروبا صفقة لاقتناء أسلحة ودبابات من روسيا، لإدخالها عبر سبتة إلى المغرب».
وتم تسريب لتسجيل صوتي، لجلسة سابقة من محاكمة الصحافي، حميد المهداوي وصاح فيه في وجه هيئة الحكم «وخا تحكمونا بـ 20 سنة ديال الحبس، (حتى لو ححكمتم علينا 20 سنة سجن) المهم أننا فضحنا أعداء الوطن». وأضاف «أنا صحافي، وراسي مرفوع، وما مشري ما مبيوع، وكلمة الحق سأقولها، ولن يستطيع أحد التحكم في، رغم العذاب الذي أعانيه، منذ سنة من اعتقالي» وأن ما يحدث له يتم خارج القانون.
وأكد الصحافي المهداوي، أن معتقلي حراك الريف، الذين يحاكمون بسبب تنظيمهم ومشاركتهم في احتجاجات سلمية، من خيرة الشباب المغربي، الذين ناضلوا لفضح الفساد، بكل شجاعة وجرأة، تعكس حبهم الخالص لوطنهم. ورفع معتقلو حراك الريف شعار «إنا حلفنا القسَم، أن لا نخون بلادنا»، بعدما أعلنوا لهيئة الحكم، مقاطعتهم لجسات محاكمتهم، ومطالبتهم لهيئة دفاعهم، بالتوقف عن المرافعة لأجلهم، والتزام الصمت.
وأثارت تصريحات برلمانية تتهم ادارة السجون بتعذيب والإساءة لناشطي الحراك المعتقلين ردود فعل عنيفة. ونفت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج أن يكون التعذيب لا يزال مستمراً في السجون، مؤكدة أنها ملتزمة كامل الالتزام بمواصلة العمل من أجل تنفيذ استراتيجيتها في تأهيل المؤسسات السجنية وأنسنة ظروف الاعتقال بها والحفاظ على أمنها وسلامة نزلائها.
وأكد بلاغ للمندوبية رداً على ادعاءات وردت على لسان أحد النواب البرلمانيين المنتمين إلى حزب من الأحزاب المشكلة للغالبية الحكومية، (البرلماني محمد بنجلول من حزب العدالة والتنمية) أن «التعذيب مازال مستمراً في السجون»، في إشارة إلى ظروف اعتقال السجينين «ن.ز» (ناصر الزفزافي قائد حراك الريف) و»ت.ب» (توفيق بوعشرين الصحافي مدير صحيفة أخبار اليوم)، وأن هذه الادعاءات «الصادرة عن جهة من المفروض فيها أن تتحلى بالمسؤولية والنزاهة في ما تدلي به من تصريحات، هي ادعاءات لا أساس لها من الصحة، وفاقدة للمصداقية وغير مسؤولة».
وأضافت المندوبية أن هذه الادعاءات توجه اتهامات بالغة الخطورة إلى قطاع إدارة السجون «بهدف المس بسمعته والتشويش على العمل الجبار الذي يقوم به من أجل أنسنة ظروف اعتقال النزلاء وتأهيلهم لإعادة الإدماج»، وأن الجهة التي أثارت الموضوع «تبخس عملها كمؤسسات تضطلع بمهامها من أجل حماية الحقوق المضمونة قانونا لنزلاء المؤسسات السجنية، بل أظهرت أنها مدفوعة فقط بانشغالات سياسوية ضيقة جعلتها تركز على حالتين فريدتين، غير عابئة بباقي النزلاء».