المهن الهامشية في المغرب قناع هش للهروب من البطالة
شغل فرد واحد يقوم به اثنان وأكثر، والبطالة باتت مقنعة بظاهرة الموظفين الأشباح، الذين يقبضون رواتب من الدولة، ولكن لا تأثير لهم في الإنتاج.
يمكن لكل من يراقب أوضاع العمل في الوطن العربي أن يلاحظ الأمثلة الكثيرة عن انتشار البطالة المقنعة وخاصة في المغرب، من ذلك أن نجد سبعة عمال في شاحنة لنقل عدة عبوات من مواد صباغة أو ثلاثة سائقين لـ”شوفل” صغير (حامل أتربة) لتسوية التراب في شارع لمشروع إسكاني.
زكرياء منصور (40 سنة) يقول إنه وسي محمد يتناوبان على دفع العربة، لتجميع أكبر عدد من عبوات الزيت أو الماء البلاستيكية الفارغة طوال النهار. وهما يتعاونان على دفع العربة في الأزقة بالأحياء المكتظّة، أحدهما متخصّص في النداء بلازمة متكررة “إن كان أحد لديه عبوات فارغة للبيع” والآخر يدفع العربة، وبعد أن يجمعا أكبر قدر ممكن من العبوات يقصدان معملاً صغيراً في آخر النهار ليبيعا ما جمعاه من العلب لإعادة تدويرها.
يقول سي محمد (35 سنة) إن العمل شحيح المردود عادة، عكس أيام الأعياد والمواسم السياحية إذ يزداد الدخل بفضل زيادة ارتياد المطاعم ومحلات صنع الحلوى، لكنه يؤكد أن الدخل كاف له ولعمه زكرياء للإنفاق على عائلتيهما، ومعدل مردودهما اليومي يتراوح بين 80 و90 درهماً (الدولار يساوي 9.3 درهم).
يعمل بهاء إيكن (34 سنة) مع أسرته المتكونة من زوجة وولدين وبنتين في دكان صغير لبيع الخضروات بحي النهضة في الرباط. يقول إنه كل فجر يذهب إلى سوق الخضروات لجلب البضاعة المناسبة لمحلهم، بينما تبقى زوجته والأولاد في الدكان لاستقبال الزبائن، وتنشغل الفتاتان بمساعدة أمهما في البيت لإعداد وجبة الغداء، كما يساعدانها في عملية البيع، وكذلك يفعل الولدان، حميد وسالم (10 و15 سنة)، حتى يحين موعد ذهابهما إلى المدرسة، في حين انقطعت ياسمين وحكيمة (16 و17 سنة) عن التعليم. وعن مدخول العائلة اليومي من الدكان، يقول إيكن “120 درهما، وهو صافي ربحهم، وفي أيام محددة من الأسبوع كيوم الجمعة يزيد مردودهم المالي على ذلك قليلا”.
ويضيف “بإمكاني أن أنجز العمل بمعية زوجتي فقط، ولكن نتعمد اصطحاب الأبناء كي يبقوا على مرأى منّا، وأيضا ليتعلموا فنون شغلنا”.
ويشترك هاشم لعزيز (30 سنة) ومصطفى خمولي (60 سنة) في إدارة مشروع متنقل لبيع الملابس المستعملة. يمتلك خمولي سيارة جعل من حوضها الخلفي مخزنا لبضاعتهما، وتصحبهما بشكل دائم منضدة متنقلة يعرضان عليها بضاعتهما قرب المساجد في أوقات الصلاة، فهما لا يغيبان عن بوابة مسجد حي البريد كل يوم.
يقول خمولي “السيارة التي تراها هي ملكي، وشاركت برأس مال نصف البضاعة، والنصف الآخر لزوج ابنتي لعزيز الذي يرافقني، ونحن على باب الله. وما يرزقنا الله به من أرباح نسدد منه ثمن وقود السيارة، ومصاريف عائلتينا. كان لعزيز يعمل وحده بلا سيارة، ولكنه كان يعاني من مضايقات رجال الأمن الذين يمنعونه من الانتصاب الفوضوي على الرصيف، لذلك اقترحت عليه أن نعمل معاً، أنا بسيارتي وجهودي ونصف رأس المال، وهو ببضاعته وخبرته، وحالما يتم منعنا من مكان ننتقل إلى مكان آخر”.
ويضيف “البضاعة التي نجلبها من شمال المغرب أغلبها ماركات مستعملة قليلاً، وبعضها الآخر جديد لكن موديله صار قديماً. نشتري البضاعة بأثمان زهيدة، لذلك نحقق ربحاً معقولاً. ويمكن لأحدنا القيام بهذا العمل، ولكننا مضطران إلى التعاون لبذل جهد أقل ولنتسلى معاً. مرات نفرح بهبوط ثروة صغيرة مفاجئة علينا، مما نعثر عليه من عملات أجنبية في جيوب الملابس المستعملة”.
وقال لعزيز حين سألناه عن ربحهما اليومي “الحمد لله، في الأيام العادية يمكن أن نحقق ربحا صافيا مقداره مئة درهم”.
مصطفى شكير (25 سنة) ويونس لمكشط (27 سنة)، عاملا نظافة وقتيان، يقومان بالتنظيف في منطقة التقدم، وهما لا يفترقان لكونهما يستعملان عربة تنظيف واحدة. أحدهما يمضي وقته وهو يكنس، والآخر يتحدث معه ليسليه أثناء العمل، وبعد برهة يتبادلان الأدوار؛ الأول يتحول من محدث إلى كناس والآخر يدفع عربة الزبالة ويتحدث، حتى ينتهي دوام عملهما.
يقول شكير إنه كان يواجه صعوبات في العمل لأنَّه وحده، حتى جاء من يسليه ويساعده. وأضاف أن نقص عربات الزبالة أدى إلى تخصيص عربة واحدة لكل عاملين. يقول محمد المنصوري (باحث اجتماعي) عن البطالة المقنَّعة في أغلب البلدان العربية “البطالة المقنعة في الوطن العربي، هي مظهر من المظاهر المضافة لانتشار البطالة، وهي طريقة يحتال بها الأفراد أو الحكومات -في بعض الأحيان- لمعالجة مشكلة البطالة، التي يرزح تحت وطأتها شباب في سن العمل، وبأعداد مرتفعة في العديد من المجتمعات العربية، والتي تتزايد نسبها كل عام حسب تقرير للتنمية البشرية في الأمم المتحدة، وكل ذلك يعود إلى نمط التعليم المتخلف عندنا”.
ويستطرد المنصوري “قبل أشهر نشر موقع البنك الدولي نسبا مخيفة عن البطالة في العالم، وتصدر الوطن العربي هذه الأرقام بنسبة 49 بالمئة من القوة العاملة التي حددها الموقع في أعمار الشباب بين 15 و35 سنة. وفي دول شمال أفريقيا سجلت نسبة البطالة 47 بالمئة في ليبيا، تلتها مصر 40 بالمئة، وبلغت في المغرب 10.5 بالمئة في الربع الأول من العام الحالي”.
ويضيف محمد “بلغ عدد العاطلين في المغرب بداية 2018 مليوناً و272 ألفاً، بحسب آخر منشور للمندوبية السامية للتخطيط بالمغرب (جهة حكومية). تضاف إليها نسبة البطالة المقنَّعة وهي كما اعتقد بعدد العاطلين أو أكثر، ولا توجد حسابات دقيقة لمعرفة حجمها في المغرب، لأنها متخفية أيضاً بظاهرة الموظفين الأشباح، الذين يقبضون رواتب من الدولة، ولكن لا تأثير لهم في الإنتاج، لذلك تمت تسميتهم بالأشباح.
وتتمثل أيضا في المشاركة الأسرية لإدارة مشروع تجاري يمكن أن يديره فرد واحد أو فردان، أو إدارة وظيفة عمومية يتم تكليف أكثر من موظف بإنجازها، ويتم فرضهم إما بالواسطة وإما بدعوى الظروف الموسمية، ولا تستطيع الإدارة -ولأسباب شتى- تسريح الفائض منهم”.