الاتحاد الأوروبي في مواجهة زلزال الهجرة
باتت قاعدة اليمين في أوروبا تتسع مع الوقت، ما يرى فيه الكثيرون بوادر تفكك داخل الاتحاد الأوروبي بسبب بعض القضايا الخلافية، كما هو الحال بالنسبة للهجرة أو السياسات الاقتصادية الوطنية.
دخل الاتحاد الأوروبي في أخطر أزمة مرتبطة بملف الهجرة من شأنها تهديد تماسكه الذي بات اليوم يقف على الحافة، إلى الحد الذي شبه فيه البعض هذه الأزمة بأحداث 11 شتنبر 2001 في الولايات المتحدة الأميركية التي كانت انعطافة في السياسة الخارجية لواشنطن، إذ لأول مرة وصل الخلاف حول طريقة التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين الذين يتدفقون على السواحل الأوروبية مستوى أدى إلى صراع محاور داخل الاتحاد.
تفجرت الأزمة مع رفض الحكومة الإيطالية الجديدة المعادية للمؤسسات الأوروبية استقبال سفينة الإنقاذ “أكواريوس” التابعة لمنظمة “إس.أو.إس المتوسط”، التي كان على متنها 629 مهاجرا غير شرعي، ما جعل السفينة ترسو لمدة يومين في عرض السواحل الإيطالية إلى أن سمحت لها الحكومة الإسبانية بدخول ميناء مدينة فالنسيا.
وأثار موقف روما أزمة دبلوماسية مع باريس، بعد أن وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التصرف الإيطالي بغير المسؤول، حيث استدعت إيطاليا السفير الفرنسي لديها محتجة على تصريحات ماكرون، بينما ألغى وزير الاقتصاد الإيطالي لقاء كان مبرمجا مع نظيره الفرنسي في باريس.
ويبدو أن أزمة الهجرة ليست سوى واحدة من عوامل التشقق التي باتت تهدد الاتحاد بعد أن نجح بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة، التي لديها مواقف مناهضة للهجرة ورؤية مغايرة لسير عمل المؤسسات التابعة للاتحاد، في الوصول إلى الحكم. فقد جاءت الأزمة الأخيرة عشية تسلم جوزيبي كونتي مهامه كرئيس للحكومة الجديدة بعدما رشحته حركة خمسة نجوم المناهضة للمؤسسات وحزب الرابطة من اليمين المتطرف، ليكون رئيس أول حكومة ائتلاف يمينية متشددة في البلاد.
ويعتبر كونتي من أشد المعادين للسياسة الأوروبية المشتركة في موضوع الهجرة، وكان قد هدد سابقا بطرد حوالي 500 ألف مهاجر سري من إيطاليا، وهو يرى أن تدبير ملف الهجرة على صعيد كل بلد في الاتحاد يندرج ضمن سيادته الوطنية، ويرفض من ثمة أي تنسيق مشترك مع أعضاء الاتحاد.
وباتت قاعدة اليمين في أوروبا تتسع مع الوقت، ما يرى فيه الكثيرون بوادر تفكك داخل الاتحاد الأوروبي بسبب بعض القضايا الخلافية، كما هو الحال بالنسبة للهجرة أو السياسات الاقتصادية الوطنية. ففي ظل وجود أحزاب يمينية متطرفة في الائتلاف الحكومي في كل من النمسا وسلوفينيا وبلجيكا، وأخيرا حكومة من حزبين متطرفين في إيطاليا، بات مصير الاتحاد الأوروبي معلقا على طبيعة العلاقات التي ستختار هذه الحكومات نسجها مع المؤسسات الأوروبية مستقبلا. وتعارض هذه الحكومات، إضافة إلى المجر والتشيك وبولندا، برنامجا للاتحاد الأوروبي يهدف إلى إعادة توزيع 160 ألف لاجئ من سوريا وإريتريا إلى دول أوروبية أخرى لتخفيف الضغط عن اليونان وإيطاليا.
وقد تسببت معالجة الهجرة غير الشرعية في حدوث انقسام بين شرق أوروبا وغربها، حيث ترفض الأولى تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين أعضاء الاتحاد حول اللجوء واستقبال المهاجرين ومسألة الحصص (الكوطا) وترى أنها مجحفة في حقها.
وبرز ميل لدى معسكر الرافضين إلى تكوين تحالف بعيدا عن هياكل الاتحاد، عبر عنه مستشار النمسا، سيباستيان كورتس، حين دعا إلى إنشاء تحالف أوروبي ضد الهجرة غير الشرعية يتكون من النمسا وألمانيا وإيطاليا والدانمرك، وهو تحالف يمكن أن يتوسع لكي يشمل بولونيا والمجر وجمهورية التشيك وسلوفاكيا.
وإذا كانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تنأى بنفسها حتى الآن عن إبداء موقفها، فإن وزير الداخلية الألماني أعلن صراحة رغبة بلاده في طرد جميع المهاجرين السريين المسجلين في بلدان أوروبية أخرى، فيما طالب رئيس الوزراء الدانمركي بإنشاء مراكز لطرد المهاجرين في ألمانيا وكوسوفو.
أما رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، الذي أعيد انتخابه للمرة الثالثة على التوالي، فقد وجه انتقادا حادا إلى بلدان غرب أوروبا عندما قال “إذا كنتم في غرب أوروبا تريدون استقبال المهاجرين، تفضلوا. لا مانع لدينا لكن في بيتنا نحن من سوف يقرر من سيزورنا ومن لا يأتي إلينا”.