غضب عارم في المغرب على «خذلان الأشقاء» وعلى خيبة «مونديالية» خامسة!
Jun 16, 2018
نزلت الخيبة على المغاربة الآملين في احتضان المغرب لكأس العالم 2026 بحجم ثقل خيبتين، الأولى أن يكون رقم الفشل خمسة، والثانية أن تكون لـ»ذوي القربى» في نزع الحلم يد.
وبعناوين كبرى عن «الخيبة» و»خيانة الأشقاء» تصدر الحدث الصحف المغربية، ولا حديث يعلو عن يوم الحسم الذي أبعد فيه أمل المغرب إلى أجل آخر… و بين من كان يتوقع النتيجة ويأمل ربما أن يحدث غير «المتوقع»، ومن كان منتظرها ويرى في الترشح مغامرة بلا زاد ولا عتاد، امتلأ الفضاء الأزرق بتعليقات صب فيها المغاربة غضبهم على الدول العربية وعلى السعودية خاصة، موجهين لها أصابع الاتهام في إحباط حلم تنظيم المونديال، ولم يستثنوا خيارات الساسة المغاربة من موجة الغضب.
وإلى جانب محتوى الملفين المتنافسين، فالسياسة لم تغب في تحليل الغاضبين للاصطفافات خلال التصويت، و شوش الحدث على خريطة «الأصدقاء» و»الخصوم» الرسمية، فظهر أن للسياسة حلفاء وللكرة لعب آخر لا تحكمه «أواصر الصداقة» ولا يربطه «حبل الود غير الممدود» مع من معهم خلاف، فصوتت الجزائر للمغرب واختارت السعودية ملف «العم سام» ومن معه. هكذا طفت صباح الأربعاء صباح «صدمة» خبر تصويت السعودية إلى جانب ست دول عربية ضد المغرب، وركزت الانتقادات على «الخذلان» السعودي إلى جانب الإمارات والبحرين والكويت والأردن ولبنان والعراق، وهي كلها دول منحت صوتها للملف المشترك للولايات المتحدة والمكسيك وكندا، الملف الذي حاز 134 صوتا مقابل 65 صوتا فقط للمغرب. وإلى جانب هذه الدول العربية، اختارت عشر دول إفريقية كذلك أن تمنح صوتها للملف الأمريكي، وأبرزها بنين وبوتسوانا والرأس الأخضر وغينيا وليبيريا وموزمبيق ونامبيا وجنوب إفريقيا وسيراليون وزيمباوي، في حين صوتت الجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا ومصر واليمن وعمان والسودان وقطر وفلسطين وسوريا، للمغرب إلى جانب العديد من الدول الأخرى بالقارة السمراء.
إيران التي قطع المغرب حديثا علاقاته الديبلوماسية معها، امتنع الاتحاد الإيراني عن التصويت لأي ملف لاعتبارات سياسية تتميز بقطع العلاقات الديبلوماسية مع المغرب ومع أمريكا معا.
جارة المغرب الراسية على الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط، إسبانيا، اختارت موقف الحياد، وعزت عدم التصويت إلى كون الاتحاد الإسباني منشغلا بإقالة مدرب المنتخب، ما جعل الرئيس يتغيب ويوفد ممثلا عنه صعب عليه الاختيار بين الملفين. أما روسيا التي احتضنت مؤتمر الجمعية العمومية للفيفا بالعاصمة موسكو، الذي شارك فيه 203 اتحادات، فتفاجأ المغاربة بتصويتها للملف الأمريكي ضد الملف المغربي.
عموما وعكس المتوقع لم يحظ المغرب بدعم كبير من أوروبا، رغم رهانه على القرب الجغرافي لها وعامل التوقيت، رغم الاتصالات المكثفة مع رؤساء الاتحادات الأوروبية، حيث لم تصوت أكثر من عشر دول أوروبية للمغرب وهي: فرنسا وبلجيكا وهولندا وصربيا وسلوفاكيا وألبانيا وبيلاروسيا وإستونيا ولوكسمبورغ ومونتينغرو، واختارت غالبية الاتحادات التصويت للملف الأمريكي.
ومن روسيا عبر سفير المغرب، عبدالقادر لشهب، عن استيائه وتذمره من نتائج التصويت قبل أن يؤكد في تصريحات صحافية أن المغرب يمتاز بالروح الرياضية ويهنئ الفريق الفائز، ولم يخف ما أسماه «خذلان الأشقاء» قائلا: «الأشقاء خذلونا» في إشارة للأصوات العربية التي ذهبت للملف الأمريكي، معلنا أن المغرب على استعداد للترشح مرة أخرى للفوز بتنظيم النسخة ما بعد 2026، وأن المغرب منفتح على دول الجوار لتنظيم مشترك قائلا: «مرحبا بدول الجوار كي ننظم نسخة مشتركة لنهائيات كأس العالم».
السعودية ليست السبب!
ورغم الاسيتاء الكبير الذي ساد لدى المغاربة جراء تصويت دول عربية ضد المغرب، وخاصة الدور الذي قامت به السعودية في هذا الباب، فإن النشطاء على العالم الأزرق ومنهم سياسيون وفاعلون مدنيون وإعلاميون لم يتوانوا في توجيه سهام النقد للمغرب، واختلفت دواعيه باختلاف الانتماءات والزوايا، وهكذا انبرى جزء يعيب على المغرب ضعف ملفه في المنافسة وغياب بنيات تحتية ملائمة لاستقبال تظاهرة دولية من هذا الحجم، كعدد الملاعب وجاهزيتها والطرق ووسائل النقل العمومية والمطارات، إلى غير ذلك، وهو ما سبق وسجله تقرير لجنة الملفين «تاسك فورس»، حيث أشار لضعف كبير في الملف المغربي على مستوى البنيات التحتية، وجاء فيه «من أصل 14 ملعبا قدمه المسؤولون عن الملف المغربي، هناك تسع منشآت رياضية تحتاج إلى عملية بناء كاملة، بينما الملاعب الخمسة المتبقية التي زارها الخبراء، بحاجة إلى إعادة بناء أو تأهيل شامل لأبرز مرافقها» في حين أن الملف الثلاثي جاهز بنسبة تفوق 90٪.
وحسب هذا الرأي فمربط الفرس يوجد في ضعف الملف المغربي ولا يقع على الدول العربية التي اختارت دعم الملف الأمريكي، هكذا يرى من وقفوا على فراغات الملف، ومنهم الإعلامي عبدالله الترابي الذي كتب: «يجب ألا نضخم دور الدول العربية في خسارة التنظيم، سبع دول عربية لم تصوت لنا، يمكن أن نتحسر على ذلك عاطفيا، لكنه لم يساهم في ترجيح غلبة الملف الأمريكي»، مضيفا: «فرق كبير بين ملف يقول للاتحادات التي ستصوت أن كل شيء متوفر من بنيات تحتية و ملاعب ونقل تلفزي وشبكة مواصلات حديثة، وملف آخر جزء كبير منه مبني على النوايا الحسنة والانتماء لإفريقيا».
المونديال كنز أم خرافة كنز؟
تتراوح التكلفة الإجمالية التي من المفترض أن يتحملها المغرب ليكون ملفه جاهزا، ما بين 50 و60 مليار درهم كحد أدنى، ومغامرة الترشح رغم إكراهات البنيات التحتية والتكلفة المالية، هناك من يراها مغامرة ذات جدوى بإمكانها أن تضع البلاد أمام تحدي توفير ما يتطلبه الحدث من متطلبات، وهو ما سيكون بمثابة حافز لخلق ديناميكية تسهم في بدء تحدي التنمية ليكون المغرب في مستوى استضافة كأس العالم. هذه الحجج التي بنى عليه الخطاب الرسمي دفاعه عن استضافة المغرب مونديال 2026، انهالت بعد الخسارة، عكسه العديد من التدوينات والتحليلات التي انتقدت الخطاب واعتبرته للاستهلاك الداخلي، وبأنه لم تواكبه حملة قوية ذات جودة كان يمكن أن تجر موقف العديد من البلدان القوية إلى صالح المغرب، خاصة منها التي لا يشكل لها الضغط الأمريكي مبررا لعدم التصويت لصالحه.
وهناك من ذهب إلى طرح التساؤل حول اذا كان تنظيم كأس العالم من أولويات البلاد وتتحمله خزينة الدولة من الأساس، فشبه حسن بناجح، القيادي بجماعة العدل والإحسان، وهي أكبر جماعة إسلامية معارضة بالمغرب، سعي المغرب إلى تنظيم التظاهرة الرياضية العالمية بـ»خرافة سرغينة»، وهي المنطقة الواقعة وسط المغرب التي هب سكانها مطلع هذا الأسبوع يلبون نداء شخص أوحى لهم بوجود كنز في سفح جبل سينقذ المغرب من الفقر، قائلا: «وماذا تساوي خرافة كنز سرغينة أمام خرافة المونديال التي كان واضحا منذ البداية أن حتى مسوقيها لا يصدقونها، ومع ذلك كان الإصرار على هدر الأموال الطائلة من أجل وهم لا تتوافر فيه ذرة من عناصر الحقيقية ولا تحترم فيه أبسط شروط الشفافية في التصرف في أموال الشعب»، ويضيف بناجح أن «الخرافة العظمى أن تلك المشاريع المسطرة في الملف ستتبدد كما تبددت سابقاتها في الترشيحات الأربعة الماضية طوال 25 سنة». وبين كل التحليلات يبقى لمنطق الربح والخسارة، حضور وازن إلى جانب كل الأسباب التي يمكن أن تفسر عدم فوز المغرب، فالملف الأمريكي يغري بأن تصل الأرباح 11 مليار دولار، في حين لم تتعد أرباح المغرب المدرجة في ملفه خمسة مليارات دولار وهو ما كان يكرره بشكل دائم رئيس الفيفا، جاني إنفانتينو، أن «الملف الأمريكي مغر»… تعددت الأسباب والكل يقول في المغرب الخيبة خامسة.