المغرب: معتقلو حراك الريف يعلنون مقاطعة جلسات محاكمتهم المستمرة منذ أكثر من عام
Jun 14, 2018
وجاء في بلاغ لهيئة دفاع معتقلي «حراك الريف» أن المعتقلين أبلغوا قرارهم إلى المحكمة من خلال مذكرة كتابية أعلنوا فيها «مقاطعة المحاكمة في ما تبقى منها من جلسات» وان قرار المقاطعة جاء «تعبيراً منهم عن احتجاجهم عن مسارها وما شابها من إخلالات أفرغتها من قيم المحاكمة العادلة، والتي وقف الدفاع عنها وسجلها في حينه».
وتلى ناصر الزفزافي قائد حرك الريف في القاعة 7، في محكمة الاستئناف في الدار البيضاء، أمام القاضي علي الطرشي وهيئة الحكم، رسالة المعتقلين التي استحضر فيها أطوار الجلسات والقرارات التي اتخذتها المحكمة، ابتداء من قرار الابقاء على المعتقلين في القفص الزجاجي، وانتهاء باستجواب الشهود.
وقال: «لقد كانت انتظاراتنا في البداية من هذه المحاكمة أن تكون عادلة ومنصفة، وذلك عبر التزام المحكمة بالحيادية، وانحيازها فقط إلى جانب الحق والحقيقة وعدم السماح لأي جهة كانت أن تجعلها أداة لتصفية حساباتها ضد طرف آخر، مهما كان شأن هذه الجهة أو نفوذها».
وأضاف : «كان أملنا أن تبرهن هذه المحاكمة عن مدى مصداقية الشعارات الرسمية التي ترفعها الدولة في مجال القضاء، وتثبت فعلاً أن الإصلاحات التي عرفها هذا الجهاز في السنوات الأخيرة ليست مجرد إصلاحات شكلية، وأنه تم القطع فعلاً مع العهد القديم حيث القضاء الموجه والمسخر، وألا تكون هذه المحاكمة نسخة مكررة من التجارب السابقة السيئة الذكر في المحاكمات السياسية التي عرفتها بلادنا».
المحكمة منحازة لطرف الادعاء
وقال قائد حراك الريف: «لم يكن أملنا يصل إلى حد الانتظار من هذه المحكمة أن تعلن بكل الجرأة المطلوبة مباشرة بعد إطلاعها على الملفات، عن وجود خلفية سياسية تحكمت في ملف دعاوي الاعتقالات في ما يتعلق بقضيتنا، وما يستتبعه ذلك من إعلان عن بطلان أساس الدعاوي، والحكم بإخلاء سبيل المعتقلين، ولقد كان أملنا على الأقل أن تعتبرنا المحكمة كطرف مكافئ للطرف المدعي، وبذلك تفتح لنا صدرها وتستمع إلى تظلماتنا ذات الصلة بالخروقات والانتهاكات التي شابت مسطرة الاعتقال والحراسة النظرية والتحقيق، وتأخذها مأخذ الجد، وتفتح تحقيقا استعجاليا في شأنها. كذلك أن تسمح لنا بتقديم كل ما لدينا من أدلة نعتبرها تثبت برائتنا، وتثبت بطلان دعاوي الاعتقالات وذلك انطلاقا من كون المحكمة هي بمثابة الحكم المحايد الذي من المفروض أن يتعامل مع الأطراف على حد سواء من دون ميل أو انحياز الى طرف على حساب طرف آخر مهما كان شأنه».
وأضاف: «على أساس هذه الانتظارات تعاطينا مبدئيا بحسن النية مع هيئة المحكمة وبشكل جدي ومسؤول مع جلساتها منذ البداية، إلا أنه ومع الأسف الشديد أخذ أملنا في هذه الانتظارات يخبو مع توالي الجلسات في ظل المنحى الذي سارت فيه المحاكمة وانحيازها السافر لصالح طرف الادعاء وميلها المسبق نحو الإدانة حتى قبل أن تنظر في ما لدينا من أدلة. وهذا الأمر لا يعدو مجرد انطباع منا، ولكن قناعة تشكل لدى كل المتتبعين لأطوار هذه المحاكمة».
وأكد الزفزافي في الرسالة أنه «رغم اعتراض دفاعنا، فلقد دشنت المحكمة افتتاح جلساتها بقرارها على محاكمتنا من داخل القفص الزجاجي غير الشفاف، بما يتناسب مع رغبة النيابة العامة في إظهارنا لدى الرأي العام كمجرمين خطيرين، رغم كونه يهدم قرينة البراءة التي تعد أساس المحاكمة العادلة ويجعل المحكمة متناقضة حتى مضمون قرارها، ورغم ذلك تغاضينا عن هذا الأمر واعتبرنا أن إصدار حكم الى هذه المحاكمة سابق لأوانه، ولا يمكن أن يتم بناء على هذا القرار، ولكن للأسف الشديد ستكرس المحكمة هذا الانحياز من خلال النهج الذي ستسير عليه لاحقا، بدءاً باللامبالاة التي قوبلت بها تظلماتنا المذكورة سلفاً ولا سيما منها التعذيب وتزوير المحاضر وكذلك الأوضاع المزرية التي نعيشها داخل السجن حيث كان من المفروض على المحكمة أن تبث فيها في الحين قبل الانتقال إلى مناقشة أي مضامين».
وأكمل ناصر الزفزافي ورفاقه، عاما في زنزانة سجن عكاشة، ودخل في إضراب عن الطعام، منذ بداية شهر رمضان، انخرطت فيه عائلته كذلك، وانضم إليه معتقلون آخرون من شباب الحراك، احتجاجا على ما يعتبرونه سوءاً في المعاملة من طرف إدارة سجن عكاشة، وهو الإضراب، الذي أوقفه الزفزافي، مطلع الأسبوع الجاري، بعدما قالت عائلته إن مسؤولين كباراً زاروه في السجن وتوصلوا معه لتسوية حول موضوع إضرابه.
النيابة العامة سيدة المحكمة
وذكر أمثلة على الدفوعات قائلاً: «وانسجاما مع هذا النهج ستقوم المحكمة برفض مجمل الدفوعات الشكلية والطلبات الأولية التي تقدم بها دفاعنا والتي من ضمنها ما يعد أساسيا في إثبات برائتنا مثل رفض طلب استدعاء مجموعة من الشهود الذين يعدون من المحوريين في القضية ورفض طلب السماح بعرض الأدلة ووسائل الاثبات المقترحة من قبل دفاعنا، والتي من شأنها أن تثبت براءتنا والاكتفاء بما هو متضمن في ملف الادعاء من أدلة، وتالياً غياب تكافؤ الأسلحة والفرص التي لطالما تغنت بها النيابة العامة ورفض طلب السماح بإجراء خبرة طبية للمعتقل جمال بوحدو، للنظر في حالته النفسية وإصرارها على متابعته كشخص سليم، انسجاما مع رغبة النيابة العامة، رغم أن هذه الخبرة وحدها هي المخولة لها إثبات ذلك».
وقال الزفزافي في الرسالة التي وقّع عليها معتقلو الحراك «استمراراً في نفس النهج غير المحايد ستعرف مختلف أطوار الجلسات، استئثار النيابة العامة بالكلمة وتفرض نفسها سيدة المحكمة، وتفرض جميع قراراتها، على حساب أعضاء دفاعنا الذين كانت جل ملتمساتهم محل الرفض كما يرغب طرف الادعاء، وغالبا ما تقاطع مداخلاتهم من طرف المحكمة، بينما تسمح لممثل الحق العام بأخذ راحته في الكلمة بل حتى أنها تتغاضى عن هفواته التي تصدر عنه من قبيل وصف المعتقلين كونهم يحملون جينات التمرد ووصفهم بالمجرمين».
واعتبر أن المحكمة «لم تستطع إخفاء انحيازها إلى طرف الادعاء وحكمها المسبق تجاه معتقلي حراك الريف على خلفية أن كل من يبدي اعتزازه برموز الريف وتاريخه وخصوصياته يعد انفصالياً ويشكّك في وطنيته، وعلى هذا الاساس كانت تحاكم المعتقلين، فحمل أعلام الريف أو صور الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، او الأعلام الامازيغية أو أحد من رموز المقاومة الوطنية… كلها تعتبر شبهة يسائل عليها المتهم بمجرد إظهار إعجاب بها».
واسترسل «كما ان المحكمة لم تستطع أن تخفي تعاونها مع النيابة العامة وذلك بتعاملها بانتقائية وتصرف في عرض وسائل الاثبات المتضمنة بالملف بشكل يسمح بتأويلها حسب رغبة النيابة العامة في اثبات الإدانة، ومن ضمن ذلك الإصرار على عرض أدلة مستفزة باستمرار لا علاقة لها بوقائع الحراك الريفي من قبيل الشريط الذي يظهر منزلاً يقيم فيه رجال الامن وهو يحترق، ومن قبيل إقحام المكالمة الهاتفية من مجهول مع الصحافي حميد المهداوي كدليل إثبات في الملف».
ووصف الزفزافي المحكمة بأنها تعاملت بسياسة «الكيل بمكيالين مع شهود الطرفين الذين تقرر استدعاؤهم، وانحيازها بشكل لا غبار عليه الى الطرف المدعي، حيث لم تسمح لهيئة دفاعنا باستجواب شهود الادعاء إلا في حدود ما سمحت به النيابة العامة، ودفاع الطرف المدني اللذان قاما بالاعتراض على أهم الأسئلة التي من شأنها كشف تناقضات هؤلاء الشهود، وإظهارهم على حقيقتهم باعتبارهم شهود زور، ثم استخدامهم لتكوين التهم غير الموجودة في الأصل، في حين كان العكس تماما أثناء استجواب شهود المدعى عليهم». وأكد في نهاية كلامه انه «رغم كل ما سجلناه كان موقفنا أن لا نقاطع هذه المحاكمة قبل مثولنا جميعا أمام المحكمة حتى لا يقال عنا أننا خائفين من مواجهة أسئلتها وادعاءات النيابة العامة وما لديها من أدلة وشهود. لذلك واصلنا حضور الجلسات الى غاية امتثال جميع المعتقلين واستجواب جميع الشهود حيث أبلى كل المعتقلين بلاء حسناً وواجهوا بكل جرأة ادعاءات النيابة العامة، وكشفوا عن زيفها باقتناع كل المتتبعين لملف القضية الذين قطعوا الشك باليقين، أنه إذا كانت هناك مؤامرة فهي مؤامرة تحاك ضد هؤلاء المعتقلين بسبب مواقفهم المناهضة للفساد ولسياسات الإقصاء والتهميش».
واختتم المعتقلون رسالتهم «وأخيراً وبعد أن أدينا واجبنا في إبراز الحقيقة لم نجد جدوى من مواصلة ما تبقى من أطوار الجلسات، ولم نجد بداً من اتخاذ قرار المقاطعة، تعبيراً عن احتجاجنا على مسار هذه المحاكمة التي نزعت عن نفسها صفة العدالة والحيادية. هذا مع التأكيد على برائتنا ومطلب الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين. وختاما ندعو هيئة دفاعنا إلى التزام الصمت وعدم الترافع انسجاما مع الخطوة التي اتخذناها، هذا ونحن نحييكم عالياً على ما تجشمتموه من عناء، وما بذلتموه من مجهودات في سبيل الدفاع عنا مؤكدين تشبثنا بكم كموكلينا في هذه القضية».
والتقى المحامون مع قادة الحراك، وعلى رأسهم الزفزافي، المجاوي، جلول، اجمجيق، أصريحي، الحنودي، اليخلوفي، والحمديوي…، لمدة 45 دقيقة تقريبا، داخل مكان مخصص للتخابر في محكمة الاستئناف في الدار البيضاء، اعلنوا داخل جلسة المحاكمة عن تشبتهم بالدفاع عن معتقلي الحراك، ولكن سيلتزمون الصمت طيلة مجريات الجلسات القادمة وعبر المعتقلون عن شكرهم لهيئة الدفاع عن مساندتها لهم واستماتتها في الدفاع عن قضيتهم.
وأوضحت هيئة دفاع معتقلي حراك الريف في بلاغ لها الاستمرار في مؤازرة جميع المتهمين، ومواصلة الحضور لباقي أطوار المحاكمة في صمت وقالت أنه «فور انطلاق أطوار الجلسة وقف المعتقلون داخل قفصهم الزجاجي، وأعلنوا، بمقتضى مذكرة كتابية معللة، عن قرار مقاطعة المحاكمة في ما تبقى منها من جلسات، وأن قرار المعتقلين هذا تعبير عن احتجاجهم عن مسار المحاكمة وما شابها من إخلالات أفرغتها من قيم المحاكمة العادلة، والتي وقف الدفاع عنها وسجلها في حينه، متشبثين ببراءتهم، ومطالبين بالإفراج الفوري عنهم، وموجهين في الوقت نفسه النداء إلى هيئة دفاعهم من أجل عدم المرافعة، ومشيدين بتفانيهم في الدفاع عنهم، وفي ما بذلوه من مجهودات جبارة».
وأضافت هيئة الدفاع في بلاغها «إننا كهيئة دفاع معتقلي حراك الريف الذين يحاكمون بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، وبعد أن اطلعنا على مذكرة مؤازرينا وملتمساتهم وتخابرنا المباشر معهم بمقر المحكمة، نعلن بأننا سجلنا أمام هيئة القضائية الاستمرار في مؤازرة جميع المتهمين، ومواصلتنا الحضور لباقي أطوار المحاكمة في صمت، هذا وسنبلغ الرأي العام بمستجدات هذه المحاكمة».
ويُتابع في ملف «معتقلي حراك الريف» 49 متهماً في حالة اعتقال منذ أكثر من سنة، وشهدت أطوار محاكمتهم جلسات طويلة ناهزت 80 جلسة. وقرر القاضي علي الطرشي عقب ذلك رفع الجلسة الى يوم الثلاثاء المقبل، الموافق لـ19 يونيو، وإعطاء الكلمة لدفاع الطرف المدني للانطلاق في المرافعات.
وما زال ناصر الزفزافي، قائد حراك الريف في السجن الانفرادي، وهو ما اعتبرته منظمات دولية مهتمة بحقوق الإنسان منافياً للمواثيق الدولية. ووجّه عمر بلافريج، النائب البرلماني عن فدرالية اليسار الديمقراطي، أول أمس الثلاثاء، سؤالاً لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني قال له فيه إنه «رغم أن قانون السجون يمنع الوضع في زنزانة انفرادية خارج أي أمر قضائي، فإنه للأسف تستمر إدارة سجن عكاشة بالدار البيضاء في وضع المعتقلين السياسيين على خلفية حراك الريف ناصر الزفزافي وحميد المهداوي في زنزانة انفرادية وتخضعهما للعزل الانفرادي، بما في ذلك حتى في فسحة الاستراحة».
وأضاف أن «هذا الإجراء فوق أنه غير قانوني فهو يتناقض مع المواثيق الدولية، ويعتبر شكلاً من أشكال الانتقام والعقاب غير المبرر في حق هذين المعتقلين».
هيومن رايتس تستنكر احتجاز الزفزافي
وأعلنت منظمة «هيومن رايس ووتش»، حملتها الجديدة من أجل ناصر الزفزافي، معتبرة أن إمضاءه لسنة كاملة في السجن الانفرادي إجراء مناف لمعايير الاعتقال، التي سطرتها منظمة الأمم المتحدة، مطالبة الدولة المغربية بوقف هذه المعاملة في حقه.
وقال أحمد بنشمسي، مدير التواصل والمرافعة لمنطقة الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا للمنظمة، إن «ناصر الزفزافي، الذي يحاكم بسبب قيادته لحراك الريف في المغرب، يغلق عليه في زنزانة الانفرادية لمدة 23 ساعة في اليوم منذ سنة، هذه معاملة قاسية، ولاإنسانية».