مقاطعة المغاربة واحتجاجات الأردن… شرارة الموجة الثانية للربيع العربي
Jun 13, 2018
ربما ساهمت حملة المقاطعة الاقتصادية التي أطلقها المغاربة في إلهام الشعب الأردني للخروج في احتجاجات، لم تشهد لها المملكة الهاشمية مثيلا من قبل، إذ تطورت دعوة النقابات إلى إضراب عام ردا على السياسة الاقتصادية التي لم تراع القدرة الشرائية للمواطنين، بفضل تعبئة نشطاء شبكات التواصل الاجتماعي بشكل شبيه بالموجة الأولى لانتفاضات الربيع العربي، إلى احتجاج سلمي مستمر، رغم إلغاء القرار وإقالة الحكومة. بل إن الدولة الأردنية عمدت إلى إرسال ولي العهد إلى مكان الاعتصام الشعبي لاحتواء غضب الشارع، لكن استمر الاحتجاج تحت شعار «نريد تغيير المنهج وليس الشخصيات»، وهي بذلك أول مواجهة مباشرة للملك عبد الله الثاني مع الشعب الأردني.
هذه التطورات المتسارعة، تأتي في سياق حصار سياسي واقتصادي غير معلن، من طرف الحلفاء التقليديين، السعودية، الإمارات، أمريكا، الكيان الصهيوني، ردا على موقف الأردن المعارض لصفقة القرن، التي يرى أنها تهدد أمنه القومي، بحيث أن هذه الصفقة تسقط حق العودة عن الفلسطينيين، الذين يشكلون ما يقارب نصف عدد السكان، كما أن حق العودة يعد أبرز بنود اتفاقية السلام التي تجمع الأردن بالكيان الصهيوني. اضف لذلك تنصيص الصفقة المشؤومة على الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان، وبذلك يتم نزع الوصاية الأردنية عن المقدسات الإسلامية والمسيحية، والذي يشكل مسا في الشرعية التاريخية التي تقوم عليها الملكية الهاشمية.
ولا شك أن الشعب الأردني خرج يطالب بحقوقه المشروعة، بإرادة واستقلالية عن أي توجيه أو دافع خارجي، لكن هذا لا يعني أنه ليس هناك دور خارجي ساهم بشكل غير مباشر في الاحتجاجات، عبر دفع الأردن إلى انهيار اقتصادي، بوقف المساعدات الدولية التي تشكل جزءا كبيرا من موازنته السنوية. وهنا يمكن فهم سبب إلغاء ولي العهد السعودي، لـ250 مليون دولار من المساعدات التي وعدت بها الأردن، وتخفيض الرئيس الأمريكي للمساعدات الموجهة للأردن، ردا على عدم رضوخه لتهديد ترامب، بقطع المساعدات عن الدول التي صوتت لصالح مشروع قرار أممي مناهض لقرار الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني.
سينقلب السحر على الساحر، فأي تغير عميق سيفرزه حراك الأردن، سينعكس تلقائيا على الدول الخليجية خصوصا، بالطريقة نفسها التي انتقلت فيها شرارة الموجة الأولى للربيع العربي، من تونس، لكن هذه المرة يصعب على الإمارات الخليجية النجاة من الانتفاضات الشعبية، لأن القرارات التي اتخذتها السعودية لتمهيد انتقال السلطة لابن سلمان، ساهمت في تشكيل تحالف موضوعي بين الأمراء المعارضين له، وبين الطائفة الشيعية التي تشكل أزيد من 40 في المئة من عدد السكان، أضف إلى ذلك رجال الصحوة الذين ألقي بجزء منهم في السجون، الأمر الذي يجعل الوضع الداخلي قابلا للانفجار في أي لحظة.
ودولة الإمارات، يصعب أن تكون بعيدة عن ارتدادات موجة الربيع الثانية، فالصراع بين أبناء خليفة بن زايد رئيس الدولة، وبين محمد بن زايد وإخوته، الذين أبعدوا هذا الأخير عن الحكم، وكذا حالة الاستياء القبلي التي يعيشها أبناء قبائل إمارات، عجمان والشارقة ورأس الخيمة بسبب سيطرة إمارتي دبي وأبو ظبي على زمام الأمور، من دون أن ننسى جماعة الإخوان المسلمين أكبر قوة سياسية في الإمارات، التي ستنتهز الفرصة للانتقام من كل القمع والمنع اللذين تعرضت له.
إن التاريخ السياسي للأردن يعكس مدى قدرة النظام الأردني على تجاوز الأزمات، نظرا للعلاقة الوثيقة التي تجمع بين الملكية والقادة العشائر، لذلك فإن أبعد ما قد يمكن أن يصل له حراك الأردن هو فرض تعديل دستوري يعزز من صلاحيات البرلمان والحكومة، على حساب الملكية، بيد أن أي انتفاضة شعبية في السعودية والإمارات أساسا، سينتج عنها مآلات يكون أخفها تغير الأمراء بآخرين، وأقصاها إسقاط آل سعود وآل نهيان من عروشهم، لأن الصراع العائلي حول السلطة سيؤجج أي تحرك شعبي.
ويبقى من البديهي اندلاع انتفاضات شعبية في مصر والبحرين، متأثرة بالوضع الإقليمي، خاصة أن انشغال الإمارات والسعودية بشؤونهما الداخلية، سيضع السيسي، وجها لوجه مع الأزمات الاقتصادية التي يسايرها بفضل الدعم المالي الكبير من لدنها، وذلك سيضعف موقفه في مواجهة خصومه، بينما ملك البحرين، سيفقد الحماية التي كان يوفرها له جيرانه ضد الأغلبية الشيعية، فقوات درع الجزيرة الخليجي التي أخمدت احتجاجات الربيع العربي التي قادها الشيعة، في البحرين، سيكون مشغولا بإخماد انتفاضات السعودية الإمارتية.
وفي المقابل، ربما سيكون تأثر الكويت وسلطنة عمان وقطر، أقل من غيرهم، وما يؤشر على ذلك هو، من جهة، غياب صراع حول الحكم وسط الأسر الحاكمة، ومن جهة أخرى، وجود التراكم الدستوري والتعددية الحزبية وتجارب محترمة للمجتمع المدني، ورخاء اقتصادي، بالكويت وعمان، يجعل سقف أي حراك شعبي محددا، في الإصلاح الدستوري والاقتصادي، بينما قطر فإن الالتفاف القبلي، حول أمير قطر، بعد الحصار، يقلص إمكانية اندلاع حراك شعبي ذي مطالب سياسية.
ويبقى المغرب كما الدوام متأثرا برياح الشرق، إذ يمكن للمناخ العام الذي أفرزته حملة المقاطعة، خاصة مع التطورات التي شهدتها أخيرا بفعل الدفاع الأعمى للحكومة على مصالح الشركات المعنية، دون تقديم إشارة ولو بسيطة تفيد بالاستجابة للمطالب الشعبية بخفض الأسعار، المتمثلة أساسا، في استقالة لحسن الداودي من منصبه الحكومي، ورفع شعارات مطالبة برحيل عزيز أخنوش، خلال حفل تدشين ملكي في مدينة طنجة، أن يسهل نشوب حراك شعبي يعصف بالحكومة، ولا ربما انتخابات مبكرة، أو تعديل دستوري جديد، أو قد يدفع البلد إلى المجهول، وذلك وفقا لقوة الحراك.
لقد مرت أوروبا بثلاث موجات للديمقراطية من قرن 19 إلى سبعينيات القرن 20، ساهمت أحداث مفصلية في التحول من مرحلة لمرحلة. وأرى أن صفقة القرن، ستشكل مفصلا جديدا، في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وستفرز ارتدادات شعبية، كموجة ثانية للربيع الديمقراطي، ليس انتصارا للقضية الفلسطينية فقط، بل لأن الصراع المحتدم لفرضها، واستعمال الضغط الاقتصادي للإرضاخ، مع وجود احتقان شعبي، والاستياء الناتج عن سرقة الثورات، سيؤدي إلى انفجار قد يغير وجه المنطقة عكس ما تريده واشنطن والكيان الصهيوني.