رائحة إرهاب في مملكة الدنمارك
هل يمكن أن يجني الدنماركيون من المسجد الكبير الذي مولت بناءه دولة قطر غير التصور الإخواني للإسلام؟
مملكة الدنمارك بدأت تستشعر الخطر الذي يهدد مجتمعها وينذر بتصدع مؤسساتها نتيجة سوء التقدير المتمثل في كيفية تعاملها سابقا مع الجماعات الإسلامية على أراضيها، ذلك أن هذا المجتمع المعروف بانفتاحه وثقافته المتسامحة، لم يكن يدرك أساليب الجماعات الإسلامية في استغلال الحريات الفردية والعامة بقصد الانقضاض عليها، وهو ما تؤكده الوقائع التي وصلت حد التهديد بإقصاء مواطنين من محلات سكنهم وأماكن نشاطهم بدعوى أنهم لا يمتثلون إلى الشريعة التي يريد الإسلاميون تطبيقها، مما جعل جماعات وشخصيات مدنية وسياسية تنهض ضدهم ذودا عن مكاسب الدولة قبل أن فوات الأوان.
هل بدأ الدنماركيون يستيقظون من غفلتهم أمام الخطر الأصولي الذي يهدد بلدهم؟ لقد صادق البرلمان الدنماركي في نهاية شهر مايو الماضي على قانون يمنع ارتداء البرقع والنقاب في الفضاء العمومي. وابتداء من أول أغسطس القادم ستغرم كل من تخالف القانون بغرامة قدرها 134 يورو، وتضاعف عدة مرات في حالة عدم الامتثال المتكرر، ولكن كيف استطاع الإسلاميون التغلغل في مملكة الدنمارك؟
في سنة 2012 بدأ بعض المتطرفين المسلمين يتحدثون عن مشروع غريب صدم الرأي العام الدنماركي، هو تحويل بعض أحياء مدينة كوبنهاغن إلى مناطق تطبق فيها الشريعة وتلغى فيها قوانين المملكة الدنماركية. هي جماعة متطرفة تسمي نفسها باللغة المحلية “كالدت تيل إسلام” وتعني “الدعوة إلى الإسلام”. كما عبرت الجماعة عن رغبتها في تكوين شرطة إسلامية تكون تحت تسمية ” شرطة الفضيلة” تهتم بضمان الالتزام بقواعد الشريعة داخل الأحياء المذكورة.
وفي نفس السنة شهدت العاصمة الدنماركية مظاهرة صاخبة رفع فيها الإسلاميون شعارات تحرض على قتل المواطنين الدنماركيين غير المسلمين وهتفوا بكل ما يملكون من حناجر حاقدة منادين بإقامة دولة إسلامية في الدنمارك مكان الدولة الديمقراطية الحالية. ومنذ ذلك الوقت بدأ المواطن الدنماركي يشعر بالخطر وعرف أنها كانت مجرد تسخين للعضلات تلك المظاهرات التي كانت ضد جريدة يولاندس بوستن سنة 2005 بسبب الرسومات الكاريكاتورية التي اعتبرت مسيئة لرسول الإسلام.
تلك الأحداث والمظاهر تبين ذلك الصعود المتنامي للأصولية في البلد، وتفسر الوضع الذي وصلت إليه المملكة جراء تساهلها مع المتشددين، وهو السبب الذي جعلها تواجه اليوم عجزا في إدماج الكثير من المهاجرين والمسلمين على وجه الخصوص بمن فيهم الذين تربوا على أراضيها كما حدث مع عمر الحسين، مرتكب العمليتين الإرهابيتين في وسط كوبنهاغن يوم 14 فبراير 2015 واللتين راح ضحيتهما سينمائي في المركز الثقافي ومواطن يهودي أمام معبده وجُرح آخرون. وكان هذا الشاب ذو الأصول الفلسطينية قد زار مسجد الفاروق عشية ارتكاب جريمته، كما أكدت الإذاعة الوطنية الدنماركية. والسؤال الذي يتجنب طرحه المسلمون والرسميون الدنماركيون هو ذلك المتعلق بالعلاقة بين ما يقال وما يدرس في المساجد والتطرف والإرهاب.
بعد مرور أقل من سنتين على ذلك الحادث الذي هز البلد، وفي نفس المسجد الذي زاره الإرهابي المذكور، مسجد الفاروق، وفي خطبة من خطب الجمعة حرض الإمام الأصولي منذر عبدالله المصلين على معاداة اليهود، ومذكرا بأحاديث وحكايات تصب كلها في كرههم ووجوب قتلهم. وهو ما أثار غضب المواطنين اليهود ورفعوا دعوة قضائية ضد الإمام وجهوا له فيها تهمة التحريض على العنف، وهو ما دفع بوزيرة الهجرة والاندماج السابقة إنغر ستجبرج إلى وصف ما جاء على لسان الخطيب بالفظيع والمرعب وغير الديمقراطي على صفحتها في فيسبوك.
وإنغر ستجبرج، امرأة سياسية مشهورة بخطابها الصريح والمباشر وقد أثارت جدلا كبيرا إثر نشرها لمقال على صفحات اليومية الشهيرة “بوليتكن” انتقدت فيه انتشار ممارسات دينية إسلامية متعارضة مع الثقافة الديمقراطية، وطلبت فيه من المسلمين احترام قوانين وقيم البلد “الدنمارك بلد الدنماركيين ومرحبا بكم كي تصبحوا دنماركيين تشاركون في عمل المجموعة الوطنية. أما المسلمون الذين يعملون ضدنا ويحقّرون قيمنا ورايتنا الوطنية وأسلوب حياتنا، فأقول لهم جميعا: غادروا الدنمارك وابحثوا عن مكان آخر تعيشون فيه، فلا أحد يجبركم على البقاء هنا”.
وكان المقال ردا على بعض زعماء جماعة “اتحاد الإسلام” الذين جمعها بهم نقاش تيقنت على إثره أن هؤلاء لا يدينون مختلف الممارسات المستهجنة في الدنمارك كالرجم وتحجيب وتزويج القاصرات والفصل بين النساء والرجال وغيرها بل يدعون إليها ويشجعونها.
صرح جهادي دنماركي سابق من أصول تركية كان في صفوف داعش بسوريا، بأن الدولة الدنماركية عدوة للإسلام، وهي في أعلى قائمة الدول المهددة من طرف دولة الخلافة الإسلامية. ولم تمر إلا أيام قلائل حتى تبعه الناطق الرسمي لمسجد كرمهافاي بمدينة أورهوس فادي عبدالله، مصرحا لموقع دينكورت افيس قائلا “يرغب المسلمون في إقامة الخلافة ولا نستطيع مساندة الدولة الإسلامية داعش، ولكن حتى وإن ارتكبت أخطاء ينبغي علينا أن نصبر ونترقب ما سيحصل مستقبلا”. فليس من الغريب أن تكون المدينة التي يقطنها مثل هؤلاء من المدن المصدرة للجهاديين، فما بين 2012 و2013 التحق على الأقل 35 شابا من مدينة الشيخ تلك بداعش في سوريا، بينما بلغ عدد الجهاديين الدنماركيين الذين التحقوا بالمنظمة الإرهابية في سوريا حوالي الـ100 حسب مصالح الأمن، وقتل منهم 15 حسب نفس المصدر.
ولكن إذا عرف السبب بطل العجب، ماذا يمكن أن ينتظر أهل الدنمارك من مساجد تشيدها وتمولها وتسيّرها أنظمة عربية غير نشر التدين المتطرف الذي تفرضه على شعوبها. فعلى سبيل المثال، هل يمكن أن يجني الدنماركيون من المسجد الكبير الذي مولت بناءه دولة قطر والذي تم فتحه سنة 2014 غير التصور الإخواني للإسلام؟ ألا يشرف على أغلب المساجد في البلد سلفيون؟ ألم تدعم مساجدهم داعش بطريقة أو بأخرى؟
أصبحت تلك المساجد المفخخة مدارس لتكوين المتطرفين الذين راحوا يطبقون بالقوة ما يوحي به إليهم أئمة يعيشون خارج المكان والزمان كما يحدث في حي نورمبرو، بكوبنهاغن، حيث يريدون فرض الشريعة على الناس بتكوينهم لمجموعات من المتطرفين تسمي نفسها “دوريات الشريعة”، إذ يضايق هؤلاء أصحاب الحانات ويهددون من يتناول الكحول وكل من يمارس فعلا يعتبرونه مناقضا لفهمهم للدين. تناولت الصحف في السنة الماضية حادثة مضحكة مبكية: دخل بعض أفراد دورية الشريعة إلى حانة وطلبوا من الزبائن الانصراف تحت التهديد صارخين أنه بما أن المنطقة منطقة إسلامية تحكمها الشريعة فلا يجوز تناول الخمور هنا. ماذا تبقى للدنماركيين أمام هذا الوضع الخطير الذي تعيشه بلدهم؟
ربما التأمل في مقولة فيلسوفهم الكبير سورين كيركورغارد “الجرأة، قبول خسارة مؤقتة، عدم الجرأة فقدان للذات وإلى الأبد”.