مشاهدون يدعون إلى مقاطعة القنوات المغربية بسبب الرداءة وكلام الشارع
عادت حليمة إلى عادتها القديمة، كما يقال، فمثل كل سنة يتكرر النقاش في المغرب حول برامج القنوات التلفزيونية، خصوصا الدراما والمسلسلات الكوميدية. فأكثر هذه البرامج الرمضانية بعيدة عن الطابع الروحي للشهر الفضيل، ويتم إنتاجها بمنطق الترفيه من أجل الربح فقط، بهدف تحقيق نسبة المشاهدة على حساب الجودة. الأمر الذي يتعارض مع منطق الخدمة العمومية.
فطيلة أيام الشهر الفضيل، على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لن نجد سوى عبارات استياء المشاهدين، من غالبية الإنتاجات التلفزيونية، ومنها، على سبيل المثال فقط، السلسلة الكوميدية «الدرب»، التي تُعْرض في وقت الإفطار على القناة الأولى، حيث يشتكي المشاهدون من غياب سيناريو في المستوى وحتى الفكرة، ومن طغيان الألفاظ السوقية والتهريج من دون هدف فني.
كما تم انتقاد السلسلة الثانية في القناة نفسها «السوحليفة»، التي تلعب دور بطولتها الطفلة «إسراء»، والتي أججت امتعاض المشاهدين لاستخدامها مفردات من الشارع، لما يمكن أن تشكله من تأثير سلبي على أقرانها الأطفال.
مقاطعة برامج رمضان
أمام تكرار الانتقادات على برامج رمضان، بسبب ضعفها الفني وعدم تقبل الجمهور لها، ظهرت نداءات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمقاطعة مشاهدة القنوات الوطنية، وعلى الخصوص ساعة الإفطار وهي ذروة المشاهدة في المغرب، إسوة بحملات المقاطعة التي سادت الأسابيع الماضية حول العديد من المنتجات الاستهلاكية المغربية وعرفت نجاحا جماهيريا.
ويرى المتتبعون أنه يجب تفعيل المقاطعة لكي يعي القائمون على الإنتاج بأن المجتمع المغربي قد تغيّر ويستحق أعمالا رمضانية في المستوى ما دامت تمول من المال العام، حيث يرون أن الأعمال الرمضانية تُنتج فقط لملء الفراغ، إذ لا ترقَى لمستوى العمل الكوميدي الذي ينتظره المغاربة. وقد أطلق النشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي «هاشتاغات» مثل «خليها ساعتين» و«خليها مطفية»، بمعنى اتركه مغلقاً لساعتين.
القناة الثانية على المحك
تعد سلسلة «كبور والحبيب»، التي يؤدي دور بطولتها الممثل الكوميدي الشهير، حسن الفذ، أشهر عمل يشد انتباه المغاربة، في الموسم الحالي وللسنة الثالثة على التوالي يتابع المغاربة هذا العمل في القناة الثانية.
عمل يظهر فيه المجهود المبذول، سواء على المستوى الفني أو المضموني إذ استطاع الفنان الفذ خلال السنوات الأخيرة، رسم بصمته اللافتة على الساحة وتجسيد شخصية كبور التي أعجبت الكبير والصغير، والتي تكتنز الكثير من عمق الإنسان المغربي. دليل ذلك أن العمل حقق نسبة متابعة مهمة سواء لدى القناة الثانية أو على الشبكة العنكبوتية.
وتتوفر القناة الثانية على نسبة متابعة جيدة مقارنة ببقية القنوات المغربية، غير أنه في السنوات الأخيرة باتت تقدم أعمالا لم تنل رضا المشاهد المغربي، ومن برامج هذا العام في هذه القناة «الكاميرا الخفية»، التي تتعرض للاتهامات منذ سنوات، ومازال المنتجون حريصين على تقديمها كلّ مرة. إذ لم تعرف النجاح بسبب أفكارها المقدمة التي لا تحترم ذكاء المشاهد، إلى درجة اتهام منشطها رشيد العالي بسرقة أفكار حلقات هذه السنة، وهو الأمر الذي نفاه.
وعلى غرار الأعوام السابقة اتسع الفضاء الأزرق الفيسبوك لتوجيه إنتقادات كبيرة لكل الوجوه المتكررة في إنتاجات القناة الثانية. الشيء نفسه مع سلسلة «حي البهجة» التي تبث في ذروة ساعة الإفطار، تعرضت للإنتقاد خصوصا بعدما بثت لقطات يشوبها العنف. ما يعني ندرة الانتاجات التي لاقت ترحيبا من المشاهد المغربي.
«الحموضة» في البرامج
يعتبر رمضان أبرز فرصة للمنتجين ولمسؤولي التلفزيون في عرض البرامج ونيل أكبر نسب مشاهدة. فيحتدم التنافس بين القنوات المغربية العمومية باستثناء القناة الوافدة الخاصة الجديدة «تيلي ماروك»، ولو أنها لا تبث من التراب المغربي، حيث نالت ترخيص البث من اسبانبا. وينصب هذا التنافس أساسا حول المواد الدرامية والبرامج الفكاهية التي تسجل مفارقة مهمة، تستقطب عشرات الآلاف من المشاهدين، وفي الوقت نفسه تكون موضوع انتقاد لاذع عبر المواسم الرمضانية ككل سنة.
فالمتحكمون الرئيسيون في هاته البرمجة على الخصوص، هم المستشهرون وأصحاب الإعلانات التلفزيونية، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، حيث تتميز سياستهم بدعمهم للكوميديا في وقت الإفطار الذي يعتبر ذروة المشاهدة في المغرب.
والنقطة التي حازت الكثير من النقد تركز على كون مدة ساعة ونصف المخصصة لبرامج الكوميديا يهضم حق المجهودات المبذولة في إعداد البرامج الأخرى، ويؤثر بذلك على عدم وجود الدراما الدينية والتاريخية أو حتى برامج توعوية أو تثقيفية.
إن الإقبال الذي تحظى به الأعمال الكوميدية المبثوثة، يعكس نوعا من فساد الذوق لدى المتلقي، إلى درجة وصل فيها الحوار هذا العام في بعض الأعمال، إلى مستوى كلام الشارع حسب وصف المشاهدين، دون الحديث عن الأفكار والقيم المتبناة مثل العنف وسوء التربية والظواهر الاجتماعية السلبية.
هذا الأمر من جانب آخر يعكس حالة المشاهد للأعمال الرمضانية، فمن جهة ينكب عليها ومن جهة أخرى يتذمر من مستواها. ويكون فقط متابعا لها بصفة اضطرارية لا غير أمام انعدام بدائل أخرى للفرجة في وقت الإفطار والترفيه عن النفس.
إلى جانب ذلك الإجماع ضد ادوار الممثلين وتسرع المخرجين وضعف السيناريوهات. غير أن القنوات التلفزية رغم هذه الحملة السنوية ضدها، تستمر في نفس السيناريو أيضا، لأنها تتطلع إلى أرقام نسب المتابعة. فالمتابعة عالية وهذه السنة أفضل من التي قبلها مع ازدياد مداخيل الإعلان. مع ملاحظة هامة، إذ يتم اشتراط قبول البرامج التي تكون قد حصلت مسبقا عن شركة صناعية أو تجارية محتضنة. و»الحموضة» هو الوصف الذي يعبر به المشاهدون المغاربة في الكثير من تعليقاتهم، برامج رمضان من مسلسلات وسلسلات فكاهية، ما يعني مرارة البرامج الرمضانية.
ابتزاز المشاهد
محمد بنعزيز، ناقد سينمائي مغربي، صرح بأنه «في كل رمضان، تخرج القنوات التلفزيونية الوطنية من سباتها، تصير برنامجها على رأس جدول أعمال الإعلام. في هذا السياق يجري جدل مستنسخ حول جودة الكوميديا الرمضانية. وتتكرر أحكام انطباعية مثل: جميل وعادي وتافه وركيك وسطحي وغبي وساذج. وللأسف تتاجر بعض المسلسلات بالبحث عن ممثلين من ذوي «العاهات» لابتزاز رضا المشاهد، واللجوء إلى شخصية البدوي للإضحاك. وحتى لاأكون متحاملا فإن سلسلة «كبور» و»الدرب» وسلسلة «سولحيفة» قدمت لنا وجوها شبابية واعدة نجحت في تشخيص أدوار من صميم واقعها».
ولتجنب تكرار هذه الانطباعية، يضيف الناقد: «أسجل أن برامج هذا العام أنها تتميز بالبحث عن نزعة شبابية شعبية. كما في سلسلتي «الدرب» و»سولحيفة»، وحتى في سلسلة «كبور والحبيب».
ففي هذه الأعمال يمكن التمييز بين خطين: خط يتم فيه يتم البحث عن ممثل خام لتصويره، وغالبا ينجح في الموسم الأول للسلسلة كما هو الحال مع سوليحفة. وتبحث الشركة المنتجة عن شخص آخر لتصوره ويستحسن أن تكون لديه عاهة أو طريقة نطق مضحكة. فيما الخط الثاني خط يركز على الثقافة والبحث، وهو ما يقدمه حسن الفذ في سلسلة «كبور والحبيب». والحقيقة أن الشخصيات السلبية أكثر جاذبية لدى المتفرج. «سنشو بانثا» أكثر إضحاكا في رواية ثيربانتيس. هذا هو المنطق الاجتماعي الذي ترسخ في الطبيعة لمآت آلاف السنين. بينما المنطق الثوري التحرري طارئ على التاريخ البشري».
صفقات برامج رمضان
الكاتب توفيقي بلعيد يوجز رأيه، بإشكالية كبيرة في مجال الكوميديا، فهناك مشاهد مهموم من الصعب إضحاكه وهناك أعمال كوميدية تمتهن الضحك عليه وتشتغل على عاهاته الاجتماعية والخَلقية. لنأخذ كمثال، يقول بلعيد، الكاميرا الخفية التي تفتقد للذكاء، وجلها فيه تواطؤ، ركائزها العنف والإذلال، أما برامج الفرجة الغوغائية التي يمثلها برنامج «رشيد شو» بعدم احترامه للضيوف إذ وصل به الأمر في العديد من المرات إلى الاستهزاء من ضيوفه لحد الإستفزاز و التحقير. لا فرجة سليمة تعتمد إرضاء شركات الإشهار، وتغيب رأي المثقف يختصر الكاتب هذه الإشكالية.
إن الحديث عن الصفقات يظهر دائما مع شهر رمضان، صفقات تسيل لعاب الكثيرين وصارت القنوات تتعامل مع نفس المنتجين. وتسمى تلك الصفقات في لغة الإعلام المغربي «دفاتر التحملات». فرغم مرور أربع سنوات على اعتمادها آلية تحدد التزامات الخدمة العمومية لكنها أساءت للمشهد التلفزيوني حسب المهتمين بالمجال.
وكان عدة فنانين صرحوا استحالة تقديم برامج ومواد رمضانية ذات جودة وهي تنجز في مدة شهرين قبل رمضان. إذ على الأجهزة المسؤولة أن تغير إستراتجيتها في هذا الباب، فالقنوات المغربية تعمل بعقلية إستعجاليه، ولا تتوفر على مخطط استراتيجي. والواقع يتكرر رغم الانتقاد. فيما الفنانون يجدون أنفسهم مجبرين على الاشتغال حتى لا يسقطوا في فخ البطالة.
من حق المشاهد المغربي أن ينتقد غير أن الممثل هو الحلقة الأضعف، وهو من يتحمل جزءا كبيرا لأنه في مرآة المشاهد، في حين أن دوره في العملية الإنتاجية يبقى صغيرا أمام لجان قراءة السيناريوهات وكتاب السيناريو وشركات الإنتاج ومسؤولي التلفزيون. إن واقع الإنتاجات الرمضانية المُقدّمة على قنوات التلفزة المغربية لم يتغير، وظلت تكرر مواضيعها ووجوهها، فتنال بالتالي حظها من الانتقاد كما كل سنة.