السلطات المغربية تُحضِر بالقوة نساء رفضن الإدلاء بشهادتهن في قضية الصحافي بوعشرين
Jun-06
يتواصل عرض مسلسل «بوعشرين» بمزيد من الإثارة وفيديوات جنسية في ليالي رمضان المغربية، وكانت حلقة أول أمس الاثنين، مصرحات تم احضارهن «بالقوة» ليدلين بشهادتهن، بعد رفضهن الحضور لأنهن «غير معنيات بالمسلسل» الذي بدأت حلقاته الاولى يوم 23 فبرير الماضي باعتقال الصحافي توفيق بوعشرين مدير صحيفة «أخبار اليوم» و«موقع اليوم 24» في مقر صحيفته بعد شكايات من نساء صرحن انه اغتصبهن واستغل موقعه كصاحب عمل في ممارسة الجنس معهن.
حلقة أول أمس من «المسلسل الجنسي» أثارت نقاشا قبل ان تبدأ، بالاحتجاج على قرار المحكمة باستدعاء المصرحات عفاف برناني الموظفة في المؤسسة وحنان رئيسة تحرير «موقع اليوم24» عن طريق استعمال القوة العمومية بعد ان رفضتا الحضور سابقا ثم طريقة إحضارهن باقتحام الشرطة منزلاً كانتا تتواجدان به والانهيار العصبي الذي أُصيبت به وما صرحت به برناني أمام المحكمة.
مداهمة شقق الاعتقال المصرحات
وأصدرت غرفة الجنايات في محكمة الاستئناف في الدار البيضاء، يوم الاثنين الماضي 28 مايو الماضي، أمراً يقضي بإحضار المصرحات (من تم الاستماع اليهن من غير المشتكيات) في ملف بوعشرين بالقوة العمومية، بعد رفضهن تقديم أي شكاية في الصحافي توفيق بوعشرين، ونفيهن تعرضهن لأي استغلال أو تحرش جنسي. وأخذت عناصر الأمن يوم الاربعاء الماضي المصرحة وصال الطالع من بيتها، ساعة قبل موعد الإفطار، في الوقت الذي حلت فيه فرق أمنية، من 10 اشخاص، ببيوت باقي المصرحات لإجبارهن على حضور جلسة الأربعاء الماضي، بمحكمة الاستئناف في الدار البيضاء إلا أن أياً منهن لم تكن في منزلها.
قبل موعد إفطار يوم الاثنين توجهت عناصر الشرطة القضائية الى حي اكدال في الرباط وأوقفت كلاً من المصرحات عفاف برناني وحنان باكور، بعد علمها بوجودهن في شقة تعود لأحد أقارب بوعشرين بالرباط. وقال موقع اليوم 24 أن «العناصر الأمنية قامت بقطع التيار الكهربائي والماء، قبل أن تنفذ عملية الاقتحام، وهو ما أدى الى انهيار عصبي وحالة إغماء أُصيبت به حنان باكور رئيسة تحرير «اليوم 24» وأُدخلت إلى قسم المستعجلات بالمستشفى الجامعي ابن سينا بالرباط وقرر الفريق الطبي إحالتها إلى مستشفى الرازي. وبعد أزيد من ساعة من الفحوصات من طرف فريق طبي، تم إخراجها محمولة على سرير سيارة الإسعاف، حيث تم اقتيادها نحو دائرة أمنية بالرباط قبل نقلها للدار البيضاء».
وقال موقع اليوم 24 ظهر امس الثلاثاء ان الصحافية حنان باكور، ما زالت ترقد في قسم الإنعاش بقسم المستعجلات في مستشفى ابن رشد في مدينة الدار البيضاء تحت حراسة شرطي يجلس أمام الغرفة التي ترقد فيها، ويمنع عنها الزيارة أو حتى طمأنة الطاقم الطبي المعالج أسرتها وأصدقاءها.
وان إدارة المستشفى «تتكتم عن وضعها الصحي في الوقت الذي منعت فيه بعض أصدقائها من الاطمئنان عن حالتها، عن طريق الطبيب المعالج أو حتى بمعاينتها من زجاج غرفة الإنعاش كما هو معمول به في جميع مستشفيات العالم».
تعسف وشطط في استعمال السلطة
وقال عبد المولى المروري، عضو دفاع بوعشرين «باعتبار أن حنان باكور شاهدة فلا بد أن تنطبق عليها مواد قانون المسطرة الجنائية التي تؤكد على وجود أسباب جدية من شأنها أن تعرض حياة أو سلامة المعني للخطر أو لضرر مادي أو معنوي، والتي اشترطت أن يتم ذلك بطلب من المعني بالأمر، وأنه أمام هذه الحالة فحنان باكور لم تطلب هذه الحماية، وبالتالي لا يوجد أي مقتضى قانوني يبرر أن يتم وضع 9 رجال أمن لحراستها، ولا يمكن اعتبار هذا التصرف إلا في إطار التعسف والشطط في استعمال السلطة، من أجل التخويف وإدخال الرعب في نفوس باقي المصرحات الرافضات دخول هذه المهزلة».
واعتبر النقيب السابق عبد اللطيف بوعشرين منسق هيئة دفاع الصحافي بوعشرين، أن طريقة اعتقال رئيسة تحرير الموقع الإخباري «اليوم 24»، حنان باكور، تجاوز الإحضار بالقوة العمومية إلى الإحضار بالتعسف. وقال إن الطريقة التي تم بها إحضار بعض المصرحات «تدل على الشطط في استعمال السلطة، وأن استعمال القوة العمومية لا يعني التعسف على كرامة المصرحات أو أي طرف يتم إحضاره في القضية».
وأضاف بأنه لا يعارض استعمال القوة العمومية، لكنه شدد على احترام كرامة المصرحات أو الشهود، وفي الوقت نفسه احترام القوة العمومية نفسها لصورتها خارج المغرب وأن الوقائع التي شابت هذا الإحضار غير مقبولة، من قبيل قطع الماء والكهرباء عن المنزل الذي يتواجدن به، أو إحضارهن للإفطار لدى الأمن، أو الجر من المستشفى إلى المحكمة.
ونفت المديرية العامة للأمن الوطني، بشكل قاطع، الادعاءات التي زعم فيها أن «عناصر أمنية اقتحمت المنزل الذي كانت متواجدة فيه رئيسة تحرير الموقع، وأقدمت على قطع التيار الكهربائي والماء قبل أن تنفذ عملية الاقتحام».
وجاء في بلاغ للمديرية العامة، أنه تنويراً للرأي العام الوطني، وتصويبا لهذه «الادعاءات غير الدقيقة»، فإن المديرية العامة توضح أن فرقة للشرطة القضائية في الرباط، تضم من بين عناصرها ثلاث شرطيات تترأسهن عميدة شرطة ممتازة، انتقلت زوال (ظهر) اليوم (أول أمس) الاثنين إلى شقة بحي أكدال، بغرض تنفيذ أوامر قضائية تقضي باستخدام القوة العمومية لإحضار سيدات للمثول أمام غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء.
وذكر البلاغ أنه رغم إفصاح عناصر فرقة الشرطة القضائية عن صفاتهم الوظيفية وطبيعة الأمر القضائي المنتدبين لتنفيذه، لم يتم فتح باب الشقة رغم النداءات المتكررة، وهو ما استدعى إشعار النيابة العامة المختصة وفتح الباب الخارجي بواسطة تقني متخصص من دون كسر أو قطع للتيار الكهربائي أو لإمدادات الماء.
وأفاد أنه تم نقل سيدة من بين المعنيتين بالأمر القضائي إلى قسم المستعجلات بالمستشفى الجامعي ابن سينا للتحقق من وضعها الصحي، وبعدها أحيلت إلى مستشفى الرازي في سلا بتوصية من الطبيب المعالج، حيث خضعت لاسعافات طبية قبل أن يتقرر اصطحابها إلى مقر ولاية أمن الرباط، تمهيداً لنقلها بمعية السيدة الثانية إلى محكمة الاستئناف في الدار البيضاء من أجل تنفيذ الأمر القضائي الصادر في الموضوع. وقال البلاغ: «إذ تدحض مصالح الأمن الوطني مزاعم قطع التيار الكهربائي والماء عن الشقة، فإنها تؤكد بأن تنفيذ الأوامر القضائية المطلوبة تم في احترام تام للقانون وتحت إشراف النيابة العامة المختصة».
غليان في محكمة الاستئناف
وشهدت محكمة الاستئناف الدار البيضاء، ليلة الاثنين وحتى الساعات الأولى من صباح أمس الثلاثاء، غلياناً كبيراً، بعد إحضار المصرحتين إلا أن النيابة العامة قدمت شهادة طبية لحنان باكور أعفتها من الاستماع لها من طرف المحكمة خلال هذه الجلسة ومثلت أمام المحكمة، المصرحة عفاف برناني التي سبق لها الدخول في مواجهة مع النيابة العامة، إثر اتهامها لضابط بتزوير محضر الاستماع إليها، التي تبعتها في ما بعد وحكم عليها يالسجن 6 شهور نافذة، وجرى الاستماع لها من طرف القاضي بوشعيب فارح، وأكدت برناني في هذه الجلسة التي استمرت إلى ما بعد السحور، تصريحاتها السابقة.
ونقل محامون بعض تفاصيل شهدتها الجلسة أول أمس وإن برناني أنكرت جملة وتفصيلا علاقتها بالملف، بعد ذلك سمحت المحكمة للمحامين بطرح الأسئلة على المصرحة، لتتم مواجهتها بفيديوات جنسية نسبت لأسماء الحلاوي، إحدى المشتكيات في الملف، حيث تقول هذه الأخيرة ودفاعها أن من يظهر فيها إلى جانب بوعشرين هي برناني، وردت برناني «أنا ما عندي علاقة بالفيديوهات وإلا بغيتوا (اردتم) تعرضوهم ماعندي مشكل.. واش أسيدي القاضي الفرقة الوطنية زورت علي محضر الاستماع وماقدراتش تجيب ليا فيديو ديالي» (الا تستطيع ان تاتي بفيديو لي).
وبعد عرض الفيديوهات والتي كانت مدة أحدها 45 دقيقة، قالت أسماء الحلاوي موجهة الكلام لبرناني «هي لكتبان في الفيديو ماشي أنا»، وقالت برناني «لست أنا وهل تستطيعين معرفتي أكثر مني؟». وقال الصحافي توفيق بوعشرين، أمام المحكمة ان هناك «مأزقا» قانونيا، يعزز ما ظل يردده خلال أطوار محاكمته، بخصوص صدقية الفيديوهات الجنسية. وقال: «كيف لثلاثة أطراف في القضية تختلف مراكزهم القانونية، وهم كل من الحلاوي كمشتكية، وبوعشرين متهم، وعفاف برناني شاهدة أن ينفوا علاقتهم بثلاثة فيديوات تشكل أدلة إثباث في القضية».
وأوضح إن تصريحات برناني كانت نافية لكل ما أوردته فرقة الشرطة القضائية من تعرضها للتحرش أو محاولة الاغتصاب، وأكدت الكلام الذي قالته منذ أول خروج لها، سواء عبر بيانات وخرجات إعلامية أو حتى عبر تدوينات على حسابها في فيسبوك، أنه لا علاقة لها بالموضوع.
وأضاف أن «من تظهر في الفيديوهات وللأمانة لها شكل جسد إحدى النساء التي ظهرت في الفيديوهات السابقة»، والتي اعترفت أسماء الحلاوي أمام ضابطة الشرطة القضائية والمحكمة أنها هي وأن هيئة دفاع بوعشرين طلبت استدعاء ضابط الشرطة القضائية الذي قام بتفريغ الفيديوهات وحرر المحاضر، والتي تقول بالمناسبة أن المرأة التي تظهر في الفيديو هي أسماء الحلاوي، ليصرح أمام المحكمة من هي المرأة التي تظهر في الفيديو، أو إجراء الخبرة العلمية.
وبمجرد ما خرجت عفاف برناني من قاعة المحكمة حتى انطلقت في عناق حار مع أختها وعدد من أفراد أسرتها وهي تبتسم لعدسات الصحافيين الذين يتابعون أطوار المحاكمة.
الجدل مستمر حول القضية
ولا تزال قضية بوعشرين تثير الكتير من الجدل، واعتبر المحلل السياسي عبد الرحيم العلام، أن كل شروط المحاكمة غير العادلة متوافرة في القضية «كل شيء موجود في هذه المحاكمة التي يمكن القول عنها أنها أغرب محاكمة في تاريخ المغرب، لكن غير الموجود فقط هو القانون واحترام شكلياته». وقال أن المحاكمة تضم «الحقد الشخصي، تصفيات الحسابات القديمة، إلتباس الأدلة، الضغط على الشهود، إحضار المصرحات بالقوة، تلقين الأقوال للمشتكيات، تسريب المحاضر، تنسيق حملة إعلامية تنتهك قرينة البراءة وتدين المتهم قبل المحاكمة، رفض عرض المتهم على التحقيق وتحويل المحاكمة إلى جلسات تحقيق، الضغط على هيئة دفاع المتهم، الايحاء لعائلة المتهم بالكف عن دعمه لأن كل شيء يدينه، الضغط على المصرحات اللواتي رفضن توريط المتهم».
وأضاف أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاضي عياض في مراكش، في تدوينة على حسابه في فيسبوك، أنه «من الناحية القانونية ومن خلال المعطيات الواردة ورصد أقوال شهود الإثبات وتناقض تصريحاتهم، وتتبع أقوال شهود النفي، وتناقض أقوال المصرحات مع محاضر الشرطة القضائية، وتبخر العدد الكبير الذي زعموا أن بوعشرين اغتصبهن من العشرات إلى أربع مشتكيات من دون أدلة قوية، فإن ملف بوعشرين فارغ، وتنبغي متابعته في حالة سراح وتمكينه من الدفاع عن نفسه وتنسيق فريق دفاعه، لأن حالة التلبس منعدمة، والأدلة ضعيفة، بل إن أدلة دفاعه أقوى من خلال لوائح اتصالات المغرب التي لا توافرت نسخها الأصلية لقلبت الموازين، ومخالفات المرور التي أكدت أن المتهم كان في أماكن أخرى عكس ما تدعيه الأفلام المصورة».
وقال العلام «من ناحية القانون ملف بوعشرين عادي جداً جداً شأنه شأن باقي آلاف الملفات الرائجة أمام المحاكم أو «غير الرائجة»، فيه نساء يشتكين من الاغتصاب أو محاولة الاغتصاب، على المدعيات البيّنة وعلى المتهم نفي الاتهام بالدليل، وكل ذلك في حالة سراح ومن خلال سلك مساطر المتابعة من العرض على قاضي التحقيق إلى توفير المحاكمة العادلة ومن دون ضغوط أو تخويف. وشدد العلام على أنه من الناحية السياسية، فملف بوعشين يراد تضخيمه وإعطاؤه أكبر من حجمه، لأن الغاية منه هي ما يعكسه المثل الشعبي «إضرب المربوط يخاف السايب»، معتبراً أن لا رهان على إنصاف بوعشرين من الناحية القانونية، لأن الملف سياسي وليس قانونيا. أما إذا كان الرهان على كسب الرأي العام، يضيف المتحدث، فإن دفاع بوعشرين أفلح فعلاً في التشكيك في الرواية الرسمية، وبدأ في كسب تعاطف أو على الأقل حياد المزيد من المواطنين، ربما بسبب ذلك، بدأ دفاع الجهات الامنية ودفاع ما يسمّى الضحايا يبحث عن صيغ جديدة لتشويه المتهم».