متى يشرق إسلام الأنوار في أوروبا؟

على الدول العربية إن كانت تسعى حقا إلى التصدي للتيارات التي شوهت صورة الإسلام والعرب، أن تعمل على إنشاء مراكز ثقافية في البلدان الأوروبية التي يكثر فيها المهاجرون لكي تكون فضاء لمثل هذه التظاهرات.
الثلاثاء 2018/06/05
في “فيلا ارموني” بباريس، ينتظم راهنا معرض ضخم يستمر حتى التاسع عشر من شهر غشت  القادم حول “الموسيقى والأصوات في العالم العربي“. وسيكون هذا المعرض مصحوبا بحفلات موسيقية وفنيه تظهر جمالية الموسيقى العربية في أبرز وأهم تجلياتها القديمة والحديثة، وفيها يشارك فنانون ومغنون وعازفون يقيمون في فرنسا، وينتمون إلى مختلف البلدان العربية. ومُعلقا على المعرض المذكور، قال الفنان عزيز السمحاوي الذي سيكون أحد المشاركين في الحفلات الموسيقية ”إنه -أي المعرض- رحلة في الزمن تجعلني أحلم. إنه يفتح العقول، وهو بمثابة مُتَنَفّس في هذا الوضع الموسوم بالعنف وسوء الفهم اللذين يلوّثان هواء زمننا”.

وفي أواخر شهر أبريل من هذا العام، تجمع في باريس حوالي 150 عربيا مسلما جاؤوا من بلجيكا ومن مختلف المدن الفرنسية ليظهروا الوجه المشرق للإسلام، رافضين كل مظاهر التزمت واللاتسامح التي شوهت صورة العرب والمسلمين وجعلتهم يعيشون في غربتهم وكأنهم رموز للشر والجريمة والعنف والإرهاب…

وقد نوهت وسائل الإعلام الفرنسية، اليسارية والتقدمية منها بالخصوص، بهذه التظاهرات لأنها حسب رأيها تهدف أساسا إلى دفع العرب المسلمين إلى التوحد والتضامن في ما بينهم لمواجهة التيارات السلفية المتشددة التي شوهت صورتهم في جميع أنحاء العالم، مُروّجة لثقافة تقوم على العنف، ورفض الاختلاف، وتسميم العلاقات بين الشرق والغرب…

وعلينا أن نشير إلى أن محاولات أخرى سبقت مثل هذه التظاهرات لإظهار الوجه المشرق للإسلام. ففي جلّ مؤلفاته، كما في مواقفه، كان المفكر الجزائري المرموق دائم الحرص على النبش في التراث، وفي التاريخ للتعرف بكل من انتصروا لإسلام متسامح، ينبذ كل شكل من أشكال التشدد، والغلو، والانغلاق. وقد تمكن الراحل محمد أركون من أن يكون على مدى سنوات طويلة مرجعا أساسيا عليه يعتمد الفرنسيون بمن في ذلك الزعماء السياسيون الكبار، للتعرف على الإسلام، والمسلمين في صورتهم الحقيقية…

ولم يكن الأكاديمي الكبير جمال الدين بن الشيخ مختلفا عن مواطنه محمد أركون. فعلى مدى مسيرته المديدة، ظل مدافعا عنيدا عن إسلام التنوير، مُفنّدا من خلال مواقفه ومؤلفاته أطروحات الحركات الأصولية المحرضة على العنف والإرهاب. ومن أهم ما قام به جمال الدين بن الشيخ هو التعريف بالآثار الأدبية العربية القديمة التي تجسد إسلام الانفتاح والتسامح في أبدع مظاهره مثل “ألف ليلة وليلة“، ومؤلفات الجاحظ، و“الأغاني” لأبي فرج الإصفهاني، و“كليلة ودمنة” لابن المقفع. كما أن كتابه حول الشعرية العربية لا يزال إلى حد هذه الساعة مرجعا أساسيا للشعر العربي القديم بالنسبة للجامعات الفرنسية والأوروبية عموما.

وعلينا ألا نغفل عن الأدوار المهمة التي لعبها مفكرون وكتاب عرب آخرون مقيمون في أوروبا في مواجهة التطرف والعنف. مع ذلك ظلت أفكار جميع هؤلاء منحصرة في حلقات ضيقة ومحدودة، ولا تأثير لها خارج الجامعات ومراكز البحوث. لهذا السبب، تمكنت التيارات الأصولية المتطرفة من غزو الأحياء التي فيها يقيم المهاجرون العرب، وكسب دعمهم، وتأييدهم لتكون ناطقة باسمهم. ولم تكتف هذه التيارات بذلك، بل إنها تمكنت من غسل أدمغة شبان وشابات من الجيل الثالث والرابع من المهاجرين ليكونوا جنودا لها على جبهات متعددة.

ولعل الحل الأمثل لمواجهة التيارات المتشددة في أوروبا هو إخراج إسلام التنوير والانفتاح من الحلقات الضيقة، ومن بطون الكتب لكي يتمكن من التأثير الناجع والفعلي في نسبة عالية من المهاجرين العرب. ولن يتمّ ذلك حسب رأينا إلاّ عبر الإكثار من التظاهرات الثقافية والفنية التي تبرز الجوانب المشرقة التي تميزت بها الحضارة العربية-الإسلامية في عصور تألقها وانفتاحها على العالم… وعلى الدول العربية إن كانت تسعى حقا إلى التصدي للتيارات التي شوهت صورة الإسلام والعرب، أن تعمل على إنشاء مراكز ثقافية في البلدان الأوروبية التي يكثر فيها المهاجرون لكي تكون فضاء لمثل هذه التظاهرات…

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: