رمضان موسم لوقاحة اليمين الأوروبي وشراسة التطرف الإسلامي
تشير بيانات وتقارير إعلامية إلى أن الساحة الأوروبية، عادة ما تشهد في شهر رمضان، ارتفاعا ملحوظا في الخطابات المعادية للإسلام والمحذّرة من المسلمين (الإسلاموفوبيا)، من قبل السياسيين المعروفين بخطاباتهم اليمينية المتشددة.
ويظهر ذلك بشكل أكبر في دول مثل هولندا، والدنمارك، وفرنسا، والسويد، وألمانيا، وبلجيكا حيث يُعرف حزب “المصلحة الفلمنكي”، الشهير بسياساته العنصرية واليمينية المتطرفة، باستهدافه المستمر للمجتمع المسلم في البلاد.
ففي الأيام العشرة الأولى من شهر الصيام وحدها، نشر فيليب ديوينتر، وهو أحد أبرز قادة الحزب، أكثر من 20 منشورا على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي، تحوي عبارات اعتبرت معادية للإسلام.
ومن ضمن المنشورات التي روجها ديوينتر، احتجاجه على توزيع بلدية مدينة أنتويرب، وجبات سحور على المسلمين، وقال في منشوره الذي وصف بالتحريضي والاستفزازي “شواء في رمضان، والقائمة تضم لحم خنزير ومشروبات كحولية”.
أما في هولندا المجاورة فقد أعلن زعيم حزب الحريات المعروف بموقفه المعادي للمسلمين، غيرت فيلدرز، مطلع رمضان، عزمه على تنظيم مسابقة للرسوم الكاريكاتيرية بعنوان “سيدنا محمد” أمام مبنى البرلمان الهولندي، ليضع بصمته في حركة وصفت بأنها “محاولة لاستفزاز المسلمين مجددا”.
ولأن فن الكاريكاتير، بالذات، يشكل وسيلة استفزازية مباشرة وتنتشر على نطاق أوسع بين الأوساط الشعبية المسلمة، فقد نشرت مجلة “شارلي إيبدو” الفرنسية الساخرة، والتي سبق أن كانت هدفا لعملية إرهابية دموية، صورة كاريكاتيرية على الغلاف الأسبوع الماضي، لرئيسة اتحاد الطلبة بجامعة السوربون، ريم بوجيتو، كونها مسلمة ومحجبة، تتضمن ما اعتبر إهانة وعنصرية، عبر رسمها على شاكلة قردة.
كما استهدف يان جونسون، المدير السابق لمجلة “سامتيدن” الواجهة الإعلامية للحزب الديمقراطي الاشتراكي السويدي اليميني المتطرف، المسلمين خلال شهر رمضان عبر رسوم كاريكاتيرية.
وعبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي، نشر جونسون، رسوما كاريكاتيرية مهينة للمسلمين، أحدها يحتوي على مجموعة أطفال يرمون طفلة بالحجارة، والأخرى لشخصين يرتديان ملابس عربية تقليدية، ويجلدان آخر مرفقة بعبارة “أنا وأبي في العمل”.
اليمين الأوروبي المتطرف يركز على المناسبات الدينية الإسلامية ليصعّد من خطابه التحريضي والاستفزازي ضد المسلمين والجماعات التكفيرية تعمد على استغلال العطل والأعياد المسيحية لتنفيذ عمليات إرهابية دموية
وبقصد التخفيف من حدة هذه الأمور التي تعتبرها الأوساط الإسلامية إهانات صريحة، يذهب بعض المحللين الأوروبيين إلى أن مسلمين كثيرين يتعاملون مع هذه الأمور بـ”حساسية مبالغ فيها عادة، وذلك لمجرد أنها تزامنت مع شهر يخص عبادة المسلمين”.
كما أن هؤلاء المحللين لا يربطون، بالضرورة، بعض القرارات الحكومية الأوروبية بنوايا تمييزية مبيتة ضد المسلمين، وعزوا ذلك لترتيبات إدارية بحتة، تتعلق بخصوصية هذا البلد الأوروبي أو ذاك مثل ما أثير حول تصريح وزيرة الهجرة والاندماج الدنماركية إنغر ستويبرغ، والمكلفة بتوفير الانسجام بين أطياف المجتمع في البلاد، والتي قالت فيه “يجب على المسلمين الصائمين أخذ إذن من أماكن عملهم لتجنب الإضرار بالمجتمع الدنماركي”.
وفي المقابل، فإن نفس القدر من البيانات والدراسات والتقارير الإعلامية تقريبا، تشير إلى أن شهر رمضان، ومنذ سنوات، يعدّ “الموسم المثالي” لدى الجهاديين لارتكاب المزيد من الجرائم الإرهابية في حق المدنيين والعزل والأبرياء في أوروبا وغيرها، متسلحين في ذلك بفتاوى تكفيرية تمجد الجهاد في هذا الشهر الذي يتفق جميع المسلمين على تسميته بـ”شهر الرحمة والغفران”.
ويقارب أحد المحللين السياسيين بين الجماعات الإسلامية التكفيرية والأوساط اليمينية المتطرفة في أوروبا، مشبها الجماعتين بـ”وحشين مسعورين دمويين يتنافسان في التصعيد باتجاه المزيد من زرع العنف والحقد والكراهية” خالصا إلى أن هذا الأمر ما هو إلا “تكريس لقناعة مفادها أن لا أمل في الجنوح نحو السلم الاجتماعي، والتفهم والاعتدال والقبول بقيم التعايش والتسامح”.
يركز اليمين الأوروبي المتطرف على المناسبات الدينية الإسلامية ليصعّد من خطابه التحريضي والاستفزازي ضد المسلمين، كما تعمد، في المقابل، الجماعات التكفيرية على استغلال العطل والأعياد المسيحية لتنفيذ عمليات إرهابية دموية أوقعت الكثير من الضحايا، وخلفت المزيد من الأحقاد والجراح النفسية.
الأمثلة عديدة وتتكرر خصوصا في مواسم ومناسبات ذات دلالات رمزية كما حصل في ألمانيا عشية أعياد الميلاد، وذلك من أجل إيصال نفس الرسالة المتضمنة لأفكار العنف والكراهية.
ويرى مراقبون أنه لا مؤشرات إيجابية على توقف هذه الموجات، معللين ذلك بمنطق الفعل وردة الفعل، لكن هنا يصبح البحث عن “البادئ والأظلم” ضربا من العبث ومضيعة الوقت.
وفي هذا الصدد، يكاد يضع المراقبون والمتخصصون في شؤون الجماعات المتطرفة بشقيها اليميني الأوروبي المتعصب، والإسلامي التكفيري المتشدد، جدولا متوازي الخانات، يوضع في كل قائمة ما يقابلها من أعمال عنف لدى الطرف الآخر، وإن كانت التقارير المتعلقة، ترجح دائما غلبة رصيد الجماعات الإسلامية من حيث نسبة العنف والدموية، وهو أمر تهتم بشأنه مراكز بحوث متخصصة من حيث الدراسات المقارنة في المجالات السوسيولوجية والثقافية.
في السنوات الأخيرة، يكاد لا يوجد بلد أوروبي إلا وضرب الإرهاب عمق مدنه وبلداته، ويكاد لا يخلو هذا البلد نفسه، من جماعات يمينية متطرفة استهدفت وتستهدف مسلمين آمنين. ومن هذا المنطلق فإن عملية البحث عن أسباب التطرف ينبغي لها -حسب الخبراء- أن تكون مزدوجة، طويلة وشاقة، ويجب أن تتم بالتوازي والتنسيق بين أوروبا والعالمين العربي والإسلامي، دون تبادل تلك الاتهامات التي لا تجدي نفعا، ومن شأنها أن تصب الزيت على النار، وتخدم مصالح المعسكرين الذين ينهلان من نبع واحد اسمه معاداة الآخر. وكما يقول مثل هندي قديم “إن طالت الحرب بين طرفين فتأكد أن الاثنين على خطأ دائم”.