من يوقظ الصائمين في المغرب لموعد السحور بعد “النفار”
“النفار” في المغرب أو المسحراتي كما يقال له في المشرق العربي، بدأ يفقد قيمته في ليالي رمضان، فبعد أن كان يعلن بمزماره عن بداية رمضان، ويوقظ الصائمين كل ليلة متجولا بين الأزقة والأحياء، ويعلن أيضا عن يوم العيد حيث يتبعه الأطفال بزينتهم وفرحهم، أصبح وجوده نادرا في المدن المغربية بفعل الحياة المعاصرة والوسائل التكنولوجية الحديثة.
قبل رمضان بأيام، وكما تستعد ربات البيوت بنشاطهن المعتاد لهذا الشهر، ينهمك النفار في مسح صوره النحاسي الطويل، أو تنظيف “الزرنة”، وهي عبارة عن مزمار خشبي ذي صوت عال مازال يحضر للعزف به في الأفراح والأعراس الشعبية ببلدان المغرب العربي، ليطوف في آخر يوم من شهر شعبان معلنا عن بداية شهر الصيام، ويطمئن الصائمين من أن لا خوف خلال الشهر من الإغراق في نوم عميق إلى صباح اليوم التالي، فيفوتهم السحور وهي الوجبة التي يستند عليها المغاربة لمقاومة يوم كامل من الصيام.
ومن النفارين العازفين على آلة “الزرنة” من يتخذ له مرافقا يدق على الطبل أو الدف في رحلته بين دروب المدينة القديمة فتجمع النغمات الصبية من حوله يرقصون ويصفقون، وبينما النفار يعزف بمزماره ينشط أبناء الدرب بالرقص وترسل له النساء مع أولادهن ما تيسر مما أنجزنه من حلوى الشباكية والمخرقة و”سليلو” وغير ذلك مما أعددنه من مؤونة لشهر الصيام.
ومن النفارين القلائل الذين مازالوا يوقظون الصائمين في المغرب، “السي مختار” الذي يقول إنه مع بداية كل رمضان يتفرغ لمهمة “النفارة” ويترك تجارته لفعل الخير، وحبا في هذه المهنة التي بدأت تنقرض رغم أنها من العادات الرمضانية الجميلة، مؤكدا أن مهنته تحتاج إلى “الجهد والقوة وسلامة الصحة والنفس الطويل” خصوصا إذا كانت آلة النفير صورا نحاسيا ثقيلا ، كالذي كان يعتمده أيام شبابه، أما اليوم فهو في منتصف عقده السادس يكتفي بمزماره الخفيف الرشيق.
ومع تقدم السي مختار في السن، ونظرا لنفور الناس من صوت صوره القوي والذي أصبح مصدر إزعاج للصائمين والأطفال النائمين، صار يعتمد على مزماره الخشبي المهذب الصوت، الذي يوقظ به الناس في هدوء، ويعلق مثنيا على آلة الزرنة، بأنها آلة يحب نغماتها الناس خاصة أنه يعزف بها أغاني شعبية ومدائح نبوية محببة.
إن الصيام بلا وجبة سحور يكون صعبا على الصائم طيلة يوم كامل خاصة إذا كان الفصل حارا كما رمضان في هذه السنة الذي أتى في بداية الصيف، يقول إبراهيم الغرباوي من سكان مدينة الرباط، “المغاربة، خصوصا منهم أولئك الذين يبذلون جهدا جسديا في أعمالهم اليومية، مثل البنائين والحدادين والميكانيكيين، يحتاجون إلى وجبة السحور لتسندهم خلال يوم عملهم وتمنحهم المزيد من الطاقة في هذا الجو الحار، لذلك مازال للنفار دوره المهم في إيقاظ الناس بنغماته الجميلة”.
ويقول الغرباوي، “رغم أن الناس أصبحوا يعدلون هواتفهم الذكية ومنبهاتهم على موعد السحور، إلا أن مرور النفار في الحارة يبعث السرور في النفوس، ويعطيهم أهمية بموعد سحورهم الذي يختارونه حسب رغباتهم”.
ولع السي مختار بإيقاظ الناس في ليالي رمضان لتناول وجبة السحور، لا يعني أنه يتلقى أجرة مقابل التزامه طيلة ثلاثين يوما بالتجول في الحارات في ساعة محددة، بل يفعل ذلك إحسانا ورغبة في أجر من عند الله.
يقول السي مختار إنه يقوم بهذا العمل الخيري مجانا منذ سنين، ولا يستفيد سوى بما تمنحه إياه سيدات البيوت الكريمات ليلة مطلع شهر الغفران، أو تلك الهدايا التي يقدمها له الناس ليلة السابع والعشرين من رمضان، والتي تكون عبارة عن هدايا عينية؛ مؤونة وحلويات، ونادرا ما تكون نقودا، فالأساس عند النفار هو حرصه على الحصول على الأجر من الله، والوفاء لمهنة تراثية تاريخية. ويؤكد، أنه رغم الوسائل التكنولوجية الحديثة التي يستعملها الناس ليستيقظوا في موعد السحور، يبقى لـ”النفار” دوره الفني التراثي الثقافي الذي يصل أجيال اليوم في المغرب بأجيال الماضي.
رغم أن النفار الذي يحبه كبار السن وينتظره الأطفال الصغار في ليلة عطلتهم المدرسية ليكتشفوا معه أسرار الحارة ليلا، بدأ يفقد مكانته، فإن هناك العديد من العادات التي تعود بعودة شهر الصيام، خاصة منها لمة العائلة على مائدة الإفطار على وجبات تقليدية كـ”الطاجين” و”الحريرة” التي يحبها الجميع ولا يتنازلون عنها تعويضا لوجبات المطاعم السريعة التي فرضها نمط الحياة المتسارع خاصة في المدن.
ومن العادات الرمضانية التي لا يتنازل عنها المغاربة في رمضان، الحلويات التقليدية والسهرات العائلية ولقاء الأصدقاء في المقاهي حتى موعد السحور.