المغرب: الحكومة تختار الاصطفاف بجانب شركة للحليب وتدعو المواطنين إلى عدم مقاطعة منتجاتها

Jun 02, 2018

بروكسيل :«حكومة سنترال» هو اللقب الذي أطلقه عدد من المعلّقين على الحكومة المغربية، في إشارة إلى اسم الشركة الفرنسية التي يقاطع المواطنون المغاربة منتجاتها منذ أكثر من شهر، وذلك بسبب اصطفاف الوزراء بجانب الشركة موضوع المقاطعة، وتحوّلهم إلى ناطقين باسمها، وعدم استجابتهم للمطالب الشعبية بمراجعة أثمان المواد الاستهلاكية.
وفي الوقت الذي تعدد فيه حكومة سعد الدين العثماني بعض خسائر الشركة المعنية، وتدعو المواطنين إلى الكفّ عن مقاطعة منتجاتها، تتنامى الدعوة إلى الإسراع بإسقاط هذه الحكومة، من خلال عريضة إلكترونية منتشرة عبر المواقع وشبكات التواصل الاجتماعي، وذلك بسبب «اعتماد سياسة تفقير الشعب وضرب القدرة الشرائية، والاستمرار في إهانة الشعب عبر تصريحات صحافية متتالية».
وأصدرت الحكومة المغربية، عشية أول أمس الخميس، بلاغا أوضحت فيه أنها تابعت باهتمام بالغ تطورات مقاطعة مادة الحليب والتي تميزت أساساً بقرار الشركة المعنية تقليص كمية الحليب التي تقتنيها من تعاونيات الحليب بنسبة ثلاثين في المئة، وما لذلك من تأثيرات على الفلاحين والقطاع الفلاحي، حيث صدرت عن العديد من تعاونيات الحليب ومن المهنيين ردود فعل عديدة تطالب فيها بتدارك الموقف، بالإضافة إلى وجود تأثيرات سلبية على مستوى التشغيل (العمل) في الشركة المعنية وفي تعاونيات الحليب المرتبطة بها.
وأكدت الحكومة أن قطاع الحليب يكتسي أهمية كبيرة في المنظومة الاجتماعية والاقتصادية في المغرب، لأنه يهم شبكة من المتعاملين مع الشركة المعنية يصل إلى 120000 فلاح ومعهم أكثر من 600 ألف من أسرهم وعائلاتهم.
واعتبر البلاغ أن استمرار المقاطعة من شأنه أن يلحق الضرر الجسيم بتعاونيات الحليب والمنتجين المنضوين فيها، وأغلبهم فلاحون صغار، وبالنسيج الاقتصادي المغربي في هذا القطاع وفي قطاعات مرتبطة به. وأضاف أن استمرار المقاطعة قد تكون له تأثيرات سلبية على الاستثمار المحلي والأجنبي وبالتالي على الاقتصاد المغربي.
وقالت في بلاغها إنها حريصة على القيام بمبادرات تهدف إلى تحسين القدرة الشرائية للمواطنين وحزمها في مراقبة السوق وجودة المنتجات، والتصدي للمضاربين والمحتكرين. وناشدت المواطنين والمواطنات «تقدير دقة الموقف والعمل على تفادي المزيد من الضرر للفلاحين والقطاع الفلاحي، والاستثمار الوطني عموما».
وأفاد مصطفى الخلفي، الوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، أن سعد الدين العثماني رئيس الحكومة أجرى اتصالات هذا الأسبوع مع القطاع المعني، وطلب عقد اجتماع مناقشة في البرلمان حول الموضوع، «لأنه بالنسبة لنا هذا موضوع ليس بالسهل ونحن واعون بالتحديات التي يطرحها علينا كحكومة» يقول المسؤول المذكور.

تسريح العمال!

وكانت شركة «سنطرال – دانون» قد قررت الاستغناء عن ما يقارب 900 عامل تابع لها، وذلك بسبب تداعيات حملة المقاطعة التي كبدت الشركة خسائر كبيرة وتسببت في تراجع رقم معاملاتها. وجاء الإعلان عن ذلك الخبر في برنامج إذاعي الأربعاء المنصرم، من طرف نائب مدير المشتريات الناطق الرسمي باسم الشركة المذكورة، حيث كشف أن الشركة اتخذت «قرارات مؤلمة»، أولها إنهاء عقود عمال تابعين للشركة، والثاني التراجع عن إقرار التغطية الصحية لصغار الفلاحين البالغ عددهم 20 ألفاً. وقال المسؤول نفسه إن هامش الربح في منتجات الحليب ضئيل، مضيفاً أن الثمن لا يمكن تخفيضه حالياً بسبب ما سمّاه «ارتفاع تكاليف الإنتاج».
وفي السياق نفسه، قال لحسن الداودي، الوزير المنتدب المكلف بالشؤون العامة والحكامة، إنه حان الوقت أن يكف المغاربة عن مقاطعتهم لحليب «سنطرال» التي تسببت في الإضرار بالفلاح وأصحاب التعاونيات وكذا بعمال الشركة الفرنسية التي قامت بتسريح حتى الآن 900 عامل من وحداتها الصناعية.
وأوضح في حديث تلفزيوني للقناة الأولى المغربية مساء الخميس، إنه ليس ضد حرية التعبير التي يكفلها الدستور للمغاربة، لكنه يرى من الواجب التحذير من تبعات هذه الحملة «التي تضر بالبلاد ككل وليس فقط الشركة الفرنسية المستثمرة»، مشيراً إلى أن هذه الأخيرة تبيع بأسعار شركات الحليب الأخرى، ولم تقم بأي زيادة، ما يجعلها حملة غير مبررة، حسب الداودي الذي أكد ان أرباح الشركة لا تتعدى 0,9 في المئة، في الوقت الذي تتجاوز أرباح شركات أخرى 24 في المئة. وأضاف المسؤول الحكومي أن «المقاطعة» تسببت بالفعل في مشكلة كبيرة في البلاد، نافيا أن تكون هناك أي زيادة في الأسعار في المواد الأساسية، عكس ما تروّجه بعض الأخبار «الزائفة» في رأيه.
وقال الداودي «أخاطب ذوي النيات الحسنة ومَن يحبون بلادهم أن يتحلوا باليقظة وعدم تصديق كل ما يروّج عن ارتفاع الأسعار… وأنه حان الوقت لأن تتوقف مقاطعة شركة (سنطرال) لتجنيب الضرر للفلاحة وللاستثمار».

ردود فعل غاضبة

تصريحات ومواقف خلفت ردود فعل ساخطة في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث وصف الباحث المغربي إدريس الكنبوري بلاغ الحكومة حول المقاطعة بـ«البائس»، لأنه ـ برأيه ـ يكشف العجز عن التصرف السليم وغياب الحنكة السياسية. وأضاف قوله: «ليس دور الحكومات الدفاع عن الشركات أمام المواطنين بل أمام المنافسة الأجنبية إن كانت فعلا حريصة على مسمّى الاقتصاد الوطني». واعتبر أنه ما زاد الطين بلة تصريح الوزير لحسن الداودي الذي قال إن شركة سنطرال لا تربح سوى 0.9 في المئة وأن هناك شركات تربح 25 في المائة. إذا كان هذا صحيحا فلماذا لا تتخذ قرارات سياسية لضبط السوق وحماية المستهلك؟ أم أن الحكومة تريد رفع المقاطعة عمن يربح القليل ومقاطعة من يربح الكثير؟.

الحكومة تحولت الى ناطق باسم الشركة

وقال الكاتب والإعلامي عادل الزبيري إنه يتوجب على الحكومة أن تنتصر لأصوات الناخبين، لأنها حكومة سياسية، أما أن تتحول لناطق رسمي باسم أي شركة فهذه مقاربة أثبت زيادة لا شعبية هذه الحكومة. كما تساءل الزبيري: لماذا تدافع الحكومة أولاً عن شركة الحليب، وتتعامل برؤية ثانوية للمستهلك المغربي؟ إذا أفلست الشركة المُقاطَعة، ألن تستفيد الشركات المنافسة وفق قانون السوق؟
وجاء في تدوينة الصحافي جمال اسطايفي: «يملك لحسن الداودي وزير الحكامة «سنطيحة» (جبينا) من فولاذ، فقد جاء الرجل إلى بلاتو الأخبار في القناة التلفزيونية الأولى، ليقول إن المغاربة يخربون بيوتهم بأيديهم، في إشارة منه إلى الخطوة التي أقدم عليها جزء كبير من المغاربة بمقاطعة منتجات شركة سنترال دانون. الداودي قال أيضا إن صورة المغرب ستتضرر جراء خطوة المقاطعة، لأن الشركات الأجنبية على حد قوله ستخشى الاستثمار في بلد يقاطع فيه مواطنوه الشركة بدون سبب، وأن المتضرر الأكبر هم الفلاحون الذين يزودون الشركة بالحليب، قبل أن يشير إلى أن ارباح سنطرال دانون لا تتجاوز 0.9 في المئة، وأن الشركة سرحت ألف عامل.» وأضاف المدوّن نفسه: «في برنامج «زيرو ميكا» (حملة محاربة أكياس البلاستيك) الذي أغلق شركات لصناعة البلاستيك وقطع أرزاق العديد من المغاربة، وجعل آخرين على حافة الهاوية، لم نسمع صوتا للداودي، أو غيره من وزراء الحكومة، فهل ضحايا ذلك البرنامج ليسوا مغاربة!؟ من المعيب أن يتحول وزير في الحكومة إلى ناطق رسمي باسم شركة أجنبية، بدل أن يصطف إلى جانب مواطن اختل ميزان قدرته الشرائية».
وكتب الناشط السياسي سفيان خليهن (من حزب «الأصالة والمعاصرة» المعارض) أن الداودي يدافع عن شركة «سنطرال»، وتساءل: ألا يوجد من بين 40 مليون مغربي من يستطيع تسيير شركة وطنية لإنتاج الحليب؟
وأثار العديد من الكتابات المفارقة التي أبانت عنها الحكومة في التعامل مع الشركات، حيث تبدو متوجسة حيال مستقبل العاملين بشركة سنطرال المهددين بالتسريح، في حين لم تصدر ولو بلاغاً صحافياً واحداً، تطمئن فيه العاملين بشركة البلاستيك ولاسامير الذين تم تسريحهم، وسخروا من هذا الكيل بالمكيالين، معتبرين أن عدداً من المسؤولين الحكوميين يجسدون نوعاً من «البرّ بالوالدة التي أرضعتهم» في إشارة إلى فرنسا. وكتب أحدهم: «إذا أعلنت شركة سانطرال الإفلاس ورحلت إلى باريس، فلا تنس أن تأخذ معها الوزير لحسن الداودي!».

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: