نواكشوط على خطى الرباط في إبطال الخطط الإيرانية بالمنطقة
طريق إيران إلى موريتانيا محفوفة بالمعارضة، ومخطط مزدوج، ومصالح استراتيجية واستمالة الموريتانيين لأطروحة البوليساريو.
الرباط – انكشاف الوجه التوسعي للمشروع الإيراني بمنطقة شمال أفريقيا جعل من بلدانها تتحيّن الفرصة لتضييق الخناق على أذرعها المتعددة. وسبق أن دشن هذا التوجه المغرب في العام 2009 عندما قطع علاقاته الدبلوماسية مع طهران، ليعيدها في العام 2014. لكن، عاد وقطع العلاقات في مايو 2018، بعد ثبت أن حزب الله ذراع طهران السياسية والعسكرية تربطه علاقات وثيقة مع جبهة البوليساريو.
وبعدما أربكت الرباط خطط طهران التوسعية بالمنطقة والتي بدأت خيوط مؤامراتها تتوضح جاء دور نواكشوط لتتخذ ما تراه مناسبا من أجل صد الخطر الإيراني. واستدعت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الموريتانية، الأربعاء 30 مايو 2018، السفير الإيراني محمد العمراني وأبلغته بأن السلطات الموريتانية لم تعد تقبل بأي نشاط تقوم به السفارة أو جهات مرتبطة بها من أجل تبديل مذهب المجتمع الموريتاني أو عقيدته.
ومن الإجراءات التي اتخذتها السلطات الموريتانية غلق مجمع علي بن أبي طالب بمقاطعة دار النعيم كما أمهلت القائمين عليه أسبوعا لمغادرة المكان الذي ستتم مصادرته بشكل نهائي من طرف وزارة التوجيه الإسلامي، وتمت أيضا مصادرة كتب شيعية بمطار نواكشوط قبل أشهر من الآن كانت في طريقها إلى الحسينيات المنتشرة سرّا داخل موريتانيا.
ويؤكد تعامل المغرب وموريتانيا حاليا مع تزايد النشاط الدعوي والسياسي والعسكري أنه بموازاة القوة العسكرية والنووية التي تتملكها طهران هناك سلاح لا يقل فتكا متمثلا في الأيديولوجيا والخطاب الديني الذي تلعب عليه دعما لمواقفها وتدخلاتها.
استهداف المجتمع الموريتاني
كشف رئيس حزب الإصلاح الموريتاني محمد ولد أحمد طالبن عن تزايد النشاط الإيراني مؤخرا داخل موريتانيا، واستهداف المجتمع السني المالكي في البلاد، بالإضافة إلى التأثير على الأقلية المتشيعة، وذلك من خلال إنشاء الكثير من الحسينيات، وأصبحت تظهر معالم الاحتفالات صراحة بمواسمهم الدينية مثل عاشوراء.
وتزايدت الضغوط التي مارستها شخصيات سياسية ودينية وحقوقية على السلطات لقطع العلاقات مع إيران كان من بينها مفتي موريتانيا وإمام المسجد الجامع بنواكشوط أحمدو ولد لمرابط ولد حبيب الرحمن الذي دعا في خطبة حضرها الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز وحكومته إلى قطع هذه العلاقات، وإغلاق السفارة الإيرانية في نواكشوط، مشددا على أن “على الرئيس الموريتاني أن يقطع هذه العلاقات لأن ذلك مطلب جماهيري”، داعيا في الوقت نفسه إلى وقف المد الصفوي الفارسي الشيعي.
وجاء قرار نواكشوط ضمن السياقات الدولية المعقدة والتي تعمل على عزل طهران وإعادتها إلى المربع الأول الذي كانت عليه إقليميا قبل غزو العراق، في المقابل تسعى إيران من خلال أعوانها داخل المؤسسات وخارجها بنواكشوط والجزائر إلى تحقيق نفوذ تضغط به على أحقيتها في دور إقليمي لا يقتصر فقط على تواجدها في سوريا واليمن والعراق بل يتعداه إلى منطقة شمال وغرب أفريقيا لإحكام الدائرة من مضيق هرمز إلى مضيق جبل طارق.
إصرار طهران على إتمام أجندتها التوسعية بشمال أفريقيا جعلها تلاعب المغرب من بوابة الجنوب، والواضح أنها كانت ولا تزال تراهن على استدراج الرباط إلى أتون حرب تتدخل من خلالها بالسلاح والعتاد والمال لدعم البوليساريو وضمان تحالف مع نظامي الجزائر وموريتانيا اللذين يمران بأزمة سلطة وخناق اقتصادي واجتماعي يزداد تضييقا على السلطة هناك. ويرى صناع القرار هناك في إيران رقما يمكن الإفادة منه دون التنبه إلى أن إيران تلعب نفس اللعبة بمقاييس أكبر وأدق سياسيا وعقديا.
وحاولت إيران التأثير على صاحب القرار الموريتاني الذي بدا ضعيفا في التصدي لتغلغلها عبر أدوات القوة الناعمة والهدف هو الضغط على المغرب من خلال قضية وحدته الترابية بإمالة الموريتانيين إلى أطروحة الانفصاليين وترك مربع الحياد السلبي.
وما يقع في سوريا ولبنان من خلال حزب الله واليمن عبر الحوثيين وتدخل طهران المباشر وسيطرتها على القرار السياسي بالعراق لهو الدليل العملي على استدعائها كل ما هو ممكن من أجل التمكن والتوسع وإنجاح مشروعها الكبير والبعيد المدى في دول كموريتانيا والجزائر، مستغلة سلوك الطريق السري في التغلغل من بوابة التدين وما تضخه من أموال ودماء خدمة للهيمنة، ومن ثم فما ارتكزت عليه الخمينية يجب على هذه الدول نسفه من خلال المراقبة والتضييق على أي تدخلات مشبوهة تحت أي اسم أو علامة تجارية حتى لا تضطر دول المنطقة ككل إلى أداء ضريبة الخطأ.
لقد أرادت طهران تطوير علاقاتها بنظام محمد ولد عبدالعزيز وإدخال بلده ضمن مجالها الحيوي الممتد من موريتانيا حتى النيجر وليبيريا ونيجيريا وإلى حدود المغرب شرقا وجنوبا بعدما اخترقت الجزائر.
موقف نواكشوط
مع موقف نواكشوط الأخير من نشاطات السفارة الإيرانية، ستعمل طهران على توليد شروط أخرى للضغط على نظام محمد ولد عبدالعزيز خصوصا وأن لاستخباراتها علاقات وثيقة وامتدادات داخل جماعات جهادية ناشطة بالمنطقة كان من نتائجها تسليم طهران لأبي حفص الموريتاني لنواكشوط.
على هذا الأساس نقرأ تحذير السلطات الموريتانية لسفارة طهران في بعدين أساسيين، الأول تعدي الإيرانيين لنقاط حمراء تخص عدم المساس بعقيدة الموريتانيين السنية، وكان الرئيس محمد ولد عبدالعزيز قد فصل فيها عندما زار طهران في يناير من العام 2010 في زيارة رسمية التقى خلالها كبار المسؤولين في البلاد.
والبعد الثاني، يتعلق بالضغوط الداخلية على النظام لقطع علاقات بلادهم مع نظام الملالي زائد ضغوط عربية وغربية لكبح جماح الإيرانيين لاستغلال هذا البلد ذي الأهمية الاستراتيجية في استقرار منطقة شمال أفريقيا والساحل والصحراء، خصوصا وأن هناك أجندة ترى أن إنجاح اتفاق باريس الذي وقعه أطراف النزاع بليبيا يحتاج إلى بيئة آمنة لا يمكن لإيران أن تكون سببا في حرقها بهدف استباق التهديدات التي وجهها بومبيو لها بفرض “العقوبات الأقسى في التاريخ”.
التشيع وصل إلى #موريتانيا وعبر شيرازية تعد الأكثر غلوا. قلناها مرارا وتكرارا أن #المغرب_العربي في مرمى نيران #إيران
تحليل هذا الوضع يتماشى مع ما أوضحه العضو في مجلـس النـواب المحامي محمد ولد أحمد سالم، في أن قطع العلاقات مع طهران سيحافظ على أمن واستقرار ووحدة موريتانيا، وقطع الطريق أيضا أمام مسعى إيراني لنشر التشيع في مجتمع موحد حول المذهب المالكي السني.
وما دامت إيران قد حسمت موقفها باعتمادها القوة والبراغماتية في تصريف شؤونها الداخلية والخارجية فكان من الضروري على الدول المنافسة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والدول ذات المصلحة امتلاك نفس اللغة المتمثلة في القوة الشاملة والنظرة الواقعية للمصالح لجعل علاقتها مع إيران يطبعها التوازن الاستراتيجي، وهذا ما كان للمغرب عندما قطع علاقاته مع طهران من موقع قوة امتياز المعلومات عندما علم بمخططات الإيرانيين على مدى سنوات وحذر من مشروعهم التوسعي وعدم الركون إلى اللامبالاة لدفع هذا الخطر الداهم.