السهرات الرمضانية في المغرب تزهو بالمكسرات
وأكثر المكسرات إقبالا عليها في شهر الصيام، الجوز بنوعيه البلدي والرومي، والبندق، واللوز، والسمسم والكاكاو وجوز الهند، وشرائح التين والمشمش المجفف، والزبيب، وقمر الدين، والتمر بأنواعه.
يقصد بقالة سليم (25 سنة) التي تقع في مكان منزو من شارع النهضة بالرباط الكثير من الزبائن، لسببين الأول للمعاملة الطيبة التي يلقونها من سليم وأخويه، وثانيا لاعتدال أسعار سلعه في الوقت الذي ترتفع فيه أسعار المكسرات في أغلب بقاليات المدينة، لكثرة الطلب عليها في رمضان، واستغلال بعض التجار موسم الصيام لجني أكبر الأرباح الممكنة متذرعين بجشع المضاربين، الذين يرفعون أسعار المكسَّرات في رمضان.
يبيع العلمي الكيلوغرام من اللوز الرومي المحمص بـ120 درهما (الدولار يساوي 9.3 درهم) والجوز بـ125 درهما واللوز المحلي بـ110 دراهم، و40 درهما للسمسم والكاكاو بـ35 درهما.
الميزة الأهم التي يهتم بها زبائن العلمي هي نظافة البضاعة وحسن تخزينها، فالمكسرات إذا لم تخزن في مكان معرض للهواء ستتعفن في وقت قصير، وتسبب لمن يتناولها تسمما، وعوارض صحية سيئة.
يقول العلمي لـ”العرب” بعد أن فرغ من عمله، وكان مشغولا بتهيئة المطحنة التي يتم بها طحن التوابل والمكسَّرات خلال يوم طويل من العمل، “إنَّ العمل يتضاعف في رمضان إلى أربع مرات عما في الشهور الأخرى”. وبالتالي فإن الأرباح التي يحصل عليها حرفيو المطاحن تجعلهم يوسعون بها عملهم وتمكنهم من شراء أنواع جديدة من المكسَّرات لليلة القدر التي تأتي في الثلث الأخير من شهر رمضان، والتي يحتفل فيها المغاربة بالإنفاق على المكسّرات والفواكه الجافة والتمور، ويزداد كذلك الإنفاق على إعداد الحلويات بمناسبة عيد الفطر.
ويضيف العلمي ضاحكا، “على التاجر الشاطر أن يحسب لكل شيء حسابه، ويلبي رغبات زبائنه”، فالزبون في نظره “ملك” ينبغي احترام رغباته، بأن تقدم له البضاعة التي يحتاجها بلياقة وبأسعار معتدلة حتى ينال رضاء الله أولا في هذا الشهر المبارك ورضاء الزبائن ثانيا.
عادل الربح، عضو في جمعية الدفاع عن حقوق المستهلك (جمعية مدنية)، يقول لـ”العرب” عن أوضاع سوق المكسَّرات في رمضان الحالي بالمغرب، “الأسعار هذا العام بالمغرب معتدلة، ولم تقفز كالأعوام السابقة، وقد استورد المغرب في هذا العام من إسبانيا والصين أكثر من ثلاثين ألف طن من المكسَّرات والفواكه الجافة، لتغطية المتطلبات في رمضان.
وكذلك يعود الفضل إلى زيادة الإنتاج الوطني، فالإنتاج الوطني للجوز في الأشهر الخمسة الماضية كان أكثر من عشرة آلاف طن، والكمية تغطي الحاجة المحلية. كما ازداد إنتاج الكاكاو عن المعدل بمنطقة القنيطرة في شمال الرباط، ومدينة العرائش، التي تعتبر المصدر الرئيسي لهذا المنتوج في البلاد، وارتفع كذلك إنتاج اللوز البلدي عن المعدل بمقدار الربع من تارودنت والجنوب المغربي”.
ويضيف الربح قائلا، “ولا يمكن أن ننسى نشاط فرق المصالح الوطنية بالدار البيضاء والرباط وبقية المدن، التي تتابع عن كثب الأسعار التي يحاول بعض المضاربين رفعها دون مبرر غير جشعهم لجني أكثر الفوائد في هذا الشهر المبارك. ودورنا كجمعية يتلخص في متابعتنا لأحوال الأسواق بهدف حماية المستهلك من جشع المضاربين، ومتابعة النوعية والجودة والأسعار”.
تقول سناء سقالي (35 سنة) موظفة لـ”العرب” عن أهمية المكسّرات في شهر الصيام بالنسبة إلى أسرتها، “لم أستطع تحضير حلوى السلو لأسرتي بمناسبة رمضان، لكونها تتطلب جهدا ووقتا في التحضير. واكتفيت بشراء ثلاثة كيلوغرامات منه جاهزة من بقالة تقع بمركز مدينة الرباط، والكيلوغرام بـ120 درهما، وهو ثمن مرتفع، يرهق ميزانيتنا، لكن الحلوى من النوع الجيد، والكمية ستغطي احتياجاتنا طوال الشهر المبارك.. ورمضان بلا سلو ومكسّرات ليس برمضان، وهما تسلية وغذاء، كما تقول ابنتي أمينة (16 سنة)، أما زيد ولدي (13 سنة) فهو يفضل عند الإفطار تناول الشباكية، وسعر الكيلوغرام منها حاليا 40 درهما، أما زوجي معاذ (40 سنة)، فإفطاره اليومي في رمضان يبدأ بالسلو وكعب الغزال والكيلوغرام منه بـ90 درهما”.
الكميات الكبيرة من المكسّرات التي تُطلب في هذا الشهر من قبل العائلات المغربية لها ما يبررها، فمنها تصنع حلوى السلو، وذلك بإضافة العسل وزيت الزيتون والقرفة واليانسون وحبة الحلوى والزبدة إلى دقيق المكسَّرات بعد طحنها، وبعد ذلك يضاف إليها القليل من دقيق الحنطة المحمص.
والسلو يرافق الصائم المغربي منذ أول أيام رمضان، وحتى أيام عيد الفطر، ويتناوله المغاربة مع كأس من الحليب أو الشاي الأخضر، فهو إضافة إلى أنواع أخرى من الحلوى يفتتح بها الصائمون بالمغرب إفطارهم.
العائلات المغربية أيضا تستقبل ضيوفها في ليالي رمضان وفي صباح يوم العيد بحلوى السلو وكعب الغزال والغريبة والبريوات والشباكية وغيرها، وكل هذه الأنواع من الحلوى تدخل المكسّرات في إعدادها. ولذا فلا تكتمل بهجة ليالي رمضان في المغرب إلا بالسلو والمكسّرات.
يؤكد أنس الجراري أخصائي في شؤون التغذية المتوازنة بالدار البيضاء فوائد المكسّرات في رمضان قائلا، “من الضروري تنبيه الصائمين إلى التقليل من تناول السكريات، وأقول لهم احذروا من
الإكثار عند تناولها، وبدلا من ذلك تناولوا الفواكه الطرية والتمور والمكسَّرات. وهذه الأخيرة تخفض مستوى الكولسترول الضار، لأنها تحتوي على الأوميغا3، كما تحتوي على فيتامين “د” و”أ” اللذين يمنعان تأكسد بعض مكونات الخلايا، ويخفضان من كمية الدهون الثلاثية المسببة لأمراض القلب. وتحتوي المكسَّرات على الألياف الغذائية بنسبة 5 بالمئة منها، والتي تحد من مشاكل القولون، وبتناول خمسين غراما من المكسَّرات فإنَّها ستقي من يتناولها من الكثير من الأمراض الوعائية والسرطانية”.
ويستطرد الجراري قائلا، “ولأن المكسّرات تحتوي على الكثير من الدهون غير المشبعة، والبروتينات، والحديد والكالسيوم والفسفور والمنغانيسيوم، فهي تخفض من الضغط المرتفع للمصابين بهذا المرض المزمن. وهي غذاء مفيد لمرضى السكري من النوع الثاني، وحماية السيدات من سرطان الثدي. ومن الملاحظ طبيا أن المكسّرات لا تسبب زيادة في الوزن، لأنَّها تعطي الشعور بالشبع عند تناولها، كما أنَّ جزءا كبيرا منها لا يتم امتصاصه في الأمعاء الدقيقة والغليظة، وإنما يتم امتصاصه من قبل الدم مباشرة ويتسبب في حرق الدهون بالجسد”.
ويضيف الجراري، “لكن من الضروري مراقبة توفر صلاحية المكسّرات، وملاحظة عدم تعرض لونها للتغيّر بسبب فسادها لسوء خزنها، وتعرضها للرطوبة وسوء التهوئة أو ارتفاع درجة الحرارة، لأنَّ ذلك يسبب لمن يتناولها الحساسية والتسمم خصوصا بالنسبة للأطفال، غير أنّ مرضى الفشل الكلوي ومن يعانون من مرض فشل النخاع والاضطرابات المعوية عليهم تجنب تناول المكسَّرات”.