حملة مقاطعة الشركات الكبيرة في المغرب تجبر الحكومة على دعوتها إلى خفض الأسعار
دفعت حملة شعبية لمقاطعة موردين كبار للحليب والمياه المعبأة والبنزين في المغرب الحكومة إلى الدعوة إلى خفض الأسعار، وأجبرت ِإحدى الشركات على تقليص عملياتها.
هذه الحملة التي جرى تنظيمها سرا هي أول احتجاج جماعي من نوعه عبر الإنترنت في المغرب، الذي تحاشى انتفاضات «الربيع العربي» التي انطلقت في 2011، وإن كان قد شهد مظاهرات في المناطق الفقيرة للمطالبة بوظائف والشكوى من الإقصاء الاقتصادي.
ويشيد «صندوق النقد الدولي» بالمغرب لتحريره اقتصاده، مما ساعد في جذب استثمارات من شركات عالمية كبرى مثل «رينو» و»بوينغ» و»بومباردييه».
لكن الحملة التي انطلقت في 20 أبريل لمقاطعة منتجات الحليب والمياه والبنزين الرئيسية في المغرب مست وترا حساسا لدى كثيرين، يشكون من أنهم لم يجنوا شيئا من طفرة الأعمال.
ودعمت صفحات (فيسبوك) لأكثر من مليوني مستخدم الحملة التي لم تعلن أي جماعة سياسية أو منظمة مجتمع مدني المسؤولية عنها، ما جعلها تعبيرا قويا عن الإحباط الذي يشعر به كثيرون من المغاربة بسبب أوضاعهم.
وتقول إحدى صفحات حملة المقاطعة ان الهدف منها هو توحيد كلمة الشعب المغربي في مواجهة «الغلاء والفقر والبطالة والظلم والفساد والاستبداد».
وتستهدف الحملة محطات وقود شركة «أفريقيا» المملوكة لمجموعة «أكوا» التابعة لوزير الزراعة عزيز أخنوش، أحد أغنى أغنياء المغرب، وشركة الألبان الفرنسية «سنطرال دانون» و»مياه سيدي علي» المعبأة.
لم تعلن الشركات الثلاث كيف تأثرت أعمالها، لكن عدة متاجر للبقالة في العاصمة الرباط قالت ان مبيعاتها من ألبان ومياه الشركتين المستهدفتين قد انخفضت.
وقال صاحب متجر بقالة في الرباط يدعى يونس «منذ بدأت المقاطعة وزبائني يفضلون منتجات الألبان الأخرى».
ولم ترد «سيدي علي» ولا «أفريقيا» على طلبات للتعقيب.
وأظهر مسح أجرته صحيفة (ليكونوميست) الاقتصادية المغربية أن 42 في المئة يدعمون المقاطعة. ومن بين مؤيدي الحملة استهدف 95 في المئة منهم الحليب و78 في المئة المياه المعدنية و52 في المئة محطات بنزين «أفريقيا».
وقال وزير الطاقة عزيز رباح إن الحكومة قد تفرض سقفا لأسعار الوقود.
وحث رئيس الوزراء سعد الدين العثماني الشركات على خفض أسعار السلع الشعبية، بينما نأى بنفسه عن مسؤولين آخرين وصفوا المقطاعين بالمغرر بهم. وأقر ناطق باسم «سنطرال دانون»، كان يتحدث على شاشات التلفزيون الرسمي، بتأثر المبيعات لكنه لم يذكر تفاصيل. وخفضت الشركة سعر التجزئة للتر الحليب درهما واحدا لشهر رمضان.
وأبلغت الشركة وسائل الإعلام بالبريد الإلكتروني أنها قررت أمس بسبب المقاطعة، وعلى الرغم من خفضها المؤقت للأسعار، تقليص كميات الحليب التي تجمعها من 120 ألف مزارع بنسبة 30 في المئة.
وسيؤثر ذلك أيضا على عامليها، حيث قالت الشركة أنها ستنهي العقود قصيرة الأجل للعمالة المؤقتة، لكن دون أن تذكر رقما محددا.
وتقوم «أولماس للمياه المعدنية»، الشركة المنتجة لمياه سيدي علي، بنقل نحو 80 شخصا أسبوعيا بالحافلات لزيارة نبع مياهها في جبال أطلس لمحاولة إقناع المستهلكين بأن أسعارها عادلة بينما دعت الحكومة إلى خفض الضرائب.
وشهد المغرب بعض الاحتجاجات في 2011 أدت إلى موافقة الملك محمد السادس على إصلاحات دستورية محدودة شملت إسناد بعض السلطات إلى حكومة منتخبة، لكنه لم يمر بتجربة الانتفاضات الكبيرة التي عرفتها دول أخرى بالمنطقة.
ويروج المسؤولون للمملكة كوجهة استثمارية مستقرة، في وقت تعجز فيه تونس عن معالجة أزمتها الاقتصادية، بينما تشوب الضبابية في الجزائر بشأن الحالة الصحية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي عانى من جلطة في 2013.
لكن الاحتجاجات في بلدة تعدينية فقيرة في شمال شرق المغرب مطلع العام، وفي الحسيمة في منطقة الريف في 2016 بسبب الفساد والفقر، تشير إلى مشاعر استياء كامنة.
واستهدفت دعوة المقاطعة الشركات الثلاث كرموز لاقتصاد تهمين عليه تكتلات كبيرة مرتبطة بنخب اقتصادية وسياسية أو بشركات أجنبية.
وقال فؤاد عبد المومني الناشط المؤيد للحملة «المقاطعة تتجاوز خفض الأسعار لتصبح صرخة احتجاج على القوة الشرائية الهزيلة للمواطنين نتيجة لزواج السلطة والمال.»
ويقول محللون إن الحصص السوقية لمنتجات الشركات المستهدفة تبلغ 37 في المئة لمحطات بنزين «أفريقيا»، و60 في المئة لـ»سنطرال دانون» و70 المئة لـ»أولماس للمياه».
ويقول رشيد أوراز، الخبير الاقتصادي في المعهد المغربي لتحليل السياسات، ان تلك الشركات استُهدفت «لأنها ينظر إليها كشركات رائدة في السوق منخرطة في تثبيت للأسعار مضر بالمنافسة ويخلق احتكار قلة للسوق».
ويبلغ سعر زجاجة المياه المعدنية في المغرب ستة دراهم (63 سنتا أمريكيا) وهو ما يزيد على بعض الدول الأوروبية رغم أن القدرة الشرائية للمغاربة أقل بكثير.
وأفرزت دعوة المقاطعة تحقيقا برلمانيا في أسعار الوقود خلص إلى أنه منذ إنهاء دعم الوقود في 2015 -وهي الخطوة التي أشاد بها صندوق النقد الدولي- زادت أرباح الموزعين.
وأعلنت «توتال المغرب»، ثالث أكبر موزع للوقود في البلاد، ارتفاع الأرباح إلى 879 مليون درهم في 2016 من 289 مليون درهم في السنة السابقة. يقول إدريس الأزمي، رئيس حزب العدالة والتنمية الإسلامي المشارك في الإئتلاف الحكومي، ان جميع الموزعين «يبيعون بنفس الأسعار للمستهلكين في شتى مناطق المغرب…وهذا مضر بالمنافسة»، مضيفا أن هناك حاجة إلى هيئة تنظيمية نشطة لحماية المنافسة. وقال عبد العالي بنعمور رئيس مجلس المنافسة إن الهيئة معطلة لأن السلطات لم تعين مجلس إدارة جديدا بعد انتهاء مدة المجلس السابق في 2015 ملقيا باللوم على جماعات ضغط لم يسمها. وأضاف قائلا «في غياب مجلس نشط للمنافسة، تحرك المواطنون عن طريق المقاطعة».
ويطالب مشرعون معارضون من ائتلاف أحزاب يسارية موزعي الوقود بإعادة ما أسموه أرباحا «غير أخلاقية» قيمتها 17 مليار درهم.
(الدولار يساوي 9.52 درهم مغربي).