مؤتمر باريس يقر موعدا للانتخابات ولا يغير واقع ليبيا
وضع المؤتمر الذي عقد في باريس، الثلاثاء، حول ليبيا جدولا زمنيا لعقد الانتخابات في ديسمبر المقبل، وإطارا عاما لحل الأزمة دون أي ضمانات قانونية تلزم أطراف الصراع باحترام ما تم الاتفاق عليه.
وأعلنت الأطراف الأربعة الرئيسية في النزاع الليبي، التي اجتمع ممثلون عنها مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس الثلاثاء، التزامها بالعمل معا لتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية في العاشر من ديسمبر القادم، بحسب الإعلان الصادر في نهاية اللقاء.
وجاء في “الإعلان السياسي في شأن ليبيا” أن “القادة الليبيين يلتزمون العمل بشكل بناء مع الأمم المتحدة لتنظيم انتخابات سليمة وذات مصداقية”.
وقال الرئيس الفرنسي إن الاتفاق يمثل “خطوة رئيسية نحو المصالحة” في البلد الغارق في الفوضى منذ سقوط نظام القذافي في 2011. ووصف اللقاء الذي عقد في الإليزيه صباحا بأنه “لقاء تاريخي تواكبه الأسرة الدولية بمجملها”.
واتفقت الأطراف الأربعة على “قبول نتائج الانتخابات والتأكد من توفر الموارد المالية اللازمة والترتيبات الأمنية الصارمة”.
واعتبر مراقبون أن لجوء المؤتمر إلى الإعلان عن الاتفاق دون منحه صفة الإلزامية القانونية، يعكس طبيعة المشكلة الليبية لجهة عدم قدرة الشخصيات التي حضرت المؤتمر على الحسم دون الرجوع إلى مرجعياتها السياسية في الداخل الليبي.
ووقع الإعلان رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج، ومنافسه الرجل القوي في شرق البلاد المشير خليفة حفتر، ورئيس برلمان طبرق (شرق) عقيلة صالح عيسى، ورئيس مجلس الدولة ومقره طرابلس خالد المشري، وذلك بعد أربع ساعات من المباحثات.
واتفق الفرقاء الليبيون على “الالتزام بتحسين الظروف العامة من أجل تنظيم الانتخابات الوطنية بشتى الوسائل الممكنة، بما في ذلك نقل مقر مجلس النواب وفق ما ورد في الإعلان الدستوري، وإلغاء الحكومة والمؤسسات الموازية تدريجيا، وحث مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة على السعي فورا إلى توحيد البنك المركزي الليبي والمؤسسات الأخرى”.
وحض ماكرون الفرقاء الليبيين وممثلي القوى الإقليمية الأخرى على الموافقة على خارطة طريق سياسية لتحقيق الاستقرار في البلد الغني بالنفط.
وشهدت الأزمة الليبية المئات من المؤتمرات والاجتماعات والبيانات والاتفاقات، خصوصا اتفاق الصخيرات، دون أن يؤدي ذلك إلى إنهاء المعضلة. ولم يقدم اتفاق باريس مخرجا حاسما، يجعل مؤتمر باريس مختلفا عن المحاولات الدولية السابقة.
ورغم تأكيد الرئيس الفرنسي ورئيس حكومة الوفاق الليبية على أن كافة الفرقاء الإقليميين والدوليين وأطراف الأزمة الليبية حضروا المؤتمر ووافقوا على الاتفاق، فإن مصادر ليبية أكدت أن أطرافا ومدنا ليبية عارضت المؤتمر وأصدرت بيانات ترفض فيها المشاركة.
وأثناء الاستعداد لالتقاط صورة جماعية، طلب ماكرون من ضيوفه إعلان التزامهم شفهيا بالاتفاق ففعلوا. وقال “إذا نحن نعمل على هذه الأرضية المشتركة. أحسنتم!”.
وحضر ممثلون من 20 دولة على رأسها الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، بالإضافة إلى مصر والإمارات وقطر والكويت والسعودية وتركيا وتونس والجزائر فعاليات الاجتماع.
وأثار تأكيد السراج أن الاتفاق يُخضع المؤسسة العسكرية للسلطة السياسية أسئلة حول ما إذا كان الأمر قد حظي بإجماع وحول ضمانات ذلك على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي الذي يمتلك تأثيرا داخل ليبيا. وأثار الأمر أسئلة حول مصير الجيش الوطني، الذي يقوده حفتر وموقع حفتر ذاته داخل التسوية التي يتوخاها المؤتمرون في باريس.
ويشكك دبلوماسيون في قدرة البلد، الذي ينتشر فيه السلاح وتسيطر عليه تيارات سياسية متناحرة وفصائل مسلحة، على إجراء انتخابات.
وسبق وأعلنت عدة دول، من بينها إيطاليا التي سبق أن استعمرت ليبيا، أن الليبيين في حاجة إلى الاتفاق على دستور جديد قبل إجراء انتخابات.
واعترفت مصادر مراقبة أن اللافت في هذا الاتفاق هو وجود مواعيد واضحة حددت موعد 16 سبتمبر المقبل حدا أقصى للمصادقة على تعديل دستوري وموعد 10 ديسمبر كموعد لإجراء الانتخابات التشريعية والدستورية.
وفيما لم يظهر أي جدل حول موعد إجراء الانتخابات، أوضح ماكرون أن مسألة التعديلات الدستورية ليست إلزامية إذا لم يتمكن الفرقاء من تحقيق ذلك قبل 16 سبتمبر، وأن الحلّ سيكمن في العودة إلى الإعلان الدستوري والسعي لإخراج مرجعية قانونية تجرى على أساسها انتخابات ديسمبر.
وفي أعقاب صدور الإعلان السياسي شدد السراج على أنه “لا بد من قاعدة دستورية متينة لإجراء الانتخابات، وبالتالي قيام مجلس النواب بإعداد القوانين اللازمة ومنها قانون الانتخابات”.
ودعا السراج إلى “وقف الاقتتال في كافة أنحاء البلاد”، كما دعا “كل الأطراف الحاضرة إلى العمل على إنجاح الاتفاق، معربا عن أمله في أن يكون الاجتماع المقبل في ليبيا”.
وقالت مصادر فرنسية مراقبة إن باريس نجحت في الحصول على ما تريد على مستوى الشكل، وأن ماكرون تمكن من انتزاع ما يحتاجه من إنجاز يرفد الدبلوماسية الفرنسية، في وقت تتحرك فيه باريس في محاولة لإنقاذ الاتفاق النووي مع إيران بعد انسحاب الولايات المتحدة.
لكن دبلوماسيين شككوا في قدرة باريس على ضمان تنفيذ هذا الاتفاق دون دعم وإجماع دوليين لا سيما من قبل روسيا والولايات المتحدة.
ويقول باحثون في الشأن الليبي إن ما حدث في باريس، رغم وصف المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة له بأنه تاريخي، لا يعدو كونه احتفاليا، وأن ما سيجري في ليبيا بعد عودة المسؤولين الليبيين سيكون امتحانا لمدى قدرة فرنسا على تحقيق إنجاز ينهي المأساة في هذا البلد.
لكن فرنسا تعول على حاجة العالم إلى تحقيق الاستقرار في ليبيا لمكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية وما يصاحبها من ظواهر الإرهاب، في الحصول على دعم العواصم الكبرى للمبادرة الفرنسية بصفتها الوحيدة القائمة على المستوى الدولي والأكثر صلابة، لا سيما وأنها تجري بعد أشهر من المداولات التي أجرتها باريس مع الدول المعنية مباشرة بالشأن الليبي.
وتؤكد مصادر في طرابلس أن الأطراف الليبية لن تجمع على تنفيذ اتفاق عام لا يلبي مصالحها الخاصة، وأن قدرة الأطراف التي لم تحضر المؤتمر كما تلك التي ستكون متضررة من تعطيله ما زالت عالية، وأن تنفيذ الاتفاق الذي ما زال نظريا وتحويله إلى خارطة طريق عملية يحتاج اتفاقا دوليا على أعلى المستويات لم يبد أن مؤتمر باريس قد حظي به حتى الآن.