الشعارات الدينية في المغرب.. جاثمة على الصدور وغائبة في كل الأمور

المغرب يعيش على وقع تحولات اقتصادية واجتماعية، أثرت على السلوكيات والنمط المعيشي في المجتمع الذي كان يوصف إلى وقت قريب بالمحافظ والملتزم دينيا وأخلاقيا.

الاثنين 2018/05/28

 لم يعد مستغربا أن ترى وتسمع مغاربة ينحدرون من مناطق محافظة، وهم يعرضون “خدماتهم على بلاتوهات التلفزيونات الخاصة”، ويسردون بوجوه مكشوفة، حياتهم الخاصة جدا حتى في أدق التفاصيل (خيانة زوجية وسفاح محارم)، وهو أمر ما كان ليحدث بالعودة إلى الوراء قبل سنوات قليلة فقط.

ما إن تفتح صحيفة واسعة الانتشار في المغرب ، حتى تُصدم بأخبار جرائم القتل البشعة، واختلاسات المال العام والسرقة وقطع الطرقات، فهل أصبحت أخلاق المغاربة من الماضي؟ أم أن الأمر مجرد “كلام جرائد” وأن الحقيقة في مكان آخر غير تلك الصفحات الصفراء؟

يقول الصحفي أناس مريد ، إن ذلك النوع من الجرائم منتشر منذ القدم بأشكال متفاوتة، غير أنه تفاقم أكثر مع زوال النظام القبلي والعشائري القديم وبروز الدولة الوطنية أولا قبل طوفان العولمة الذي أزال الحدود من العقول، وجعل ذلك النوع من الأخبار ينتشر بسرعة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، قبل أن يلتقطه هذا النوع من الصحف ليطغى على غيره من الأخبار “الجميلة” التي لا تجد لها مكانا في الميديا الجديدة.

لماذا كل التحولات والتغيرات التي شهدها العالم الغربي لم تعرقل مسيرته التنموية وتقدمه، بخلاف مجتمعاتنا نحن

ويضيف بالقول “صحيح أن الكثير من المغاربة أصبحوا يشعرون يوما بعد آخر بأن أخلاقهم الأصيلة في طريقها إلى الزوال، بفعل عوامل كثيرة، لعل أبرزها غياب قيم مجتمع مدني بديلة، والمجتمع أصيب بالفعل بصدمة حداثة قوية جدا ولم يكن مهيئا لمثل هذه التحولات، لكن الحقيقة الكبرى تقول إن من فقدوا أخلاقهم بشكل نهائي هم من أصحاب الصحف والقنوات الإعلامية الجديدة الذين فقدوا البقية الباقية من الأخلاق وتناسوا أخلاقيات المهنة وراحوا ينهشون ما تبقى من عقل القارئ طمعا في جيبه والنتيجة هي هذه الأخبار التي تدمر ما بقي من قيم”.

الإعلامية فاطمة الزهراء مجدي، المهتمة بكتابة التاريخ، ترى أنه لا يختلف إثنان في أن المجتمع المغربي يعيش انهيارا أخلاقيا كبيرا، وفي ذات الوقت تتفق الغالبية أيضا على أن ذلك يحد من تبعات العشرية السوداء التي كان لها تأثير على المجتمع المغربي بكل مكوناته.

وتنوه مجدي  إلى عامل آخر وهو التكنولوجيا وما فعلته بشباب المغرب، إلى الحد الذي جعل العائلات تعجز عن وضع حدود لأبنائها في التعامل مع وسائط التواصل الاجتماعي وما شابهها، وبذلك ألغت العولمة كلمة “محظورات” من قاموس المجتمع المغربي وأصبح كل شيء مباحا.

فالانهيار الأخلاقي هو وليد الممارسات الاجتماعية ووليد المجتمعات العصرية، كما أنه نتيجة اللامبالاة والاستقالة الجماعية للمؤسسات الاجتماعية وعدم الرقابة، إضافة إلى العولمة وما تبثه من سموم تعود على المجتمع بالضرر، كل ذلك يحدث باسم التحضر، متسائلة لماذا كل التحولات والتغيرات التي شهدها العالم الغربي لم تعرقل مسيرته التنموية وتقدمه، بخلاف مجتمعاتنا نحن؟

المغرب أصبح يعرف انتشارا رهيبا لظواهر لا تمت بصلة لقيم المجتمع المغربي، تحمل في طياتها انهيارا أخلاقيا أصاب الشباب

و لا شك أن الأزمة الأخلاقية التي يشهدها المغرب حاليا لا مثيل لها، وتعود إلى التنشئة الأسرية والاجتماعية السيئة المعادية للدين وللعادات والأعراف، كما تعود إلى العناد الذي تعود عليه المغاربة ، على اعتبار أن هذه الأزمة قد مست كل فئات المجتمع باختلاف المراتب المهنية والاجتماعية، وهذا ما ولد عدة ظواهر كالعنف والانحراف والجرائم.

فالمغرب أصبح يعرف انتشارا رهيبا لظواهر لا تمت بصلة لقيم المجتمع المغربي، تحمل في طياتها انهيارا أخلاقيا أصاب الشباب، من الجامعيين إلى المعطلين عن العمل، بما يهدد كيان المجتمع برمته، باعتبار أن زوال الأمم مرتبط بزوال أخلاقها.

فهناك استراتيجية مبرمجة لكسر الإنسان المغربي الذي كان قدوة في التزامه بالقيم الخلقية ومتمسكا بالقيم التربوية في كل سلوكياته ومواقفه الاجتماعية”، وأن الإنترنيت والعولمة، أنتجتا شبابا مغاربة منحلا خلقيا، متخلفا فكريا، وضعيفا ثقافيا. إلى أن لمثل هذه المجتمعات تسمية أخرى، وهي “مجتمع المخاطرة والمجازفة”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: