اللحم ضيف دائم على موائد العائلات المغربية في رمضان
استهلاك اللحم في شهر الصيام يفوق استهلاكه خلال بقية السنة، والغش يبدأ من تجار المواشي إلى محلات الجزارة.
ما إن تبدأ الأيَّام الأولى من رمضان في المغرب حتى يتحول جزَّارو حي التقدم بالرباط إلى وجهة مألوفة للمتسوقين. جزَّار حي البريد بالتقدم “عيان الحوتي” -والبعض يطلق عليه “سي عيان” تحبباً- ينشغل كل رمضان بإرضاء زبائنه الذين يتهافتون على محله. وبعد الإفطار تسمع مسجل محله يصدح بالأغنيات المرحبة بشهر رمضان.
عيان (45 سنة)، رهن إشارة جميع الزبائن في ما يُطلَب من لحوم بقر وغنم وماعز، ودجاج وديك رومي. يبيع مختلف اللحوم ذات النوعية الجيدة والممتازة، من درجة أولى وثانية. ومن بين ما يبيع البسطرمة ولحم طيحان، وليكو طليط غنمي.
يقدم لزبائنه مع ابتسامة عريضة أنواعاً من قصَّات اللحم التي تصلح لإعداد “الشاورما” بنوعيها الغنمي والدجاج، وقصَّة “القضبان ” لإعداد مشاوي اللحم، وشرائح الستيك بنوعيها البقري وصدور الدجاج. ويعد أيضا البسطرمة بمختلف أنواعها، والكفتة الرباطيّة، وشرائح كبدة الغنم والبقر، وما يصلح من لحم تم تقطيعه بشكل خاص لإعداد الطاجين المغربي.
من الوجبات الرمضانية: الطاجين باللحم وقضبان اللحم المشوية، والكسكسي باللحم والدجاج معا
الحوتي صاحب سكين حاذقة واحترافية، يقطع بها شرائح اللحم، فتبدو كأعمال فنية تبعث على دهشة الزبائن، وإعجابهم بعمله.
تتحول الشرائح الحمراء تحت سكينه الحادة إلى شرائح رقيقة يمكن لفها كشريط، لقليها أوسلقها أو تُعَدُّ منها مشاوٍ على الفحم. يقوم الحوتي بعمله أمام زبائنه بعد أن يضع على شريحة الستيك القليل من الصالصة والخردل، ويضعها في قطعة “بغرير” ـ(خبز مغربي).
وينتظر قليلا حتى يسمع صوت آذان المغرب ليأكل لمجته بتلذّذ، وقد يقدم لأحد الزبائن جزءا منها ليتذوق معه الطعم اللذيذ.
استهلاك المغاربة للحوم الحمراء ارتفع في السنوات الأربع الماضية من 14 كغ للفرد خلال السنة، إلى أكثر من 16.5 كغم للفرد الواحد، ومن المتوقع أن تزيد النسبة هذا العام حسب منشور فيدرالية اللحوم الحمراء بالمغرب .
وخلال شهر رمضان الماضي وحده، ذكر المنشور أن استهلاك المغربي الشهري ارتفع إلى أكثر من 1.5 كغ بدلا من 1.375 كغ، وهو المعدل الاعتيادي لاستهلاك الفرد في الشهور المتبقية، ما عدا الشهر الذي يحل فيه عيد الأضحى إذ ترتفع النسبة إلى 1.6 كغ للفرد فضلا عن لحوم الأسماك والدجاج والطيور.
وتنتعش أعمال الجزارين والمعاونين في المجازر العمومية في الرباط والدار البيضاء ومراكش وغيرها من المدن المغربية في هذه المناسبة، وتزدهر مبيعات الحيوانات للمجازر من البوادي والريف المغربي وأطراف المدن.
هاشم وردي (50 سنة) جزار في جوطية النهضة، قال لـ”العرب” “شهر رمضان من الشهور التي تزداد فيها مبيعاتي بمقدار الضعف. والشهر شهر خير وبركة ينفق خلاله المغاربة بلا حساب. والكثير منهم يحسب للشهر حسابه، ويدخر قبل شهور من حلوله للإنفاق فيه بأريحية”.
واستطرد وردي قائلا “أسعار اللحوم الحمراء هذه السنة بقيت على حالها ولم يتغيّر فيها إلا القليل، يتراوح سعر كيلو اللحم الأحمر بلا عظم بين 100 و110 دراهم (الدولار يساوي 9.2 درهم)، وسعر اللحم الأحمر بالعظم بين 80 و90 درهما، بينما سعر كيلو لحم الدجاج النظيف في حدود 45 درهما، و يبلغ سعر كيلو لحم الديك الرومي 63 درهما. وبالطبع توجد زيادة في الأسعار أحياناً خلال الشهر الكريم، لكنها ضئيلة لا تتجاوز درهمين أو ثلاثة دراهم”.
وتحدث وردي عن حالات غش اللحوم، فقال “بعض المربين يطعمون بهائمهم علفا فيه نسبة أملاح زائدة، مما يدفعها إلى شرب الماء بكثرة لزيادة وزنها قبل البيع للمجازر.
والنتيجة أن لحوم تلك الذبائح تحتوي على نصف أوزانها ماء يظهر لدى المستهلك عند الطهي، إذ ما إن تبدأ النار بطهي اللحوم حتى ينفضّ ماؤها في القدر. وطبعاً هذا الغش يكسب صاحب الذبيحة مبلغاً من المال لا يستحقه.
وبالنسبة لي كجزار قديم أعرف اللحم المغشوش، فأمتنع عن شرائه أو بيعه لزبائني”. وأضاف وردي “بعض محلات الجزارة تستخدم مواد حافظة من أملاح النترات لإعداد البسطرمة (النقانق) وكذلك لحوم الذبائح، لإكساب اللحوم اللون الأحمر الجذاب. وهي مادة حافظة مسموح بها قانونيا، ولكن بكميات قليلة جدا، غير أنه يساء استعمالها من قبل بعض الجزارين.
هذه المواد تؤخر فساد اللحم، ولكن إذا زادت كميتها ستؤدي إلى عوارض صحية وتسممات. ويتم اللجوء إلى هذه المجازفة لإكساب منظر اللحم جاذبية تدوم أطول فترة ممكنة، وحتى لا يتغير لون اللحم إلى أحمر مائل للسواد، وهذا دليل على فساده.
ويستخدم أصحاب الذبائح السرية هذه المادة بكثرة؛ إذ يشترون ذبائح تم ذبحها في البيوت، وهي عبارة عن بهائم مريضة أو نافقة. وهؤلاء يبيعون لحومهم بنصف أسعار السوق، فسعر كيلو اللحم الأحمر عندهم لا يتجاوز 50 درهما، وهم عادة يبيعون على قارعة الطريق بشكل غير قانوني، وتتابعهم لجان التفتيش الصحي البيطري. ويجد بعضهم ملاذات في الأسواق الشعبية، وضواحي الرباط والدار البيضاء ومراكش”.
تقول سعاد خمولي (35 سنة) -موظفة حكومية- “إن اللحوم الحمراء والبيضاء ضرورية للأسرة في وجبات الإفطار”، مضيفة “نبدأ بتناول السلطات، وبعد ذلك الطاجين بقطع لحم الضأن أو البقر أو الدجاج، أو السمك أو الرفيسة بالدجاج أو قضبان اللحم المشوية، أو الكسكسي باللحم (الغنمي أو البقري) والدجاج معا، أما السحور فعادة ما يكون وجبة خفيفة من الطاجين واللبن أو السايكوك وهي دقيق ذرة معمول بزيت الزيتون مع اللبن واللحم المسلوق”.
وتضيف خمولي “وهكذا كما ترى تُنفق مُدّخراتنا في رمضان على اللحوم والأسماك والحلوى، ومرات كثيرة يطلب الأبناء البسطرمة، وصدور الدجاج المقلية، والكفتة الرباطية في الإفطار والسحور”.
وتؤكد أن “إنفاق الأسرة يزداد في رمضان ضعف ما كان عليه في سائر أيام السنة، فرمضان يصير مهرجانا للأكل والإنفاق بلا حساب. وبالطبع الاعتدال في الإنفاق يبقي لرمضان بهجته، وبركته، وأفراحه التي لا ينساها أفراد الأسرة طوال العام”.
الحسن بلعسري عضو جمعية الجزارين بسوق المدينة القديمة في الرباط قال لـ”العرب” “توجد ضوابط كثيرة معتمدة من قبل لجان التفتيش الصحي البيطري على محلات الجزارين”.
وأضاف “محلات الجزارة محددة بضوابط صحية، منها سعة المحل، وتوفره على حوض كبير لتنظيف معدات الجزارة وآلات تقطيع اللحم، وعلى آلة لتسخين الماء، وبراد يحفظ درجة حرارة اللحم بين 2 و6 درجات، وكذلك على محافظ زجاجية مبردة لعرض اللحوم. ويكون المحل مزودا أيضا بمعالق من الألمنيوم لتعليق الذبائح. ويزود المحل بواجهة زجاج، وأبواب ألمنيوم، وجهاز لمكافحة الذباب والهوام. ويستخدم الجزّار القفازات المطاطية أثناء العمل”.