الجزائر: المهاجرون الأفارقة وشبح المطاردة والترحيل
تعتبر قضية المهاجرين واللاجئين الأفارقة، الذين رُحّلوا من الأراضي الجزائرية بالآلاف في الأشهر الأخيرة بطرق غير منسجمة مع أخلاقيات وقوانين الهجرة واللجوء السياسي التي نصت عليها قوانين منظمة الأمم المتحدة ومفوضية اللاجئين، قضية حساسة لم تنل مع الأسف حظها من النقاش في البرلمان الجزائري وعلى مستوى أحزاب المعارضة وروابط وجمعيات المجتمع المدني.
كما أن ما يحدث الآن للآلاف من هؤلاء الأفارقة المتواجدين حاليا في الجزائر من معاملات غير لائقة، تمارسها السلطات الجزائرية ضدهم، غير مقبول، علما أن هذه المعاملات تتخذ أشكالا متنوعة يتزامن فيها العنف الرمزي المتمثل في نبذهم وتهميشهم في فضاءات الفقر، بالعنف المادي المتمثل في مطاردتهم في أماكن تواجدهم ثم ترحيل كل الذين يتم القبض عليهم دون محاكمة عادلة، ودون التفاوض حتَى مع بلدانهم أو مع الهيئات الدولية المسؤولة عن ملف المهاجرين واللاجئين على المستوى الإقليمي والعالمي.
في هذا السياق ينبغي التذكير بأن مجموعة من المنظمات الجزائرية غير الحكومية قد نشرت مؤخرا تقارير وبيانات نددت فيها بالتصرفات غير المسؤولة التي تمارس على أرض الجزائر ضد المهاجرين واللاجئين الأفارقة، وخاصة التصرف المتمثل في مطاردة هؤلاء حتى في مطاعم “الرحمة الشعبية” التي تقدم وجبات الإفطار في رمضان بالمجان، مما جعل هؤلاء ينأون بأنفسهم عن هذه المطاعم وفقا للتقرير الميداني الذي نشرته يومية الشروق اليومي هذا الأسبوع، حيث أكد حقيقة مرة وهي إحجام أغلب الأفارقة المتبقين في الجزائر عن ارتياد مطاعم إفطار الصائم التي تنظمها جهات مختلفة خوفا من أن تطالهم عمليات الترحيل، حيث فضّل هؤلاء الاختفاء والإفطار لوحدهم، في مشهد مخالف تماما للطبعات السابقة، أين كانت الطوابير الطويلة تنتظر أمام تلك المطاعم لا سيما مطعم جزائر الخير بالدرارية غرب العاصمة، الذي كان يعتبر أكبر مطعم يضم الأفارقة ويفطر فيه يوميا ما يقارب 600 صائم ليتقلص العدد إلى أقل من 10 أفارقة فقط.
وفي الواقع فإن المطاردة ليست إلا أحد أشكال نبذ الأفارقة، حيث هناك ممارسات سلبية أخرى تحولت مع الوقت إلى مشكلات كبرى صار يعاني منها هؤلاء المهاجرون المتواجدون على الأراضي الجزائرية، وفي مقدمتها عدم توفير الدولة الجزائرية للمأوى اللائق والمأكل ومصاريف الجيب لهم بشكل رسمي وعلى نحو يحفظ كرامتهم كبشر.
لا بد من التوضيح هنا أن الآلاف من هؤلاء الأفارقة ينامون طيلة أشهر كثيرة في العراء وعلى أرصفة الشوارع وبعضهم الآخر يتكدسون جماعات في الحقول، وأمام مداخل البنايات السكنية.
من الملاحظ أن نسبة كبيرة من هؤلاء الأفارقة هم من الأطفال الصغار والنساء الذين أصبحوا بين ليلة وضحاها متسولين في الأزقة والتجمعات السكنية والأسواق وغيرها من الأماكن العامة.
في هذا المناخ هناك غياب ملحوظ للرعاية الصحية بين أوساطهم، علما أن ترك هؤلاء فريسة للظروف السيئة أمر لا ينبغي السكوت عنه لأن مثل هذه الأوضاع سوف تترتب عليها دون أدنى شك أخطار كثيرة تهدد فعليا حياة هؤلاء المهاجرين واللاجئين من جهة، وتعرض من جهة أخرى سلامة المحيط الاجتماعي الجزائري للأمراض المعدية، كما تشوه سمعة الجزائر في الساحة الأفريقية والدولية.
هناك مسألة خطيرة أخرى تساهم في تعتيم الوضع وهي تتمثل في تغييب السلطات الجزائرية للحقائق ذات الصلة بالجهات الممولة للاجئين والمهاجرين الأفارقة المتواجدين في الجزائر، وفي هذا السياق ينبغي طرح هذه الأسئلة على الحكومة الجزائرية: لماذا لم تنشر أجهزة الحكومة الجزائرية المسؤولة عن شؤون الهجرة واللجوء السياسي البيانات الرسمية المتعلقة بالجهات الوطنية والدولية التي تتكفل بتغطية نفقات هؤلاء المهاجرين واللاجئين؟ وكيف تقدم لهم؟
وما هو موقف السفارات الأفريقية التي يتبع لها هؤلاء المهاجرون واللاجئون؟ ثم لماذا لا تعلن الدولة الجزائرية، بكل وضوح، عن مقدار المساهمات المالية التي تقدمها منظمة الأمم المتحدة ووكالة غوث اللاجئين والجمعيات الخيرية ذات الطابع الدولي لصالح هؤلاء المهاجرين واللاجئين في الجزائر؟
في ظل الضبابية الشاملة بخصوص قضية هؤلاء المهاجرين، فإننا نجد الأحزاب الجزائرية المعارضة ومختلف جمعيات المجتمع المدني بالجزائر تكتفي بالكلام المعسول ولكنها لا تتحرك بشكل عملي لحماية المهاجرين واللاجئين، ومن أجل معاملتهم وفق القانون الدولي، وإلى جانب هذا يلاحظ أن الاتحاد الأفريقي لا يزال صامتا، علما أن الجزائر عضو في هذا الاتحاد ومطلوب منها أن تلتزم بقوانينه، منها القوانين التي تنص على حماية الرعايا الأفارقة في أي بلد أفريقي بما في ذلك الجزائر.